No Image
روضة الصائم

سليمان الهطالي : اضطررت إلى السفر للدول المجاورة وأنا صغير للعمل بأجور زهيدة

03 أبريل 2023
ذكريات الشهر الفضيل
03 أبريل 2023

كنت أمتلك السيارة الوحيدة التي تعمل على نقل المواطنين من الولاية

لشهر رمضان في الماضي حكايات وقصص يرويها كبار السن في ولاية الحمراء بين الآمال والطموح وقضاء الأعمال وطبيعة الحياة التي تحتم على الإنسان أن يعيشها بكل ما تفرزه من أوضاع معيشية. وحول حياة الماضي وقضاء أيام الشهر الفضيل يحدثنا سليمان بن شغيل الهطالي من بلدة ذات خيل بولاية الحمراء قائلا: لقد تربينا وترعرعنا على التقيد بتعاليم الإسلام الحنيف والصبر على أداء فرائضه من أداء الصلاة في أوقاتها في المسجد مع آبائنا، وقد بدأت صيام أول شهر رمضان وعمري 8 سنوات، وكان وقتها آخر القيظ، حيث بدأ الجو في الاعتدال، وقد وجدت صعوبة في أول يوم أصوم فيه لكن بتشجيع الأهل والعزيمة الصادقة واصلت حتى تعودت على الصيام، والحمد لله أكملت صيام الشهر.

وحول سؤالنا، عن كيف كانوا يتحرون هلال شهر رمضان، يقول: يختلف تحري رؤية الهلال بين الماضي والحاضر، حيث كانت تنعدم وسائل الإعلام بكافة أنواعها وكان الاعتماد على أقوياء النظر الذين يصعدون فوق ربوة مرتفعة ليروا الهلال، ومن ثم يتم تبليغ المواطنين عن رؤيته من عدمه، ويتم تحديد دخول الشهر أو إتمام شهر شعبان، ومن المفارقة في الأمر أنه يمكن لقرية ترى الهلال وقرية أخرى لا تراه فيصوم أهالي هذه القرية ويكمل الشهر أهالي القرية الأخرى فليس بينهم تواصل، وهكذا عند هلال شهر شوال وبداية أيام العيد، فليس في كل القرى مدافع تطلق لتنبيه المواطنين بثبوت الرؤية، وسألناه هل صادف أنكم صمتم في أول أيام العيد، فأجاب: نعم، حدث ذلك، ففي بعض الأعياد نصبح صائمين ونبلغ الصباح بأنه تم رؤية الهلال واليوم هو أول أيام العيد فنفطر الصباح ونقوم بتأدية شعائر صلاة العيد.

وحول قضائهم نهار شهر رمضان يقول سليمان الهطالي: كنا نسير وراء خطى آبائنا، نساعدهم في قضاء الأعمال حسب مقدرة الفرد فينا، فكانت لا توجد مدارس نذهب إليها للتعلم إلا مدارس القرآن الكريم وتنتهي في الضحى من النهار، وبعد ذلك نساعد آباءنا ممن يعمل في الزراعة أو بقية المهن لحين من الوقت ويجعلون لنا وقتا للراحة.

وحدثنا الهطالي عن الوجبات الغذائية التي يتناولونها عند الإفطار وما بعده والسحور، حيث يقول كانت الوجبات هي التمر ومشتقات الدقيق والألبان وقليل من الرز فيما بعد إلى جانب اللحوم والأسماك.

وحول الأعمال التي يقومون بها في نهار رمضان وعما إذا كانوا قد مروا بمواقف صعبة وهم صائمون، يقول: كانت هناك مواقف صعبة في أغلب الأوقات حيث لا توجد مقومات للحياة الكريمة التي نعيشها الآن نظرا لحاجة الناس إلى أبسط ما يتوفر اليوم، فعدم وجود المواد الغذائية الكافية إلا ما نقوم بزراعته وحصاده من التمور والحبوب والقمح والبقوليات وغيرها مما تجود به أرضنا الطيبة، وإذا صادفت كوارث طبيعية مثل الأمطار أو الجفاف فقد يصاب المحصول بالتلف مما يجعلنا بحاجة إلى جلب مواد من خارج المنطقة وتصل بشق الأنفس لعدم وجود وسائل نقل تحمل ما يكفينا من مؤن، فالاعتماد على الدواب فقط.

