No Image
رأي عُمان

أمن على الورق.. وسلام على حساب الخرائط

19 أغسطس 2025
19 أغسطس 2025

كان اللقاء الذي جمع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي محطة كاشفة لطبيعة المأزق الذي يواجه جميع المسارات الباحثة عن تسوية للحرب الدائرة في أوكرانيا. فالمحادثات التي تواصلت لاحقا مع قادة أوروبيين في البيت الأبيض لم تُخفِ أن الطريق إلى اتفاق سلام ما زال محفوفا بالأسئلة الجوهرية أكثر من الأجوبة. 

أولى هذه الأسئلة التي كشفت عنها التقارير والتصريحات التي أعقبت المباحثات تتعلق بطبيعة الضمانات الأمنية التي يطرحها الرئيس الأمريكي. صحيح أن الحديث عن ضمانات أمنية جماعية شبيهة بتلك التي يوفرها حلف الناتو يبدو مغريا من حيث العناوين، لكنه يظل غامضا في مضمونه؛ فغياب التزام أمريكي مباشر على الأرض يجعل هذه الضمانات أقرب إلى وعود سياسية منها إلى تعهدات قادرة على ردع أي خرق محتمل. وهنا يبرز تساؤل مشروع: هل تستطيع أوروبا وحدها أن تتحمل العبء الأكبر من هذه المعادلة، وهل يثق الأوكرانيون أن أمنهم لن يُترك رهينة للحسابات الانتخابية والمصالح الظرفية؟ 

ثانيا، ثمة معضلة العدالة في أي تسوية مقترحة. فكلما طُرحت فكرة «السلام مقابل الأرض» بدت أكثر انزلاقا نحو تكريس واقع فرضته القوة العسكرية على الأرض. والأوروبيون يعتقدون أن هذا تثبيت لخرائط متحركة قد تولّد جولات جديدة من الصراع بدلا أن تطوي صفحته. 

وثالثا، لا يمكن تجاهل إشكالية الداخل الأوكراني نفسه؛ فالدستور يمنع التنازل عن الأراضي، والمجتمع منقسم بين رفض قاطع لمطالب موسكو واستعداد مشروط لدى بعض الأصوات للقبول بحلول وسط إذا جاءت مرفقة بضمانات صلبة. ومن المؤكد أن أي صفقة لا تراعي هذا الواقع المعقّد ستظل مهددة بالسقوط تحت ضغط الرأي العام أو الانقسامات السياسية التي قد تفضي إلى صراع داخلي. 

وفي الخلفية يطلّ سؤال الثقة: هل يمكن الركون إلى أن موسكو ستلتزم بما تتفق عليه؟ يبدو الآن أن الأوروبيين من خلال تجارب سابقة لا يؤمنون بذلك، بقدر ما يؤمنون أن تبديل الشروط وتغيير «المرمى» تكتيك معتاد في السياسة الروسية. لذا فإن أي تفاهم لا يُكتب بحروف واضحة ولا يُدعّم بآليات ردع اقتصادية وسياسية صارمة، قد يتحول إلى استراحة مؤقتة أكثر من كونه سلاما مستداما. 

يتفق الأوروبيون الآن أن السلام الحقيقي لا يقوم على التنازلات القسرية، ولا على الوعود الغامضة، ولذلك يبحثون الآن عن ضمانات واضحة، ومتفق عليها، ومدعومة بقدرات ملموسة. أما الاكتفاء بصياغات مطاطة عن «أمن مشترك» فمن شأنه أن يخلق وهما بالاستقرار، لكنه يفتح الباب لاحقا أمام خيبات أشد وأخطر. 

خلاصة المشهد الذي يمكن اختزاله بالتصريحات التي أعقبت لقاءات البيت الأبيض أن ما جرى في واشنطن يعكس حجم المعضلة أكثر مما يقرب من حلها.. فالتوازن بين العدالة والواقعية، وبين طمأنة الداخل الأوكراني والحفاظ على وحدة الغرب، وبين فتح نافذة للسلام وعدم منح موسكو فرصة للمماطلة، هو ما سيحدد إن كان المسار الحالي بداية لإنهاء الحرب أو مجرد محطة على طريق حروب جديدة.