روضة الصائم

سليمان الخروصي: مساجد القرية عامرة بحلقات الذكر وتعليم القرآن الكريم عند شدة الحر في رمضان يستحم الناس في الفلج بملابسهم

19 أبريل 2022
ذكريات الشهر الفضيل
19 أبريل 2022

لا زال يمتهن التجارة في أحد المحلات التجارية بجوار مستشفى وادي بني خروص، وقد بلغ من العمر 80 سنة، وحالته الصحية جيدة ولله الحمد ولا يزال يستطيع ممارسة حياته الطبيعية بكل يسر، ويستطيع المشي من منزله وإلى دكانه بشكل يومي ذهابا وإيابا لكنه يعاني من ضعف في النظر، إنه سليمان بن سالمين بن سليمان الخروصي من قرية ستال بوادي بني خروص بولاية العوابي بمحافظة جنوب الباطنة.

استرجعنا معه ذكرياته عن رمضان، وكيف كانوا يقضون نهاره، والصعوبات التي مرت بهم في الماضي، وغيرها من الأحاديث والذكريات ذات الشجون.

يقول الخروصي: تعلّمت القرآن الكريم على يد المعلم أحمد بن منصور الخروصي ثم أتممت تعليمي على يد المعلم منصور بن مرهون المياحي. وعن أسفاره يقول: لقد سافرت منذ سنوات إلى جمهورية الهند وهي الدولة الثانية التي أسافر إليها بعد المملكة العربية السعودية التي سافرت إليها خمسة وعشرون مرة لأداء فريضة الحج (عن نفسي وعن والديّ وعن أناس ائتمنوني لأداء فريضة الحج عنهم) وخلال أدائي لمناسك الحج كنت أتمتع بحيوية ونشاط وقال لقد أديت بنفسي كل المناسك في المشاعر المقدسة.

وعن أول شهر رمضان صامه يقول كان عمري ست عشرة سنة وكان بأمر والدي ووالدتي حيث شجعاني على أداء فريضة الصيام، وقد توافق صومي في الصيف وشدة الحر وأذكر أن الكثير ممن يرهقهم الصوم ويصيبهم العطش يسبحون في الفلج بملابسهم فالملابس المبلولة تخفف من شدة العطش وخاصة عندما يتصادف الصوم مع جداد المبسلي وهي ذروة الحر في ذلك الوقت، فالناس لا يطيقون حرارة الشمس وكذلك تجد البعض يقضي وقته تحت ظلال الأشجار (النخيل أو الليمون) لعدم وجود وسائل التكييف مثلما هو الآن موجود.

وعن رؤية هلال شهر رمضان يقول كان ينتدب اثنين من أهالي القرية ممن عرفوا بحدة النظر ويتم تأجيرهم كل واحد بقرش فيذهبان إلى الجبل الشرقي لبلدة ستال كونه مرتفع وعند رؤيتهم للهلال يطلقون النار ببنادق يحملونها ثم يتابع طلق النار للبلدات المجاورة وكانت هي وسيلة الاتصال في إشعار الناس برؤية هلال رمضان أو لبداية شهر شوال وأول أيام عيد الفطر إذ لم تكن توجد الوسائل الحديثة وقد حدث في إحدى المرات أن أصبحنا صائمين وهي أول أيام العيد لعدم معرفة أهل البلاد بهلال الأول من شوال وعندما بلغنا الخبر أفطرنا واحتفلنا بالعيد وهذا كان كثيرا ما يحدث وأذكر في إحدى شهور رمضان رأى الأهالي من قرية ستال هلال شوال ولم يسمع أن بلدا آخر رأته آنذاك وذهب الرجال الذين رأوه لإبلاغ الوالي في العوابي (مركز الولاية) ثم انتشر الخبر وأعلنوا العيد في بقية البلدان المجاورة.

