No Image
روضة الصائم

صُورة أبي نبهان الخروصي في كتاب تنوير العقول

01 أبريل 2024
01 أبريل 2024

كتاب تنوير العقول في علم قواعد الأصول جزء من موسوعة ألفها العالم الفيلسوف ناصر بن أبي نبهان الخروصي (ت:1262هـ)، وقد سماها (العلم المبين وحق اليقين) ثم قسمها إلى أسفار منها هذا السِّفْر الذي تكلم فيه في أصول الدين وعلاقتها بأصول الفقه. والذي أودّ التعرض له هنا ليس موضوع الكتاب وإنما بعض ما مثّل به ابن أبي نبهان في كتابه في سياق مناقشته لبعض مسائله، فهو ينقل بعض أخبار أبيه العالم أبي نبهان جاعد بن خميس الخروصي (ت:1237هـ)، وشيئًا من صور العلاقة بينه وبين أبيه.

وعندما ضرب المؤلف في شيء من مباحث كتابه مثلًا بتشابه خطوط الناس أو ما يعرف بـ«السلكة» وأن بعضهم له القدرة على محاكاة خط غيره وصف خط والده بقوله: «وفي نفسي أن خط والدي أعرفه من بين خطوط جميع الناس حتى صار في نفسي أني لو وجدت كلمة كتبها والدي بخط يده في كتاب هو بخط يده في أرض المغرب لعرفتها أنها بخط والدي...». ثم حكى أنه وجد كتابًا ينادى عليه في سوق فنظر فيه وعرفه يقينًا أنه بخط والده فاشتراه، لكنه بعد ذلك نظر فيه فوجد فيه بابًا آخر مكتوبًا عليه «هو من عمل الشيخ العالم الفقيه أبي نبهان جاعد بن خميس»، يقول: «فعلمت أن الكتاب ليس بخطه؛ لأنه من المحال عليه أن يكتب نفسه الشيخ العالم الفقيه» ثم فسَّر ذلك بظنه أن الناسخ أخذ النسخة الأصلية التي بخط أبي نبهان فنسخه منها حتى أحكم سلكة خطه، ثم وصف خط أبيه: «لأن سلكة والدي -رحمه الله- كانت من أحسن السّلكات في الخطوط؛ لأنه كان قويًا في الحفظ والفهم والذكاء، شديد النباهة في كل أمر وعلم». وفي موضع آخر وصف اشتغال أبيه بمختلف العلوم إذ يقول: «ووالدي -رحمه الله- لم يعلم علمًا إلا وتعرض لمعرفة شيء منه من علم اللغة الأصلية والاصطلاحية والنحو والصرف وعلم المعاني والبيان والبديع والعروض والقوافي، وجميع ما يتعلق بعلم الفصاحة والبلاغة، وعلم المنطق، وعلم الحرف والرياضات، وعلم الخواص، وتوغل في جميع ذلك، وعلم الرمل ونظم فيه، وعلم الفلك وألّف فيه، في كل كتاب ألفه في علم الحرف وعلم العزائم؛ لأنهما علمان متعلقان بعلم الفلك».

وقد نوّه المؤلف إلى علم الفلك وقيمته وأن في القرآن إشارات إليه مستدلًا بقصة النبي إبراهيم عليه السلام: (فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ * فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ)، وبأن المراد بالخُنَّس في الآية (فلا أقسم بالخُنَّس): «زحل والمشتري والمريخ والزهرة وعطارد، وخنوسها هو رجوعها في سيرها في بروجها بعد سيرها فيها مستقيمًا إشارة إلى علمها في ذلك».