وأضاف: وقد مررت منذ طفولتي بمواقف صعبة جدا أحكيها لكم، فقد اضطررت إلى السفر للدول المجاورة وأنا صغير السن للعمل هناك بأجور زهيدة وكانت المشقة تتمثل في عدم وجود إدارة ترعى شؤون المواطنين والجوازات من عدة جهات لنتمكن من السفر، وفي أحد المواقف قبل عام ١٩٦٧م كنت في إحدى الدول التي دخلتها مع أحد المسافرين بجواز آخر وكان جوازي الذي استخرجته من عمان في المنزل وقد عملت هناك لفترة، وعندما أردت الخروج لم يكن لدي جواز سفر فطلبت إحضار جوازي من عمان وكانت المراسلات تتأخر لمدد طويلة حتى وصلني الجواز، وعندما عدت إلى أرض الوطن تعرضت لمواقف صعبة حتى كدت أدخل السجن لولا رحمة الله وذلك المسؤول وقد كان الوقت صيفا ونحن نصوم شهر رمضان الفضيل، وقد قضيت فترة في البلد وسافرت مرة أخرى بعد انقضاء شهر رمضان وانتهاء العيد وبقيت في تلك الدولة مدة ثلاث سنوات تعلمت فيها قيادة المركبات وقد اشتريت مركبة من هناك لأجلبها معي إلى عمان وكان ذلك عام ١٩٧٠م.

وحين تسلم مقاليد الحكم في البلاد جلالة السلطان قابوس -طيب الله ثراه- ومررت بمواقف صعبة حتى أوصل المركبة التي كانت من نوع لاندروفر إلى هنا فقمت بشحنها في سفينة إلى منطقة خورفكان ومعها مركبتان من نوع صالون وكنا ننزل السيارات بالأيدي لعدم وجود معدات ووصلت بها إلى مسقط ليلا وفي الصباح ذهبت لتسجيلها في الجهة المختصة، وكانت السيارة الوحيدة التي تعمل على نقل المواطنين من الولاية إلى المناطق الأخرى، وكان لا توجد طرق إلا ما صنعته السيارات التي كانت تحمل البضائع من نوع بيدفورد وتوالت فضائل النهضة الحديثة في سلطنة عمان بقيادة المغفور له بإذن الله السلطان قابوس بن سعيد، فبدأنا نعمل في عدة مجالات منها الأعمال الحرة والالتحاق بالعمل الحكومي، ثم سائق حافلة مدرسية التي ما زلت أعمل بها حيث مارست مهنة قيادة المركبات لأكثر من خمسين عاما.

وسألناه هل تعرضت لحوادث أو مخاطر الطرق خلال هذه المدة؟ يقول سليمان الهطالي: الحمد لله، مع الحرص والتقيد بالأنظمة والقوانين والسير في الطرق حسب السرعة المحددة لم أتعرض لأي حوادث وكنت أتفادى أخطاء بعض قائدي المركبات على الطرق العامة.

وسرد لنا سليمان الهطالي المظاهر الاجتماعية خلال رمضان في الماضي فيقول: يتميز الشعب العماني منذ القدم بخصوصيات التكاتف والتعاون والتراحم حيث كان يتم إفطار الرجال في المسجد وكان هنالك وقف مخصص لكل مسجد يتم عن طريقه إحضار تمر كوجبة للإفطار مع الماء وتقام شعائر صلاة المغرب، وبعدها كل يذهب إلى بيته لتناول وجبة العشاء، ثم نعود للمسجد لأداء صلاة التراويح وبعد انقضاء الصلاة يتجمع الجيران لتناول القهوة والتمر وتقديم الوجبات المتوفرة التي يتم تحضيرها من المواد المحلية.

وفي الأيام الأخيرة من شهر رمضان يتم الاستعداد لاستقبال العيد فتجد النساء يخيطن الملابس في منازلهن ويتم إعداد مستلزمات العيد من البهارات، وتبدأ أفراح الأطفال بقدوم العيد بوضع الحناء وعمل الشبكة للبنات وفي اليوم التاسع والعشرين من رمضان نتجمع في المساء كبارا وصغارا لتحري رؤية هلال العيد فإذا ثبتت رؤية الهلال أصبحنا نتبادل التهاني ونقيم صلاة العيد في المصلى المخصص.