No Image
رأي عُمان

انطلاقة جديدة للإعلام العماني

17 سبتمبر 2025
17 سبتمبر 2025

صدرت مطلع هذا الأسبوع اللائحة التنفيذية لقانون الإعلام في خطوة وصفت بأنها تدشين لمرحلة جديدة في تاريخ الإعلام العماني، نظرا لأن القانون ولائحته التنفيذية ينظمان الإعلام العماني بما يتوافق ومتطلبات المرحلة التي تجاوز فيها العمل الإعلامي الشكل التقليدي المتعارف عليه إلى ما يمكن أن يعرف اليوم بإعلام المنصات وإعلام المواطن. 

ولم يضيق القانون ولا لائحته التنفيذية على هذا المسار من الإعلام الحديث، وكان واضحا جدا أنه عمل بشكل جاد على استيعاب كل تمظهرات الإعلام الجديد وما يمكن أن يظهر في الساحة في ضوء ثورة الذكاء الاصطناعي ولم يعقد الاستثمار في قطاع الإعلام إلى حد أن رسوم التصاريح باتت في اللائحة الجديدة أقرب إلى الرسوم الرمزية. لكنّ الواضح، أيضا، أن القانون ولائحته التنفيذية شددا على موضوع المهنية في الإعلام باعتباره رسالة مقدسة لا ينبغي إضعافها أو الذهاب بها نحو الهشاشة التي ستقود بالتالي إلى إضعاف المجتمع وتسطيح الوعي. 

وعقدت وزارة الإعلام أمس جلسة حوارية شارك فيها عدد كبير من المخاطبين بالقانون ولائحته التنفيذية وبشكل خاص المشتغلين في الإعلام الحديث عبر المواقع والحسابات الإخبارية، الذين باتوا منذ لحظة صدور اللائحة التنفيذية مخاطبين بالقانون مباشرة، وتنطبق عليهم جميع مواده الأمر الذي من شأنه أن يحمل جميع هؤلاء المسؤولية الكبيرة التي تحملها المؤسسات الإعلامية على عاتقها في نقل الحقيقة والعمل الجاد على بناء وعي مجتمعي يسمو بالإنسان وقيمه. 

ونقلت اللائحة التنفيذية لقانون الإعلام النقاش الذي ظل لسنوات طويلة يدور في دائرة خطاب الحرية وخطاب الرقابة إلى مستوى آخر، حيث تصبح المسؤولية المهنية والقدرة على التكيف مع بيئة اتصالية متحولة جزءا من شروط البقاء والاستمرار. 

كما كان واضحا أن اللائحة التنفيذية لقانون الإعلام حرصت بشكل ذكي على الدفع بالمؤسسات الإعلامية الكبيرة نحو الديمومة والقدرة على الاستدامة من خلال اشتراط مجلس إدارة في كل مؤسسة إعلامية، وجعلت من شروط تجديد أي ترخيص خطة لتدريب الكوادر وللتحول الرقمي وضمان الشفافية في الممارسة. وهذه الاشتراطات تعكس إدراكا رسميا أن الإعلام تجاوز المرحلة التقليدية لنقل الأخبار اليومية الجاهزة إلى كونه قطاعا اقتصاديا وصناعيا يواجه منافسة عابرة للحدود، وأن بقاء الصحف والقنوات، في هذا الفضاء الجديد، بات مشروطا بقدرتها على العمل وفق معايير جديدة لا تقتصر على الشكل وإنما تتسع إلى المضمون وآليات الإنتاج والتوزيع. 

هذا الفهم للدور الجديد للإعلام يمكن قراءته أيضا من خلال إدخال الإعلام الجديد ومنصات التواصل الاجتماعي ضمن الإطار التشريعي ذاته.. فللمرة الأولى يصبح على الحسابات المؤثرة والتطبيقات الرقمية أن تعمل ضمن منظومة واضحة من التراخيص والضوابط. هذه الخطوة تضع الدولة في موقع فاعل لإدارة الفضاء الرقمي، وتعزيز المصداقية وتقليص الفوضى المعلوماتية. وهذا تحد يتجاوز الإطار المحلي والإقليمي ويتباين التعامل العالمي حوله بين نموذج أوروبي يميل إلى تشديد الرقابة وحماية البيانات، ونموذج أمريكي يضع حرية التعبير فوق كل اعتبار تقريبا. والواضح أن النموذج العماني الذي نستطيع استنتاجه من اللائحة التنفيذية كان أكثر مرونة في الإجراءات ولكنه أكثر حرصا على المهنية ومحاربة التضليل والفوضى المعلوماتية. 

ترسم اللائحة بهذا المعنى خريطة طريق واضحة المعالم وكذلك تفتح الباب على النقاش؛ مؤمنة أن الإعلام علم من العلوم الإنسانية التي لا ينتهي فيها ولا حولها الحديث.. ونجاح القانون ولائحته التنفيذية منوط بالتطبيق الرشيد، وبقدرة المؤسسات الإعلامية والمجتمع معا على تحويل النصوص إلى ممارسة حية من شأنها أن ترقى بالإعلام العماني وتعطيه موقعا متقدما في المشهد الإقليمي والعالمي الذي لا يخلو من فوضى وارتباك. وفي جميع الأحوال فإن اللائحة ومن قبلها القانون هي مرآة لمرحلة جديدة لم يعد فيها دور الإعلام مقتصرا على كونه قناة للتعبير بقدر ما أصبح ساحة تحدد فيها الدول والمجتمعات ملامح وأشكال حضورها في العالم وبناء الصورة الذهنية عنها وتحديد أدوات قوتها الناعمة.. ولذلك على الإعلام العماني الاستفادة من مكاسب القانون ولائحته التنفيذية ليرسخ مكانة سلطنة عمان في هذا العالم الذي يشهد الكثير من التحولات وبناء التكتلات السياسية والاقتصادية ويعيد بناء نظامه العالمي على أسس مختلفة.