No Image
رأي عُمان

الطريق إلى اللامركزية

10 يناير 2022
10 يناير 2022

تشكّل اللامركزية في صناعة القرار السياسي والاقتصادي وتمكين المواطنين من المشاركة الفاعلة في إدارة شؤون بلادهم، واحدة من أبرز تجليات «رؤية 2040» ومشروع نهضة عُمان المتجددة في ظل العهد السعيد لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه-.

لعله من الضروري الحديث عن هذا المفهوم الاستراتيجي في هذا اليوم، الحادي عشر من يناير، الذي يوافق الذكرى الثانية لتولي جلالته -أبقاه الله- مقاليد الحكم في البلاد ليكون خير خلف لخير سلف، متوسمًا خطى السلطان الراحل قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- ومجددًا في طريق نهضة العز المباركة التي بدأت ملامحها تتشكل منذ أكثر من خمسة عقود.

من الجلي أن الدولة الحديثة هي كيان حيوي «ديناميكي» يتفاعل مع محيط العالم وتجدده، في الآن ذاته الذي يكتسب فيه زخمه وحداثته من خلال الحراك المجتمعي، لاسيما في عصر من أهم سماته التسارع والمعرفة شاسعة الأفق، والتقنيات المتطورة، وغيرها من عناصر البناء المستقبلي، خاصة وأن الحديث عن الحوكمة والحكومة الإلكترونية وغيرها من هذه الأمور تقود بدرجة واضحة إلى ملمح مهم يصب في المسار الأكثر اتساعا لاستيعاب اللامركزية، التي بقدر ما تعني تعزيز قوة المحافظات وقدرتها على العطاء والنماء، وتستفيد في الوقت ذاته من مكتسبات زمن الحداثة البشرية في التقانة والعلوم والمعارف الإدارية الحديثة.

ثمة تأكيد واضح من جلالة السلطان المفدى -أعزه الله- خلال اللقاءات المثمرة مع أبناء الشعب العُماني مع مطلع العام الجديد، على أن تصبح «اللامركزية» هي التطبيق الإداري الأكثر وضوحا في المرحلة المقبلة من نهضة عُمان المتجددة، حيث جاءت التوجيهات السامية والجلية من جلالته بإعطاء المحافظ والمحافظات الصلاحية لإدارة شؤونهم، والتخطيط والتنفيذ لاحتياجاتهم الداخلية، ما يجعل كل الأمور في المستقبل مربوطة بالمحافظة والمحافظ والمجالس البلدية، التي تكمل هذه الحلقة الحيوية في فاعلية صناعة الإدارة والتطبيق الأكثر حداثة في تسيير شؤون الدولة.

لابد من الإشارة إلى أن الطريق إلى اللامركزية في سلطنة عمان كان قد بدأ تدريجيا عبر إنشاء المحافظات، وعبر ما تضطلع به المجالس البلدية وانتخابات المجالس ومهام الولاة التقليدية وغيرها من المسائل في هذا الشأن، وما يحدث اليوم هو تتويج لاتصال مستمر في ديمومة النهضة العُمانية ذات الأصول الراسخة والأعمدة الصلبة في التقاطع الحي بين المعرفة التراثية واستيعاب الموروث والأخذ بمعطيات العصر والحياة الجديدة.

إن العمل على تطبيق اللامركزية يتطلب من الجميع جهدا جبارًا والأخذ بالمحتوى الثقافي والتاريخي وبنية الموارد في كل محافظة من المحافظات، فهذا الإطار المعرفي ضروري جدا وهام في أن يصبح المفهوم فاعلا على أرض الواقع، ليتحقق المعنى الاصطلاحي أو الجانب التطبيقي المنشود وراء مستويات ورؤى الفكر اللامركزي، الذي يتطلب أيضا عصفا ذهنيا وحوارات مجتمعية ومشاركة من الجميع في الأخذ به إلى تشكيل المشهد الاستشرافي لسلطنة عمان وهي ترسم رؤيتها المستقبلية خلال عقدين مقبلين.

من المدرك أن خُطى الإصلاح الهيكلي في الدولة والمسائل الاقتصادية يتطلب وقتا لكي تصبح معالم هذه اللوحة ناصعة لتؤتي ثمرتها، وإذا كان هذا المسار قد بدأ بإرادة كبيرة وطموح وثّاب، فهو ماضٍ بإذن الله في ظل القيادة الحكيمة لجلالة السلطان المعظم -أيده الله- لصناعة فجر جديد لعمان الحبيبة، بما يضعها في مكانة مرموقة بين البلدان ويحقق الازدهار في كل النواحي الاقتصادية ويبني ثقافة جديدة تأخذ مكتسبها من الإرث وتكون قادرة على مواجهة التحديات والمستجدات.