وفي سياق مناقشته مسألة القهوة وتحريمها عند البعض، كان مما ساقه في القضية أنه إن احتج أحد على التحريم باحتراق الحَب فإنه لا حجة بالاحتراق، ثم قال: «لأنه لو حرم المحترق لم يجز أن يكتب أحد محوا بالمداد المعمول من الحلق ويشرب، ولا نعلم أن أحدًا من العلماء حرّم ذلك، بل وجدنا والدنا يكتب المحو بذلك ويأمر الطالب لذلك بشربه» ووصف بعد كلام مركبات عمل المداد: «مع أن المداد المعمول من الحلق أصله فحم منسحق، وقد يعمل من أرز محروق أو من ورق شجر مسحوق أو من فحم مسحوق».

وحكى ابن أبي نبهان قصة تأليف والده كتاب (المغانم في التخليص من المظالم) وأنه «رسمه في ألواح معمولة من الحصى الأخضر، المتوسط في الصلابة، بالرخام الأبيض، بخط متداخل الحروف في بعضه بعض، لا يعرف أحد يقرأه غيره لشدة تداخل الحروف بعضها في بعض»، ثم عَرَّف بالكتاب وموضوعه، وذكر بعد ذلك أنه تمادى في نقله من الألواح إلى القراطيس، وأن من عادة أبيه أنه كلما انفتح له فن من المسائل وبدأ في تصنيفه ثم انفتح له فن آخر ترك الأول خشية أن يذهب عنه الآخر، وأنه لما مات لم يبق في الألواح إلا أثر الكتابة ولا يمكن لأحد أن يقرأه لشدة انطماس الحروف أو لتداخلها حتى لم يمكن معرفتها.

وفي مناقشة المؤلف لمفهوم «المباح» ضرب أمثلة من أعمال الناس وصنائعهم ومما ذكره شيء من عمل النسيح إذ يقول: «من اجتهد في تجويد فتل هدوب عمامة له، وتدقيق خيوطها، وتحسين فتلها وعقدها...»، ثم ضرب مثلًا آخر: «ومثله من يجوّد نقش خشب بابه المنصوب على جهتي لوحي الباب، والخشب الذي أعلاه، والخشبة المنصوبة في طرف أحد لوحَي الباب اجتهادًا بالغًا، أو يثقب خشبًا يجعله أعلى الباب، ويجتهد في تجويد الثقوب على صورة حسنة لا نية له غير التلذذ بذلك كذلك أو يبذل لغيره أستاذًا لعمل ذلك فهو من المباح...»، وهو هنا يصف شكل الأبواب التي كانت تُصنع في بلدان عمان قديمًا، إذ الأخشاب المنقوشة هي إطار الباب وأنفه أي وسطه وهي القطعة التي سماها: «الخشبة المنصوبة في طرف أحد لوحي الباب». وفي الباب نفسه ناقش المؤلف مسألة نقش محراب المسجد بغير تزويق بالأصباغ وذكر القول بالكراهة، لكنه استدرك بعد ذلك برأيه إذ يقول: «ومعي أنه يجوز، ولا يشك أحد أنه مما يزيده شرفًا وتعظيمًا وهيبة في قلوب الناظرين إليه، ولا فرق بين نقش محرابه وبذل الأجرة لذلك، وبين تجويد نقش خشب أبوابه التي قدمنا ذكرها، وتجويد ثقوب الخشب الذي يركب في القوس الذي هو أعلى من الباب» ثم حكى أن والده نقش أبواب مسجده وأنه أراد منه أن ينقش المحراب: «وقد فعل والدي -رحمه الله تعالى- كذلك في أبواب مسجده الخشب الذي يجعل في أعلاه، وأراد مني أن أنقش الحجار من المحراب الذي في طرف جهاته اليمين والشمال والأعلى، بِراءتٍ معرَّجةٍ متداخلة بعضها في بعض، فلم يساعدني الدهر في نقشه...». وقد ناقش المؤلف في مبحث آخر فروع العلوم وأهميتها واشتغال العلماء بها على النحو الذي كان عليه والده، وعليه فالكتاب في ثناياه نصوص مهمة خارجة عن موضوعه الأساس.