ماذا يعني خبر فائض الميزان التجاري؟!
13 سبتمبر 2025
13 سبتمبر 2025
لا يمكن قراءة الفائض في الميزان التجاري الذي سجّلته سلطنة عُمان حتى نهاية يونيو الماضي والبالغ حوالي 3 مليارات ريال عماني إلا بوصفه رقما كبيرا بمقاييس الاقتصاد المحلي حتى لو جاء أقل مما كان عليه الوضع في الفترة نفسها من العام الماضي. إذ تراجعت الصادرات السلعية الإجمالية 9.5% إلى 11.499 مليار ريال، مدفوعة بهبوط صادرات النفط والغاز 16.1% إلى 7.424 مليار، رغم نمو الصادرات غير النفطية 9.1% إلى 3.260 مليار، وارتفاع الواردات 5.1% إلى 8.411 مليار. وتمنحنا هذه المركبات قراءة مركبة، تعني متانة خارجية لا تزال قائمة، وتقابلها حساسية واضحة لدورة الهيدروكربونات، دون إغفال التطور المستمر على صعيد التنويع الاقتصادي.
اقتصاديا، استمرار الفائض يساند الموقف الخارجي لسلطنة عمان: تمويل الواردات، ودعم ثقة المستثمرين، وتعزيز القدرة على صون ربط الريال بالدولار. غير أن مسار الفائض يذكّر بأن «زاوية الميل» لا تزال تُحكمها الطاقة، تقلّص العائدات الهيدروكربونية ــ رغم بقائها مهيمنة على تركيبة الصادرات ــ هو العامل المرجّح وراء انكماش الفائض، فيما لا يزال نموّ غير النفط يُخفّف الصدمة دون أن يعكس تحولا هيكليا مكتملا؛ فالقاعدة غير النفطية تتسع، لكنها ما زالت غير قادرة على تعويض أي هبوط كبير في النفط والغاز.
ارتفاع الواردات 5.1% يمكن قراءته على مستويين، من زاوية إيجابية، فإنه يعكس نشاطا رأسماليا وتوسعا في الطلب المرتبط بمشروعات صناعية ولوجستية وطاقة نظيفة قيد التطوير. ومن زاوية أخرى، يذكّر بمدى «تسرّب» الطلب المحلي إلى الخارج عبر سلاسل توريد كثيفة الاستيراد، وهو ما يقتضي تعميق المكوّن المحلي في مدخلات الإنتاج كي يتحول الطلب الداخلي إلى محرك لصادرات مستقبلية لا فاتورة واردات أعلى.
ما الذي يعنيه كل ذلك؟ أولا، إن الإشارة المطمئنة (فائض كبير) لا ينبغي أن تحجب الإشارة التحذيرية (انكماشه مع هبوط الطاقة). السياسة الاقتصادية الرشيدة ستتعامل مع الفائض كـ«عازل صدمات» يُستثمر لتعزيز الاحتياطيات وتقليص المخاطر، لا أن يذهب لتوسيع إنفاق استهلاكي. فتركيبة الفائض تقترح توجيه فوائض المرحلة لتعميق قدرة الاقتصاد على توليد عملة صعبة من خارج النفط: سلاسل قيمة معدنية متقدمة (الألمنيوم والصلب إلى منتجات تحويلية)، كيماويات متخصصة تتجاوز المشتقات الأساسية، تحويل مشاريع الهيدروجين الأخضر إلى صادرات مشتقات قابلة للشحن (أمونيا/ميثانول أخضر)، وتعظيم القيمة المحلية في التعدين عبر التصنيع داخل الحدود لا تصدير الخامات.
ثانيًا، إن نمو الصادرات غير النفطية (9.1%) مكسب، لكنه يحتاج «عقد تمويل وترويج» متكامل.
ثالثًا، إن إدارة الواردات لا تعني الانزلاق إلى إحلال قسري يضرّ بالكفاءة، بل بناء قدرة محلية في حلقات محددة عالية الأثر. رابعا، إن مصداقية مسار التنويع تُقاس زمنيًّا: هل يصبح نمو غير النفط «سلسلة أعوام» لا «عامًا واحدًا»؟
على صعيد المخاطر، تظلّ حساسية الميزان التجاري لمسار الأسعار والإنتاج في الهيدروكربونات قائمة؛ أي هبوط إضافي أو قيود إنتاج قد يضغط الفائض.
الخلاصة: الفائض الكبير خبرٌ جيد، وانكماشه تحذير مفيد. الأول يثبت أن موقع عُمان الخارجي متين، والثاني يذكّر بأن اختبار الاستدامة لن يُحسم في أسواق النفط بل في ورش المصانع وسلاسل القيمة الجديدة.
