عن مشروع السلطان هيثم في بناء الحماية الاجتماعية
قبل أيام حصلت سلطنة عمان على المركز الأول عربيا والرابع عالميا في مؤشر جودة الحياة. وتعكس نتائج هذا المؤشر الجهود الكبيرة التي تبذل في عُمان من أجل الارتقاء بحياة الناس وتطويرها. ومن بين المؤشرات التي ترفد هذا المؤشر المهم كان هناك مؤشر الحصول على الخدمات الصحية وسهولة الوصول إليها.
ورغم أن الخدمات الصحية في سلطنة عمان مجانية بدءا من الخدمات الأولية في المراكز الصحية وصولا إلى التخصصات المرجعية والعمليات الكبرى المعقدة إلا أن حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم، حفظه الله ورعاه، حريص على أن تستطيع جميع فئات المجتمع الوصول إلى الخدمات الصحية الخاصة كما بالقدر نفسه الذي تستطيع عبره الوصول للخدمات الحكومية، وأسدى أمس توجيهاته السامية بتخصيص مليون ريال عُماني لوزارة الصحة عبر مؤسّسة الصحة الوقفية «أثر» لتُيسّر لمُستحقي الزكاة سُبل تلقي العلاج في مؤسسات القطاع الخاص.
تؤكد هذه اللفتة الكريمة من قبل جلالة السلطان المعظم على أهمية دور التكافل في المجتمع، وتربط الأمر بموضوع الزكاة والأعمال الوقفية التي كان لها دور كبير في بناء المجتمع العماني طوال القرون الماضية والتي تجاوزت فكرة الوقف الخيري لتوفير احتياجات يومية آنية إلى الوقف بمعناه الحضاري الواسع، حينما كانت هناك أوقاف خاصة بالتعليم، سواء تلك التي يحصل عليها الأفراد لتعليم أبنائهم أو تلك التي توقف من أجل المدارس نفسها من أجل إعمارها وتطويرها.
ويستمر الأمر الآن إلى جوانب ربما لم تكن مطروحة في الأزمنة الماضية وهي موضوع دعم المؤسسات الوقفية المعنية بالجوانب الصحية حيث بات موضوع الصحة والعلاج اليوم أحد أهم القضايا التي تشغل بال المجتمعات وتؤرقها نتيجة التحولات الحاصلة في العالم وانتشار الأمراض والفيروسات وأمراض العصر المستعصية.
لا شك أن استخدام موارد الزكاة لشراء خدمة صحية متخصصة في القطاع الخاص، ضمن معايير معلنة وتدقيق وحوكمة، يكشف عن مجتمع متقدم وقادر على تجاوز البنى التقليدية نحو بناء جسر متين بين المعطيات الدينية وبين فلسفة دولة تعيد تنظيم التضامن المجتمعي وتحوله إلى نظام قائم لها قواعد وأركان راسخة. وهذا الموضوع له بعد إنساني كبير، يدركه جلالة السلطان المعظم نتيجة قربه من الناس ومن التحديات التي تواجههم في هذا العصر.
ولا تخفى الجدوى الاجتماعية لمثل هذه المبادرة السامية فهي تزرع الطمأنينة الصحية عبر تقليص قوائم الانتظار للحالات الجراحية والأمراض المستعصية. ثم إن إشراك القطاع الخاص بهذا المسار من شأنه أن يوسع الطاقة الاستيعابية ويفتح خيارات أمام الكثير من الحالات الصحية المعقدة التي كانت غير متاحة أمام أصحاب الدخول البسيطة.
تلفت هذه المبادرة الأنظار، أيضا، إلى أهمية دعم المؤسسات الوقفية العامة أو تلك المخصصة للجوانب التعليمية أو الطبية لما في هذين الجانبين من بناء حقيقي وعميق في المجتمعات.
وفي النظرة العامة والتكاملية يمكن أن نرى بشكل واضح جدا استمرار وتطوير مشروع حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم، حفظه الله ورعاه، في بناء منظومة الحماية الاجتماعية ذات كفاءة عالية ترعاها الدولة يساندها تفعيل المسارات التاريخية للتكافل الاجتماعي والتي كانت قائمة في المجتمع العماني وهي كلها منبثقة من شعور المجتمع بالمسؤولية الملقاة على عاتقه والمتمثلة في المؤسسات الوقفية التي يمارس عبرها المجتمع دوره التاريخي ويقوم بواجبه الديني عبر الزكاة وبواجبه الأخلاقي والإنساني عبر الصدقة والتبرع والوقف. وفي هذا قوة للمجتمع وقوة لأفراده عبر المزيد من متانة النسيج الاجتماعي.
