قمة الدوحة.. واللحظة الخطيرة في التاريخ العربي
14 سبتمبر 2025
14 سبتمبر 2025
تُعقد في الدوحة قمة عربية إسلامية يمكن أن توصف "بالتاريخية"، بل لا بدّ أن توصف بمثل هذا الوصف؛ لأنها تأتي في ظرف تاريخي قاهر يمس الجانب الوجودي من سيادة الدول، وهو جانب يتجاوز هذه المرة القيمة المعنوية التي يمكن اختزالها في كلمة "الكرامة" العربية.. وفي مثل هذه المنعطفات التي تصبح فيها سيادة الدول مستباحة على مرأى ومسمع العالم و"النظام الدولي" الذي ما زال الغرب يتمسك به ويدافع عنه، فإن أنصاف الحلول والخطب الرنانة في سبيل استعراض القدرات البلاغية تصبح تعطيلا متعمدا للإرادة العربية.
ورغم التراكمات التاريخية لمسيرة القمم العربية والإسلامية إلا أن الشعوب العربية والإسلامية تنتظر إرادة جديدة تنطلق من هذه القمة بالنظر إلى اللحظة التي تعقد فيها، وإلى الحالة الصعبة التي وصلت لها الأمة العربية من الانكسار والخذلان وليس ذلك في غزة وحدها ولكن في مدن وعواصم عربية عريقة.
أما الضربة الغادرة من الاحتلال الإسرائيلي للعاصمة القطرية الدوحة الأسبوع الماضي فإن حقيقتها تتجاوز الدوحة، وتتجاوز الوفد التفاوضي الفلسطيني، وتتجاوز استعراض القوة العسكرية؛ فكل هذه المراحل تم تجاوزها في الاستراتيجية الإسرائيلية لبناء "إسرائيل الكبرى"، إنها رسالة سياسية عميقة مفادها أن إسرائيل في مرحلة من الغطرسة والزهو بالقوة لا تريد معها أي وساطة، فهي لا ترى لها في العالم العربي ندا لتدخل معه في وساطة تنهي الحرب. إنها في حالة إيمان وربما وهم أن العصر عصرها وأنها صاحبة اليد الطولى في الشرق الأوسط بعد أن ضربت كل القوى التي كانت تتوقع منها أي مقاومة.
ولذلك تصبح بيانات التنديد لا قيمة لها، لا قيمة لها عند الشعوب العربية والإسلامية ولا قيمة لها عند العدو الإسرائيلي المتغطرس بقوته وبالدعم الغربي له في لحظة الضعف العربي. وهذا المشهد يحمل قمة الدوحة مسؤولية كبيرة جدا، إذ عليها ربط اللغة بالفعل. وأول اختبار يثبت جدية القمة يتمثل في إعادة النظر بمسار التطبيع. فلا معنى بأي حال من الأحوال أن تُبقي خمس دول عربية سفارات العدو مشرعة وسفراؤها في تل أبيب فيما تتحدث القمة عن رد فعل حقيقي على إسرائيل. وفي الحقيقة فإن هذا المعنى كان محل أسئلة واستغراب منذ الشهيد الأول من قطاع غزة، ناهيك عن المجازر وجرائم الحرب والإبادة الجماعية والتجويع حد الإبادة وأكثر من 60 ألف شهيد مزقت أشلاؤهم على مرأى ومسمع من التاريخ العربي الذي سيبقى يحتفظ بهذه المشاهد المؤلمة والمخزية له إلى أن تقوم الساعة.
أما الأداة الثانية الفعالة فتكمن في الطاقة، والحديث عن سلاح الطاقة هنا لا يذهب إلى الحديث عن حرمان العالم منها ولكن إمدادات الطاقة كانت على الدوام مرهونة باستقرار الشرق الاوسط، فلا طاقة دون أن تكون المنطقة مستقرة، ولا استقرار للمنطقة دون إنهاء حرب الإبادة على قطاع غزة ودون احترام سيادة الدول العربية والإسلامية. وما تقوم به إسرائيل إنما يعيد صناعة أزمات الطاقة القديمة. ورسالة القمة لا بد أن تكون واضحة جدا في هذا المجال: استقرار السوق العالمي يتطلب استقرار الإقليم، وأي تصعيد إضافي سيجعل من الصعب ضمان وفرة الإنتاج أو توقيت زيادات الطاقة.
هناك أيضا المسار القانوني، ورغم أن القانون الدولي لعبة في يد الغرب إلا أن الاشتغال في هذا الجانب بشكل علمي ومنهجي من شأنه أن يقلق السردية الغربية ويساهم في تغيير الكثير من الصورة الذهنية الراسخة في العقلية الغربية عن إسرائيل. وتمنح هذه الورقة القانونية الدول العربية أوراقا مهمة في أي مستوى من مستويات المفاوضات مع العواصم العربية.
ولا بد أن تعي القمة العربية أن أوروبا، وإلى حد ما واشنطن، تملك مصلحة مباشرة في وقف الحرب؛ فاستمرارها يهدد استقرار الطاقة ويزيد أزمات الهجرة في أوروبا خاصة في هذه المرحلة التي بدأت فيها حركات مناهضة بشكل كبير ومؤثر للهجرة وإعادة أوروبا للأوروبيين.
والدول الغربية بما في ذلك واشنطن، أيضا، في حاجة ماسة الآن لتجنب حركات العنف الارتدادية التي بدأت تنتشر في بعض دول العالم بدافع الحقد وبدافع الشعور العظيم باليأس والخذلان الأمر الذي يهدد المنظومة العالمية بعدم الاستقرار.
لا ينبغي إذا بأي حال من الأحوال تحويل قمة "الدوحة" إلى قمة تضامن مع قطر، فالجميع متضامن منذ الساعة الأولى، والجميع يشعر بأكثر مما تشعر به قطر.. لا بد أن تكون قمة الدوحة قمة قرارات تقول للعالم، لإسرائيل وأمريكا، بشكل خاص أن الأمتين العربية والإسلامية ما زالتا قادرتين على الفعل، الفعل السياسي والفعل الحضاري، وقادرتين على بناء مسارات جديدة لتحالفاتهما إذا ما سدت التحالفات التاريخية.
