No Image
رأي عُمان

خيارات أخرى للتعايش

16 يونيو 2021
16 يونيو 2021

يدور جدل كبير في العالم بين طرفين: الأطباء وعلماء الأوبئة في طرف أول، ورجال الاقتصاد في طرف ثان حول جدوى استمرار حالة العزل التام أو الجزئي وإغلاق الأنشطة التجارية ضمن الإجراءات الاحترازية للحد من انتشار وباء فيروس كورونا. ويطرح كل طرف أسبابا وجيهة بالنظر إلى المنطق الذي ينطلق منه. ففي الوقت الذي يرى فيه علماء الأوبئة ورجال الطب أن التجارب أثبتت جدوى عمليات الحجر المنزلي والعزل العام ومنع الحركة في كبح جماح انتشار الوباء في الكثير من موجاته السابقة الأمر الذي جنب العالم تضاعف أرقام الوفيات والإصابات، يرى علماء الاقتصاد ورجال التجارة أن منع الحركة وإغلاق الأنشطة الاقتصادية تسبب في ركود اقتصادي عظيم أدى إلى توقف الكثير من الوظائف في العالم وتسريح ملايين الموظفين من أعمالهم، وهذه كارثة اقتصادية لا يقل خطرها عن الخطر الصحي للوباء، مؤكدين أن الركود أضاف عشرات الملايين من الناس في مختلف دول العالم إلى قائمة «الفقر المدقع».

وكل هذه الأسباب التي يطرحها كل طرف مفهومة جدا، ولكن لماذا علينا الاعتقاد دائما بأن الخيارات المتاحة أمامنا فقط : إمّا خيار الفتح أو الإغلاق؟! استطاعت بعض الدول أن تنظر إلى الخطرين نظرة متساوية عند اتخاذ قراراتها السيادية في فتح الأنشطة أو إغلاقها ونجحت إلى حد جيد وسط هول الكارثة ومفاجآتها ومن بين هذه الدول السلطنة التي كانت تنظر إلى الآثار الاقتصادية والاجتماعية عندما تتخذ قراراتها نظرة متساوية، إضافة إلى الحوافز التي قدمتها للاقتصاد عندما رأت تأثره بمجمل آثار الجائحة.

ولكن بعد مضي كل هذا الوقت لبدء الوباء وتكشّفِ الكثير من الحقائق حوله ووجود تطعيمات أثبتت فعاليتها الكبيرة لماذا لا نفكر في مسار آخر غير كل هذه المسارات وهو مسار «المسؤولية الشخصية». يرى كبار علماء الأوبئة في العالم أن وباء فيروس كورونا جاء ليبقى بيننا، وكل الإجراءات التي تتخذ في العالم اليوم لا تستهدف القضاء التام عليه في السنوات القليلة القادمة على أقل تقدير وإنما لتقليل شدة انتشاره حتى يستطيع العالم العودة إلى حياته «شبه» الطبيعية وتنتهي حالة الطوارئ الطبية في العالم، ما يعني أن على الجميع تكييف نفسه للتعايش مع الوباء سواء كان نشطا أم خاملا، وأن خموله في السنوات القادمة لا يعني عدم وجوده بيننا ونشاطه المفاجئ وتحوله إلى فاشية جديدة قد تتحول إلى وباء جديد سواء بالطريقة الحالية أو في إقليم من الأقاليم إذا ما نجحت الخبرة الحالية في السيطرة عليه. وهذا الأمر من شأنه أن يحيل المسؤولية، أو الجزء الأكبر منها على أقل تقدير، من الدول والحكومات إلى الأفراد، ويصبح الفرد مسؤولا عن حماية نفسه من خطر الإصابة بوباء كورونا كما هو مسؤول عن عدم إلقاء نفسه في أي خطر آخر. ويضع العلماء أساليب الوقاية وآلية التعايش وتفرضها السلطات السياسية وعلى الأفراد اتباعها كما يتبعون أي إرشادات سلامة أخرى. وكل المعطيات تشير إلى أن العالم لن يعود كما كان قبل الوباء، كل التفاصيل تغيرت أو في طريقها إلى التغير بحكم الظروف الجبرية أو بدعوى العادة الجديدة. وإذا كانت نتيجة هذا التغير هي الحياة فهذا يدعونا إلى أن نغير الكثير من سلوكياتنا ونتعايش مع الوضع الجديد من أجل أن نعيش ونمارس حياتنا ونستمتع بها بناء على المعطيات المتوفرة.