303
303
روضة الصائم

البساطة كانت لسان حال ليالينا الرمضانية وأخشى انقراض بعض العادات

29 أبريل 2021
كنا نجوب المنازل بحثا عن العيدية ونشاهد ركضات العرضة والفنون في أيام العيد
29 أبريل 2021

حاوره ـ خلفان بن حمد الحسني

عبر الفضاءات الرحبة للمحطة الرائعة «روضة الصائم» تستوقفنا رسمات بهيّة لآبائنا وأجدادنا وهم يسردون ألوانًا من مواقفهم الحياتية، فنبتسم ونضحك آنًا ونبكي آنًا آخر لتلك اللحظات التي يروونها عبر تفاصيل حكايتهم..

ضيف هذه المحطة شخصية متواضعة يرسم الوقار تقاسيم وجهه المشرق، سافرت بنا إلى عوالم جميلة من ذكريات السفر والحياة الاجتماعية والمظاهر الرمضانية والعيد.. إنه الوالد عامر بن ناصر بن جميع المسروري من سكان السيح الشرقي بولاية جعلان بني بو حسن، منذ بدء حوارنا إلى انتهائه والبسمة لا تفارق شفتيه، ورغم سنه الذي يقارب السبعين إلا أنه كان حيويًا عبر هذا الحوار مسترسلًا في حديثه بروائع القصص والآيات القرآنية والأحاديث النبوية والحكم والأمثال.

حياته

شهدت حياة الوالد عامر المسروري محطات عامرة بالتنقل والترحال، حيث سافر صغيرًا إلى دولة الكويت عمل خلالها ثماني سنوات جزءا منها في الجيش، كما تنقل إلى دولة الإمارات وعمل بها في الشرطة لمدة، بعدها رجع إلى أرض السلطنة والتحق بوظيفة في وزارة التنمية الاجتماعية متنقلًا بين الرستاق وإبراء وصور ووادي بني خالد. رفع صوته مؤذنًا لأربعين سنة ولا تزال نبرة صوته الرخيم تزهر كل حين بالآذان لكل صلاة.

تحري الرؤية

وحول تحري هلال رمضان يتحدث الوالد قائلًا: كنا نتحرى هلال رمضان في زماننا بالرؤية لقلة الوسائل الحديثة آنذاك، فأحيانًا نسمع دوي المدفع من ولاية الكامل والوافي إيذانًا بالصوم ومرات من ولاية جعلان بني بو علي ومرات من الولاية نفسها، كما تأتي برقيات إلى مكتب الوالي تفيد بدخول الشهر الفضيل، وكذلك لعيد الفطر. ومما أذكر أننا في هبطة 27 من رمضان نشتري الحلويات والمكسرات وبعض المشتريات نخصصها فقط للأكل في ليالي رمضان. وعن عمره عندما بدأ الصيام تحدث مبتسمًا: بدأت الصيام في سن السابعة تقريبًا فمرات نصوم ومرات نسترق أنفسنا بعيدًا عن أهلنا وأهل الحي ونسرق رمضان أي نفطر في نهاره، إلى أن تعودنا على الصيام والحمد لله.

المظاهر الرمضانية

ومن الأجواء والمظاهر الرمضانية آنذاك تحدث بالقول: كانت قراءة القرآن تبدأ بعد الفجر وبعد التراويح مع الأهل، والجلوس في حلقات القرآن بعد صلاة الظهر والعصر في المسجد، والجلوس كذلك في سبلة الحارة بين المغرب والتراويح إلى جانب تناول التمر والقهوة والاستماع إلى أحاديث كبار السن والاستفادة منها، والقيام بالزيارات الأسرية والأرحام، وتبادل الأطباق بين الجيران، وإفطار الأهالي في مسجد القرية بحيث كل واحد يأتي بطبق، مع توزيع التمر واللبن للفقراء والمساكين عصر كل يوم.

وحول ما يعانيه الناس في الصوم في ذلك الوقت قال: كنا نعاني من الحر الشديد في أيام القيظ إذ نقوم بجني الثمار وعملية التبسيل في تلك الأجواء الحارة ونحن صائمون فكان العمل شاقًّا، ولتفادي ذلك الوضع كنا نتبرد بين الأشجار نستمتع بعليلها كذلك نرمي بأنفسنا في السواقي كي نرطب أجسامنا خلالها.

وأوضح المسروري أن البساطة كانت هي الشاهد على محيا ذلك الزمان إذ كان الفطور عبارة عن تمر وماء ولبن وأرز وسمك ولحم، وكذلك السحور؛ أما اليوم فتشهد الموائد الرمضانية بساطًا واسعًا من المأكولات والمشروبات تُعدّ لساعات طويلة، قد يؤكل منه الشيء البسيط والبعض منه يعطى للجيران، ويبدو أن الباقي يرمى به إلا من رحم الله، ونسأل الله العافية.

مظاهر العيد

و يواصل الوالد عامر المسروري حديثه قائلًا: من مظاهر العيد أننا كنا نؤدي صلاة العيد في مسجد القرية ونستمع إلى خطبة العيد ونتبادل بعد انتهاء الصلاة التهاني والتبريكات ثم نذهب للتسوق من الخطبة «سوق شعبي كالهبطة»، كما تتم الزيارات بين الأهل والأقارب والجيران والأصدقاء، وكنا نجوب منازل الحي نبحث عن العيدية، وكانت تقام ركضات العرضة للخيل والجمال وتقام كذلك الرزحات وغيرها من الفنون الشعبية، وتستمر مراسم هذه المناسبة طوال فترة العيد أي على مدار ثلاثة أيام.

عادات جميلة تكاد تختفي

ويضيف الوالد المسروري: هناك عادات اجتماعية طيبة تجنح نحو الأفول في مجتمعنا في الوقت الراهن منها التواصل الأسري والتواصل بين الجيران والأصدقاء وقيم التكافل الاجتماعي حيث كان الجار إذا سافر أو صارت لديه مهمة عمل خارج بلده يولي جاره أمور مزرعته من سقي وتسميد وتنظيف وجني المحاصيل وغيرها، كذلك إذا الجار لم يحضر لجماعتين من الصلاة كنا نذهب إلى بيته نتفقده ونطمئن على أحواله، كما أننا نفضّ النزاعات بين المتخاصمين وكذلك نحل المشاكل الأسرية ونحاول جاهدين على زرع الابتسامة وإرجاع المياه إلى مجاريها، كما كنا نتبادل النصح والإرشاد بحيث تُعدّ غلطة الصغير هي غلطة الكبير فالكل يهب للوعظ والتنبيه للجيران في حال الخطأ أما الآن فلا تستطيع توجيه نصح أو عتاب إلى جارك إذ يعدها البعض إهانة وهذه من مزايا الألفة والمحبة في الزمن السابق.