وعن مصدر معيشته وحياته يقول لم أسافر إلى الخارج للعمل وإنما مارست العمل في بلدي ستال منذ أن كان عمري عشرين سنة حيث اشتعلت في شؤون الزراعة بكافة صنوفها وأنواعها وخاصة أعمال النخلة العلوي أو الأرضي وكذلك زراعة المحاصيل في مواسمها سواء كان في شهر رمضان أو في بقية أشهر السنة، كما عملت في التجارة وكنت أصل إلى ولاية بهلا ونيابة الجبل الأخضر وأستعين بالدواب من الحمير لحمل الأمتعة حيث أنقل البضائع من ستال إلى تلك الأماكن ثم أجلب إلى سوق ستال الفواكه المختلفة من منتجات الجبل الأخضر وقال في تلك الفترة كان سوق ستال من أكثر الأسواق نشاطا لأنه همزة الوصل بين الجبل الأخضر والولايات المجاورة له من ناحية نزوى وأيضا بين ولايات جنوب الباطنة وقال كنا في الماضي نعتمد في الأكل بنسبة كبيرة على ما نزرعه من محاصيل وما نحصده من المنتجات المحلية المختلفة كالبر «القمح» والشعير والدنجو واللوبيا وغيرها وكذلك الفواكه المختلفة فكانت الأرض تعطينا الخير.

كما أن الوجبات الرئيسية موجود وطبيعية كالسمن والعسل واللحوم والدجاج وغيرها، صحيح أن الناس عاشت في حالة مادية صعبة لكن الأمور سارت والحمد لله على خير وتخطينا تلك المرحلة ونعيش الآن حالة من الاستقرار الأمني والغذائي.

وعن كيفية حصولهم على ماء الشرب وطريقة حفظه وتبريده يقول الوالد سليمان الاعتماد الوحيد لماء الشرب كان من الفلج وكان يحفظ في المنازل في أواني من الصفر «النحاس» أما الماء البارد فكنا نحفظه في جحال وهي المصنوعة من الفخار ونعلقها في وتد من الحطب أو على نوافذ المنازل أو نستخدم جلود الحيوان وهو ما يسمى محليا (السعن) حيث يحفظ الماء ويحفظ له برودته.

وقال: كنا في شهر رمضان لا نحتاج لانتظار الأذان في السطوح فكان المؤذنون للصلوات من أصحاب الأصوات القوية ويسمعونهم من أماكن بعيدة كما إن تضاريس المكان تساعد على إيصال الصوت كون قرية ستال تحيط بها الجبال فيتردد صوت المؤذن في كل ناحية منها ولا شك أن صوت المؤذن مهم جدا خاصة أيام الشهر الفضيل لتناول وجبتي الإفطار والسحور وقال في شهر رمضان وغيره أهالي القرية ينظمون حلقات لتدارس القرآن الكريم وتعليم الأطفال كتاب الله في معظم مساجد القرية كما إننا نجتمع لتبادل الأخبار والحكايات والقهوة وتبادل الأحاديث فكانت هي الوسيلة للاجتماع والتشاور ولتبادل الأفكار والآراء لمصلحة القرية.

أما عن الوجبات التي يتناولونها في رمضان ففي الفطور التمر واللبن والماء والعشاء الأرز وما تيسر من المكونات الأخرى والسحور اللحم مع الخبز أو مع الأرز كما يتم إعداد الشوربة كالحلبة والعدس وغيرها، وأخيرا تحدث الوالد سليمان عن مظاهر العيد وقال نكون مستعدين بملابس حديثه وكانت الثياب يتم تخيطها في المنازل كل أسرة تقوم بخياطة ملابس أفراد عائلتها كما توجد نساء تستأجر الخياطة و كانت خياطة يدوية بالخيط والإبرة وليس بالمكائن الحديثة وكانت الدشداشة الواحدة تستغرق وقتا طويلا وكان (ذراع) الثوب بقرش والقرش في ذلك الوقت له قيمة كبيرة ويستغرق أيام للحصول عليه.