روضة الصائم

الرسول صلى الله عليه وسلم والشباب

28 أبريل 2022
28 أبريل 2022

لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم شديد العناية بالشباب، حريصاً على توجيه قدراتهم ومهاراتهم بالطريقة المثلى، فأنصت لهم برفقة ولين، واحتضن عقولهم وقلوبهم بحكمته ولطفه، فشمِل بأبوته النبوية كل ما يحتاجه الشاب فكرياً وجسدياً وعاطفياً.

فمن حيث رعايته لعاطفة الشباب، فقد كان صلى الله عليه وسلم متفهماً لرغباتهم، مدركاً لغرائزهم، ففي حديث أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: «إن فتى شاباً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ائذن لي بالزنى، فأقبل القوم عليه فزجروه، وقالوا: مه مه. فقال: أدنو فدنا منه قريباً، قال: فجلس. قال: أتحبه لأمك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداءك. قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم. قال: أفتحبه لابنتك؟ قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداءك. قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم. قال: أفتحبه لأختك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداءك. قال ولا الناس يحبونه لأخواتهم. قال: أفتحبه لعمتك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداءك. قال ولا الناس يحبونه لعماتهم. قال: أفتحبه لخالتك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداءك. قال ولا الناس يحبونه لخالاتهم. قال: فوضع يده عليه، وقال اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصن فرجه. قال: فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء» (رواه أحمد في مسنده)، فقد اتسع قلب النبي صلى الله عليه وسلم للسائل وناقشه مناقشة عقلية منطقية واحتواه بلطف ومحبة ولم يزجره أو ينهره، وتدرج معه في الحوار حتى اقتنع وتبين له خطؤه في هذا الطلب وعظمته.

أما من حيث رعايته صلى الله عليه وسلم للشباب من الناحية الفكرية، فقد احتضن عقولهم وقلوبهم، فكان مجلسه مدرسة حاضنة لأفكارهم، وكان لهم معلماً مجيباً لكل ما يشغل فكرهم، مصححاً لهم إعوجاجهم، فعن معاوية بن الحكم السلمي قال: «بينما أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ عطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك الله! فرماني القوم بأبصارهم، فقلت واثكل أمياه! ما شأنك؟ تنظرون إلي. فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يصمتّوني. لكني سكت، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فبأبي هو وأمي ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه. فوالله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني. قال: « إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن»، (رواه مسلم).

فضرب لنا النبي الكريم هنا أنموذجاً تربوياً في التعامل مع أخطاء الشباب، فليس بالضرب ولا بالصراخ نحل مشاكلهم بل بالرفق واللين والقول الحسن. ولم يقتصر دور النبي صلوات الله عليه وسلامه على تصحيح أخطاء الشباب، بل اهتم بتنمية فكرهم، وتعزيز ثقتهم بأنفسهم وقدراتهم، فنجده قد آمن بأن الشباب باكورة الأمم، وبهم تزدهر المجتمعات وتتقدم، فائتمنهم على بعض المسؤوليات الجسام كبعثه لأسامة بن زيد بن حارثة رضي الله عنه إلى الشام، فقد كان شاباً يافعاً يقود جيشاّ عظيما به كبار الصحابة من الأنصار والمهاجرين من بينهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه. فضرب مثلاً رائعاً لأولي الأمر أن يعتنوا بطاقات الشباب التي إن وجدت أرضاً خصبة أينعت وأثمرت، فينعم بها أهلها وينعم بها أهل الأرض جميعاً.

ومن صور رعايته صلوات الله عليه وسلامه لفكر الشباب، هو اهتمامه بإبراز مكانتهم العلمية، والثناء عليها، والإيمان بما وصلوا إليه من العلم، ولم يقف الأمر على ذلك بل وجّه النبي صلى الله عليه وسلم أمته للاستفادة والتعلم منهم، لما فيه من فائدة عظيمة تعود بالنفع عليهم وعلى المجتمع أجمع، فقد روي عنه صلى الله عليه وسلم بأنه قال: «خذوا القرآن من أربعة: من ابن أم عبد، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وسالم مولى أبي حذيفة» (رواه مسلم).

