No Image
رأي عُمان

فلسفة السياسة الخارجية العمانية في عالم متغير

19 يناير 2022
19 يناير 2022

من المدرك أن السياسة الخارجية لسلطنة عمان تقوم على أسس ومرتكزات واضحة تقوم على الاحترام المتبادل وعدم التدخل في شأن الآخرين، في الوقت الذي لا تسمح فيه حكومة سلطنة عمان بالتدخل في شأنها الداخلي، وهو ذلك النهج الذي تأسس منذ فجر النهضة المباركة مطلع السبعينات، ويتعزز اليوم في عهد حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه -.

سياسة سلطنة عمان تتميز بالواقعية والتكيف مع الظروف المتغيرة دون المساس بالمرتكزات، فثمة مبادئ جلية هي الإيمان الكبير بأن العالم بشكل عام يجب أن يسوده السلام والإخاء، وأن يقوم نسيج العلاقات بين الدول على المنافع المشتركة، التي تقود إلى تعزيز فرص التعايش الأخوي والصداقات بين الشعوب والدول، ما ينعكس على المناحي الاقتصادية والتجارية والثقافية والمعرفية الخ..

في الحوار الذي أجرته صحيفة الأخبار المصرية ونشر أمس الأول، أكد معالي السيد بدر بن حمد البوسعيدي وزير الخارجية على مجمل تلك المعاني أو المبادئ الاستراتيجية والثابتة، التي لها أفق بعيد المدى ورؤية استشرافية للأمور، ومعلوم أن كل ما يتأسس على المبادئ الإنسانية السمحة يكون له طابع الديمومة والاتزان، والبقاء لفترة أطول، وهو جوهر المعنى الإنساني في صلب وصميم تلك الفلسفة العمانية للعلاقة مع الآخر من الجار القريب إلى الصديق القريب أو البعيد جغرافيا.

هذا يعني أن وجهات النظر المختلفة والمتنوعة، تظل محترمة ومقدرة بين الأطراف، وأن الكل يجب أن يضع اعتبارا لرؤية الآخر ومنهجه باتجاه الموضوع أو القضية المعينة، وفي ظل هذا الإطار يكون للجميع أن يفكروا بشكل أفضل بما يحقق القيمة المشتركة، التي تعمل على الإضافة النوعية لكل الأطراف، وتصنع سبل التكامل الاقتصادي والإنساني وغيرها من جوانب الحياة، فقالب الفكر السياسي والدبلوماسي الواقعي والعملي يأخذ من هذا الجوهر الذي يعتمد المصداقية والشفافية والصدق مع الذات وتقدير الآخرين.

إن المنظور الشامل لقضايا الشعوب والأمم والدول في عالم اليوم، يجب أن يضع في الاعتبار ما يمكن أن يتحقق على صعيد الكل، وهذا ينعكس ليس على طرف أو طرفين، بل على العالم أجمع، فثمة قضايا باتت أكثر تشابكا قد لا تكون ذات بعد سياسي مباشر، غير أنها تصب في قلب الفكر السياسي والاقتصادي نسبة لتداخل الموضوعات والمتطلبات في عالم اليوم، وأقرب مثال لذلك قضايا المناخ والتشارك العالمي المطلوب في هذا الإطار، التي تكشف أن التشاركية فيها تنعكس بالمنفعة على الجميع.

ومن منظور أوسع فإن العالم المعاصر يقوم على التشابك والتأثير والتأثر، في المعاني الثقافية والمعرفية.

غير أن ذلك لا يعني التماهي في ثقافات الآخرين بشكل كلي، بل يجب أن يحتفظ كل طرف بقيمه وإرثه وكل ما يتصل بالمعاني الأصيلة ذات البعد العميق في الصلة بالموروث وثقافة الشعب أو البلد المعين، وأن جوهر الحداثة الثقافية أو السياسية يرسم دوائره من خلال هذه التقاطعات التي تؤكد على ضرورة المحافظة على توليفة التوازن بين قيم الأمس واليوم، بين الأصيل والمعاصر والجديد، وهو نهج الدولة العمانية في فكرها السياسي والثقافي والإنساني.