عُمان والبحرين.. ذاكرة تتجاوز السياسة
حين حلَّ الطائر المقل لجلالة ملك البحرين أمس أرض سلطنة عُمان لم يكن في حاجة إلى سياقات سياسية أو بيانات اقتصادية تدير دفة حواره مع حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم، حفظه الله ورعاه، ولا كانت الزيارة في حاجة إلى مبررات استراتيجية تفرضها التحولات التي تحدث في الإقليم.. ولم يكن المحللون السياسيون والمعلقون في وسائل الإعلام بحاجة إلى قراءة تعبيرات الوجوه لفهم مسار الحوار بين القائدين.. فالعلاقة بين عُمان والبحرين أكبر كثيرا من البيانات السياسية والأرقام الاقتصادية والتحولات الاستراتيجية وأكثر تجذرا في التاريخ والوجدان الشعبي والذاكرة مما عداها.
كان مشهد الزيارة من لحظة اللقاء عند سلم الطائرة إلى اللقاء الأخوي في «بيت الرباط» يحمل الكثير من الرمزيات التي تفسر عمق العلاقة بين البلدين وبين القائدين والشعبين الشقيقين، وليس آخر تلك الرمزيات أن يكون اللقاء في «بيت الرباط» تأكيدا على عمق الروابط التي تجمع البلدين والقيادتين ومكانة ضيف عُمان في وجدان عُمان وسلطانها.
والعمانيون يعرفون البحرين بعمق يتجاوز الجغرافيا، وكذلك البحرينيون فإنهم يعرفون عُمان، يعرفون إنسانها وتاريخها ومكانتها المتجذرة في المنطقة، وهما، عُمان والبحرين، توأمان في ذاكرة البحر وحكاياته وتاريخه حيث تداخلت الأسفار وتقارب السياق الاجتماعي حتى بدا أن كل بيت في مسقط يمتد بجذوره العريقة نحو المنامة، وكل بيت في المنامة يمتد بجذوره الطيبة نحو مسقط.
وتستطيع الرمزية التي نقرأ من خلالها عمق زيارة ملك البحرين تذكيرنا بأنماط العلاقات القائمة بين دول المنطقة التي تتجاوز المصالح العابرة والتقاطعات الاستراتيجية إلى الأفق الإنساني، وهو أفق تتأسس فيه السياسة على القرابة الروحية والذاكرة المشتركة والتاريخ المتجاوز. ولذلك فإن العلاقة بين سلطنة عُمان ومملكة البحرين يمكن أن تقرأ باعتبارها شاهدا أمينا على أن هناك ما هو أرسخ من السياسة بكثير في بناء العلاقات بين الدول وهو محبة الشعوب والتماهي الاجتماعي فيما بينها.
ولعل هذا ما يجعل زيارة ملك البحرين إلى عُمان زيارة خاصة بالمعنى الأعمق للكلمة؛ أي أنها خاصة لأنها لا تخصّ السياسة وحدها، بل تخصّ ذاكرة مشتركة بين البلدين لا تنطفئ، وتخصّ إنسانية قائمة تستعصي على التبدل والتغيير، وتخصّ روابط اجتماعية مشتركة ممتدة من المدن العمانية إلى المدن البحرينية وهي روابط لا يمكن أن تتلاشى أبدا.
