No Image
رأي عُمان

العرب.. والحاجة إلى لحظة وعي

19 يوليو 2025
19 يوليو 2025

وصل الأمر بتيه إسرائيل وتعنتها وشعورها بالهيمنة المطلقة على الشرق الأوسط أن تقصف دمشق، وتضرب وزارة الدفاع بدعوى حماية جزء من الشعب السوري من جزئه الآخر! وهذا التدخل هو خطوة أولى ضمن مسار جديد تعتقد فيه إسرائيل أنه بات «عصرها» الذي تهيمن فيه على النظام الإقليمي في الشرق الأوسط. وهذا الشعور الذي تتصرف إسرائيل وفقه خطير جدا في ظل غياب أي توازن معادل لها، أو حتى رغبة عربية في لعب دور حقيقي يمكن عبره أن تتوازن القوى في المنطقة.

يحتاج العرب الآن أن يعملوا على دعم سوريا وتقويتها؛ فهي دولة عربية مستقلة، وعضو في جامعة الدول العربية، وليست حزبا أو حركة مقاومة إن كان دعم مثل هذه الأحزاب والحركات بات أمرا مخيفا في العالم العربي. ويمكن عبر بناء سوريا جديدة باقتصاد قوي وتماسك مجتمعي أن تكون محور توازن في الشرق الأوسط. لكن هذا الأمر يحتاج إلى رؤية عربية، وإرادة سياسية بعيدة عن التجاذبات والانهيارات في بنية النظام العربي سياسيا وفكريا إلى حد بات فيه الأمر خارجا عن كل السياقات المفهومة.

لكن سوريا الخارجة من صراع طائفي لا تحتاج فقط إلى تأهيل اقتصادي، ولكنها تحتاج إلى عقد اجتماعي يعيد تعريف معنى الانتماء الوطني؛ عقد اجتماعي جديد لا يقوم على محاصصة طائفية، ولا على قوميات مصطنعة، بل على الاعتراف الصريح بأن سوريا بكل ما فيها هي وطن لكل من يسكنها دون وصاية ولا تمييز؛ عقد يعيد تشكيل الوعي العام على قاعدة المواطَنة لا المِلّة، وعلى قاعدة الحق والعدالة لا الغلبة والانتماء الضيق.

وهذا العقد لا يمكن أن يُصاغ في ظل صمت عربي مريب، يراقب من بعيد تفكك الشام قطعة قطعة، ويبرر، وإن في الغرف المغلقة لدهاليز السياسة، الغارات الإسرائيلية بذريعة «حماية الأقليّات».

لا خيار للعرب لوقف هذا التعنت الإسرائيلي والغرور بالقوة إلا بالوقوف مع سوريا قبل أن تتحول إلى غزة أخرى، وقد عانت سوريا طوال عقد ونصف الكثير والكثير من الخراب والدمار، وتفكيك الوحدة الوطنية، وتكريس الخطابات الطائفية، وتجريف الوعي. والوقوف مع سوريا لا يعني دعم طرف على حساب آخر، بل دعم مشروع وطني يحمي الجميع، ويعيد إلى سوريا دورها الحضاري والإنساني كدولة كانت - ولا تزال - قلب المشرق النابض.

وليس مقبولًا ترك سوريا ساحة مفتوحة للطائرات الإسرائيلية، ولا لمناورات القوى الدولية.

كما ليس مقبولًا أن يُختزل شعب عريق بأقليّة تطلب الحماية، أو بأكثرية تطلب الثأر؛ فالمطلوب اليوم عقدُ إنقاذ، لا عقدُ مقايضة؛ عقد عربي-سوري يقف فيه الجميع على قاعدة واحدة تنطلق من فهم أن حماية سوريا هي حماية لكل المنطقة، وأن سقوطها هو سقوط لكل ما تبقّى من مناعة عربية في وجه الفوضى.