رأي عُمان

جنود معركة الجائحة .. شكرًا لكم

05 مايو 2021
05 مايو 2021

تخوض الطواقم الطبية في المؤسسات الصحية في السلطنة، كما في العالم أجمع، معارك ضارية ومتزامنة، منذ أكثر من عام، دون أن تجد مساحة زمنية لهدنة قصيرة أو لمسارات إنسانية يمكن أن تعيد عبرها الانتشار في ساحة المعركة أو تجدد أسلحتها كما يجدد العدو «سلالته» ويعيد «تحوره» في أرض المعركة التي امتدت لتشمل العالم من أقصاه إلى أقصاه.

ومنذ أن بدأ فيروس كورونا الانتشار لم تغمض أجفان الطواقم الطبية/جنود المعركة في خطوطها الأمامية، فالحرب محتدمة بالليل وبالنهار وضحاياها يتساقطون كل يوم وهم يدركون يقينًا أن أي تراخٍ يمكن أن تكون عواقبه وخيمة جدًا، وكلما بان ضوء في آخر النفق جاءت موجة جديدة أشد من سابقتها وكأن موجات الجائحة موج بحر لا ينتهي أبدًا.

ورغم ضراوة المعركة ومحدودية أسلحتها وتتابع موجاتها إلا أن الطواقم الطبية أثبتت أنها على قدر كبير من الكفاءة والقدرة على التحمّل والإرادة القوية المدعومة بفكرة الواجب الإنساني والوطني قبل فكرة الواجب العملي الذي تفرضه أصول المهنة.

مع ذلك، لا بدّ أن يعي جميع من يراقب هذه المعركة، وربما يساهم في زيادة اشتعال نيرانها، أن لكل طاقة إنسانية حدودًا مهما بدت صامدة ومتمسكة بالأمل، وأن هذه الطواقم الطبية تخوض معركة مزدوجة: مع الفيروس في غرف العلاج وغرف العناية الفائقة بحثًا عن أمل الحياة حتى الرمق الأخير، ومع ثنائية الحياة والموت عندما تنسل الأرواح بشكل فجائعي من بين الأيدي الحانية كل يوم لتذهب وحيدة إلى مثواها الأخير دون حتى وداع، ومع الذات عندما يعيش أفراد هذه الطواقم صراعات نفسية نتيجة الضغط الكبير ونتيجة الوحدة المستمرة جراء الحجر والعزل عن أسرهم، إضافة إلى ما يشاهدونه من ألم وفراق وحالة غربة يعيشها مرضاهم كل يوم دون أن يملكوا الكثير من أدوات إنقاذهم.

وكل مواجهة من هذه المواجهات معركة في حد ذاتها، ولا يحسد من يخوضها، فكيف إذا خاضها أعزل إلا من الإيمان أنه يمارس دوره الإنساني الذي لا محيد عنه أبدًا.

وإن كان من واجب علينا اتجاه هؤلاء الجنود المتدثرين بالبياض الناصع والحالمين بغد طبيعي خالٍ من الجائحة وروائح موتها فليس أقل من أن نلتزم بالتعليمات التي فرضوها من أجل سلامتنا أولًا ومن أجل أن يجدوا هم مساحة زمنية يلتقطوا فيها أنفاسهم وتغمض فيها جفونهم.. إنهم يستحقون مثلنا جميعًا هذا الترف الذي لا يجدونه منذ عام كامل.

ويأتي العيد للعام الثاني على التوالي وهم في بياضهم مرابطين ليس على تخوم المعركة بل في قلبها الملتهب والمشتعل، يأتي العيد وهم لا يرقبون هلاله إلا على وجه مريض بُشّر أنه تشافى من المرض، أو على وجه أم تشافت وعلمت أنها ستكون في الغد بين أطفالها.

إنهم يعملون من أجلنا الكثير، أفلا نعمل من أجل أنفسنا ثم من أجلهم ولو القليل؟!