No Image
رأي عُمان

تفتح المدارس أبوابها.. فتعيد الحضارة بناء مسارا

24 أغسطس 2025
24 أغسطس 2025

تعود الحياة اليوم إلى المدارس التي تستعد لاستقبال طلابها مطلع الأسبوع القادم بعد إجازة صيفية كانت ضرورية للطالب والمعلم يلتقط كل منهما أنفاسه خلالها بعد عام دراسي طويل.

والعودة إلى المدارس، في كل عام، هي فعل حضاري يتجاوز الجانب الإداري والروتيني، ويدل على إصرار الأمم والشعوب على المسير نحو المستقبل. وأثبتت تجارب الدول عبر التاريخ أنه لا قيمة لها بدون التعليم والمعرفة، فلا جدوى لأي مجتمع يريد لنفسه مكانة ووعيا في معزل عن التعليم. 

وفي هذا السياق يمكن استعادة مقولة المفكر العربي طه حسين حينما قال: إن «التعليم كالماء والهواء» وعندما تضع هذه المقولة في سياقها التاريخي يمكن رؤية أنها بمثابة حجر الأساس لأي مشروع نهضوي كامل؛ فالماء والهواء شرطا الحياة، والتعليم شرط البقاء الحضاري. 

وسلطنة عُمان التي تحتفل اليوم ببدء العام الدراسي ما كانت لتستطيع الوصول إلى هذه المرحلة من التطور والتحديث في كل مساراتها التنموية لو تجاهلت مشروع التعليم أو لو دبّ أي فتور أو شك في عزيمة القائمين على التعليم مخططين ومعلمين في أي مرحلة من المراحل في أن الحياة يمكن أن تسير بشكل صحيح دون تعليم. وما زال الأمر كذلك في بلادنا التي تنظر إلى التعليم باعتباره الاستثمار الأهم والأغلى في بناء المستقبل وبناء أجيال أكثر قدرة على صناعة التحولات وتجاوز التحديات. 

وإذا كان الأمر كذلك في مراحل سابقة فإن التعليم اليوم بمثابة الخلاص من التحديات التي يعيشها العالم وتعيشها منطقتنا العربية بشكل خاص؛ فهو وحده القادر على إنقاذ العالم من أزماته المتشابكة وفي مقدمتها الفقر والتطرف والحروب والأمراض التي تفتك بالبشرية في كل مكان. 

وإذا كان العالم العربي قد جرب كل الوصفات في العقود الماضية من إصلاح سياسي وشعارات قومية وثورات غاضبة وطفرات اقتصادية هنا وهناك فإن كل ذلك ارتطم بجدار التعليم عن بلوغ منتهاه الذي يعيد إصلاح العالم العربي على نحو مختلف عما هو عليه اليوم. 

لكن التعليم الذي تحتاجه الدول العربية هو ذلك الذي يستطيع بناء العقل النقدي والضمير الأخلاقي والذي يخرج في نهايته مواطنين مؤمنين بالوطن. وما زالت الفرصة متاحة في العالم العربي لبناء هذا النوع من التعليم في ظل توافر الأدوات وثورة التقنيات التي يأتي في مقدمتها الذكاء الاصطناعي الذي يعد أحد أعظم الثورات التي يشهدها العالم والتي لا نستطيع حتى الآن بناء تصور مكتمل لها نظرا للتسارع الكبير الذي تشهده كل يوم.. وإذا لم نستطع في العالم العربي أن نواكب هذا التسارع وهذا الحراك فإننا سنجد أنفسنا نبتعد كثيرا عن العالم، نبتعد بمسافات ضوئية بالمعنى الحقيقي وليس بالمعنى الرمزي. 

وهذا الصباح الذي يعاد فيه فتح المدارس نطرح فيه المقولة السنوية التي اعتدنا على سماعها وقولها: إن هذه فرصتنا الأخيرة، فإما أن نجعل العلم محورا لمشروعنا العربي الذي نبحث عنه، أو أن نستسلم لرياح التاريخ التي لا ترحم. 

وكل عام والمدارس بخير والتعليم بخير وقادر على أن يضيء المساحات المظلمة في هذا العالم الواسع والمليء بالتناقضات والمتغيرات.