No Image
رأي عُمان

كيف نعيد بناء الثقة باللقاحات؟

22 سبتمبر 2025
22 سبتمبر 2025

لم يعد الخوف من اللقاحات رهابا لحظيا متعلقا بجائحة كورونا في وقت كان فيه الخوف مبررا رغم مأساة الوباء، تحول الأمر اليوم بعد مرور أكثر من عامين على الجائحة إلى مشكلة حقيقية من شأنها أن تهدد برامج التحصين المدرسي في مختلف دول العالم.

وهذه المشكلة لا تشبه الجدال الدائم بين من يؤيد اللقاحات ومن يحاربها في مجمل حياتنا اليومية، لكن بات الأمر مؤثرا على مسار صحي وبرامج تم رسمها في وزارات الصحة من عقود طويلة. الأمر الذي يضعنا أمام سؤال مهم الآن وهو كيف نُثبت للناس، عمليا، أن اللقاحات آمنة وفعّالة وتخضع لرقابة مستمرة؟

وأول ما يمكن طرحه في هذا السياق هو موضوع الشفافية التشغيلية؛ فالناس في حاجة ماسة إلى المعلومات المتعلقة باللقاحات ونسبة مأمونيتها وأعراضها الجانبية. قبل وباء كورونا لم يكن الناس- في الغالب الأعم- منشغلين بهذا الموضوع أبدا، لكن الأمر الآن مختلف تماما وربما إلى الأبد. ولذلك من المهم أن تعمل وزارات الصحة في العالم، وفي عُمان خصوصا بالتعاون مع وسائل الإعلام على بناء حملة إعلامية تصاحب أي لقاح يطرح للناس حول مرض جديد أو الأمراض التي تحصن وزارة الصحة جميع الأطفال منها؛ بهدف تغيير الصورة النمطية التي رسمها الناس حول لقاح كورونا، رغم أن اللقاح كان السبب الرئيسي لتلاشي الوباء.

من المهم أيضا أن تقوم وزارة الصحة، ولعلها تقوم بذلك فعلا، ولكن دون إعلان، بعمل رصد دقيق حول الأعراض التي تنشأ بعد توزيع كل لقاح وإطلاع الناس على نتائجه بشكل شفاف، إذ يدور اعتقاد بين الناس أن حالات الموت بالسكتات القلبية له علاقة بلقاح كورونا. هذا الأمر لو ثبت علميا أنه صحيح فإنه يحتاج إلى بناء استراتيجية لمتابعته والبحث عن حلول طبية. ولو ثبت أنه غير صحيح، وهذا الأقرب كما يقول الأطباء أنفسهم في أحاديثهم، فلا بد أن يتم تغيير تصور الناس حتى لا يبقى هذا الرهاب من كورونا ومن لقاحاته.

من المهم اليوم العمل على إقناع المترددين عن إعطاء اللقاحات لأبنائهم.. ثم هناك في العالم قوانين تفرض على أولياء الأمور إعطاء أطفالهم اللقاحات لأنه ليس من العدالة أن تنعكس قناعات الأفراد نتيجة مراحل وبائية لتؤثر في الأبناء الذين لا يملكون بعد قرار أنفسهم ولا يملكون وعيا صحيا كافيا ليتخذوا قرارهم الشخصي.

إن نجاح أي حملة صحية، أو غير صحية، لا يقاس بعدد المنشورات والبرامج ولكن بالأثر الذي يمكن أن تتركه، وفي هذه الحالة تقاس بمدى تغير الصورة الذهنية لدى أولياء الأمور حول أهمية إعطاء أبنائهم اللقاحات الدورية واللقاحات التي تقرر وزارة الصحة أنها ضرورية وذات فائدة صحية للأطفال في مواجهة أمراض آنية أو مستقبلية.

وكل هذا هو انحياز للعلم ومحاولة للابتعاد عن الأطروحات الشعبوية التي تنشط في لحظات الأوبئة وما شابهها أو تقترب منها. لقد خلفت الجائحة إرهاقا معرفيا ووفرة إشاعات؛ والرد حقيقي يكون بإدارة صحية دقيقة تحترم أسئلة الناس وتقدم أدلة قابلة للإقناع والقياس. وحتى لو ثبت أن لقاحا ما أثبت فشله في وسط جائحة عالمية كبرى أو ثبت أن له آثارا جانبية خطِرة فهذا لا يعني أن كل اللقاحات لا بد أن تكون بالضرورة مثله. وهذا يحتاج إلى بناء الثقة بين الناس مرة أخرى.