كما أنه صلوات الله عليه وسلامه قدّم لنا صورة تربوية ملفتة في احترامه لحقوق الشباب وتقبل آرائهم، فقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أُتي بشراب فشرب منه. وعن يمينه غلام وعن يساره أشياخ. فقال للغلام: «أتأذن لي أن أعطي هؤلاء؟»، فقال الغلام: لا. والله! لا أوثر بنصيبي منك أحداً. قال: فتلَّهُ -أي وضعه- رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده، (رواه مسلم). ففي احتفاظ النبي صلى الله عليه وسلم لحق الغلام هنا منهج تربوي بضرورة احترام رأي الشباب؛ إذ جرت العادة البدء باليمين، لا سيّما إن أتحتَ لهم الاختيار والتعبير فإنه لا يحق لك كولي أمر بعد ذلك الرفض أو التجهم أو الانتقاص من رأيهم وحقوقهم ما لم يخالفوا شرعاً نزل أو عُرفاً انتشر.

أما من حيث عنايته صلى الله عليه وسلم بالشباب من الناحية الجسدية، فقد زخرت السنة النبوية بوصايا عدة تحث على أهمية أن يتمتع المسلم بالصحة الجسمية ووجوب ذلك على المسلم شرعا، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «نعمتان مغبون فيها كثير من الناس: الصحة والفراغ» (رواه البخارى)، والناظر في هذا الحديث الشريف يرى عمق إدراكه صلوات الله عليه وسلامه بأهمية امتلاك المسلم الصحة الجسمانية بالإضافة لشغل وقت فراغه بالمفيد لما له دور عظيم في قيامه بعبادة الله عز وجل على الوجه الأمثل، وهو ما ينعكس إيجاباً على الفرد والمجتمع، وإن أول من عليه الاهتمام بهاتين النعمتين هم الشباب، فهم عماد الأمة وبهم يشرق مستقبلها وتتحقق آمالها، فلا يجب عليهم أن يهملوا ما وهبهم الله من الصحة والقوة والفتوة، لهذا نجد حرص النبي صلى الله عليه وسلم على أن يوجّه الشباب على حرمة إرهاق الجسم بما لا ينفع كالسهر المتواصل، والعمل الدؤوب دون إراحة، فقد روي عن أنس بن مالك بأنه قال: جاء ثلاث رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أخبروا كأنهم تقالُّوها، فقالوا: أين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم؟ قد غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وما تأخر، قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبداً، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله أني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني». (رواه البخاري). ففي هذا الحديث توجيه نبوي كريم بالوسطية في التعامل مع الجسم، بلا إفراط ولا تفريط، فليس من العقل أن يحرم الإنسان جسمه من نوم أو طعام أو زواج بدعوى الزهد والتقوى أو أن يسلّم جسده للنوم المتواصل والطعام الزائد بدعوى الحرية الشخصية بل هذا من التعذيب الجسدي، ودين الله القويم لا يُقام بالتعذيب بل بالوسطية والاعتدال، ولا يمكن لأي أمة أن تنهض بأجساد معلولة مريضة معذبة، لهذا اهتم صلى الله عليه وسلم بتقويم تفكير الرهط الثلاثة بما يضمن لهم حياة صحيحة سليمة يهنئون بها وتهنأ بهم أمتهم.

ومن هنا يقع على عاتق الأمة الإسلامية اليوم بأن تنهض بشبابها، وأن توليهم القدر الذي يحتاجونه من الرعاية والعناية والاهتمام، بما يخدم دين الله العزيز وبما يمكنهم من خلافة الأرض التي ائتمنها الله عز وجل عباده المسلمين، وليس هذا ببعيد المنال ولا صعب التحقيق؛ فبين أيدينا كتاب الله الكريم ذو المنهج القويم، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ذو اللطف والعقل الحكيم.