No Image
رأي عُمان

ماذا بعد اتفاق السلام في غزة؟

11 أكتوبر 2025
11 أكتوبر 2025

رحلة الشتات الفلسطيني ما زالت مستمرة، وإن كانت هذه المرة بطعم العودة إلى الديار على أمل الوقوف على أطلالها بعد عامين من الحرب والدمار والإبادة. قوافل العودة التي نقلتها القنوات التلفزيونية في اليومين الماضيين تكشف عن تمسك الشعب الفلسطيني بتراب أرضه، وإصراره على البقاء فيها حتى لو كانت -على النحو الذي تركه الاحتلال- أنقاضا تحت أنقاض تحت أنقاض.

إن أهم معيار الآن لأي سياسة في غزة بسيط، ولكنه قاسٍ في الوقت ذاته، وينطلق من سؤال جوهري هو: هل تغيّر شيء في حياة المدنيين منذ دخول الهدنة مرحلتها الأولى؟ والتغير المقصود هنا موضوع الاستهداف والقصف. والمؤشرات الأولية تشير إلى توقف قوافل الجنازات. أما التغير الثاني فيتمثل في رغيف الخبز وقنينات الدواء حتى ينتهي التجويع الذي دام شهورا طويلة. هذا هو الاختبار الأخلاقي والقانوني لاتفاق وقف الحرب، وهو معيار صدقية الولايات المتحدة التي ضمنت تطبيق الاتفاق.

ولذلك لا بد أن تبدأ قوافل المساعدات في الدخول الكثيف إلى قطاع غزة من جنوبه إلى شماله محملة بالغذاء والدواء وكل مستلزمات الحياة؛ فقطاع غزة من جنوبه إلى شماله كما رآه العالم مجرد كومة طوب بعد أن دمره الاحتلال، وتحت هذا الطوب جثث وأمراض يمكن أن تظهر وتتفشى خلال الفترة القادمة.

ورغم أهمية اتفاقية وقف الحرب إلا أن المرحلة التالية هي الأهم والأخطر؛ حتى لا يعتقد العالم أن المأساة توقفت بمجرد وقف الحرب وعودة المحتجزين الإسرائيليين.

وإذا كانت الكثير من شروط الاتفاق جيدة وأخلاقية إلا أن قيمتها الحقيقية تكمن في قابليتها للتنفيذ، وعدم النكوص عنها بعد أن تتسلم إسرائيل مواطنيها المحتجزين في القطاع كما حدث خلال الهدن الماضية.

ثمة مهمة إنسانية ملقاة على عاتق المنظمات الدولية، وهي تشكيل قوافل طبية لتقديم المساعدات، وفتح المستشفيات الميدانية في القطاع؛ فالوضع الصحي في القطاع كارثي بكل المقاييس، وسيكتشف السكان بعد أن يلتقطوا أنفاسهم الكثير من التحديات الصحية التي كانت ضمن المسكوت عنه تحت القصف.

أما التحدي الأخطر فيتمثل في أن الناس في قطاع غزة سيكتشفون أن ليس لديهم أي مصدر من مصادر الدخل؛ فلا أعمال ولا مؤسسات ولا قطاعات، وهذا تحد خطير إذا ما اعتقد العالم أن المأساة انتهت وأن على السكان تدبر أمرهم بعد حين. والمطلوب أن تكون هناك تسهيلات بنيوية تتجاوز التسهيلات الظرفية التي يمكن أن تمتد لشهر أو اثنين؛ فلا بد أن تعود الخدمات، ويعود الاقتصاد، وتضمن الولايات المتحدة رفع الحصار الاقتصادي والإنساني والذي أدى إلى طوفان الأقصى قبل عامين.

السلام مهم، ولكن له استحقاقات من أجل أن يستمر ومن أجل أن يتحول من كلام على الورق إلى فعل يشعر به الإنسان على الأرض.