No Image
ثقافة

نحو تعميق توصيات الألكسو عن التعليم العالي ومستقبل الثقافة

13 نوفمبر 2025
13 نوفمبر 2025

مفتاح الثقافة والعلم هو التعليم، وهما معا يسيران يتقاطعان ويتوازيان للارتقاء بالإنسان والمجتمع؛ فهذا الفهم تخطيطا وتنفيذا سيشكل ليس فقط خلاص التعليم ومعافاته بل المجتمع والأوطان.

حسنا جمع التعليم العالي بالبحث، وحسنا حين يجمع التعليم العام وبالتعليم العالي، وحسنا حين تكون عيون العاملين في التعليم بنوعيه والبحث، ناظرة نحو مجالات العلم والثقافة في بلادنا، ضمن منظومة المعرفة، وحسنا حين ننتمي إلى حداثة هذا العلم، فنكون جزءا بما يجب أن يكون، محتفظين بخصوصياتنا.

في ربيع هذا العام، نشرت منظمة الألكسو، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم "خطة استشرافية لتطوير وتجويد التعليم في الوطن العربي"، والتي حظيت بنقاشات داخل الأطر الأكاديمية ووزارات التربية والتعليم العرب، ونشرت أدبيات تتعلق بالموضوع، كذلك ساهمت في كتابة مقالين عن الموضوع، من منطلق الاهتمام الفعلي بتطوير التعليم كونه أحد أهم مفاتيح نهوضنا العلمي والثقافي والاجتماعي.

وسواء أكان نشر الخطط أو التوصيات، فإنا نلاحظ أن متابعة ذلك، لا يحظى فعلا باهتمام كاف، والأمل معقود أن يتم تطوير المتابعة، من خلال طاقم رديف يتميز بالشغف والفاعلية، لما للتعليم من أهمية تستحق الرعاية والعناية.

أما تنفيذ ما يتم استخلاصه، وتوصيته فهو أمر فردي لكل دولة على حدة، أكان ذلك منطلقا من التأثر بأدبيات مؤتمرات التعليم أو نابعا من اهتمام مجموعة عمل تربوية في هذه الدولة أو تلك تحظى بتشجيع المستوى السياسي بل ودعمه.

ولأنه لا يمكن بناء ثقافة أدبية وفنية منقطعة عن التعليمين العام والعالي، فإن من تابع توصيات المؤتمر التاسع عشر للوزراء المسؤولين عن التعليم العالي والبحث العلمي في الوطن العربي، سيجد ليس فقط اللغة الإنشائية فقط، بل لغة غير حازمة تبدأ عباراتها بـ: تشجيع وحثّ ودعوة، وتكرار ذلك على مدار 10 توصيات.

وليس هذا فقط ما يراه المهتم، بل يرى الانقطاع شبه التام بين التعليمين العام والعالي، باعتبار أن التعليم العام هو المؤسس للتعليم العالي.

أما تتبع التوصيات، التي بدأت "بتبني وتعزيز وتنظيم تقنيات الذكاء الاصطناعي" فيقودنا إلى ما حدث في عالمنا العربي قبل أكثر من ثلاثة عقود، مع دخول شبكة المعلومات الإنترنت، والتي أغرقت النشء بالمعلومات، دون القدرة على اختيار الملائم وتوظيفه. ولم نكد نتعافى من ذلك حتى داهمنا الذكاء الاصطناعي، الذي يتم استخدامه سريعا، دون تهيئة بنيوية تضمن الاستخدام الأمثل، حيث لاحظنا جميعًا استسهال الاستخدام دون تمحيص وبحث كافيين.

إننا وفي ظل هذه الحداثة التكنولوجية، بحاجة أولا إلى ضمان تمكن طلبة المدارس، باعتبارهم مخرجات التعليم العام ومدخلات التعليم العالي من مهارات التمكن من اللغة، خاصة فهم المقروء، فكيف سيتمكن الطلبة من فهم صفحات كثيرة إن لم يتمكنوا من فهم الفقرة الواحدة والصفحة الواحدة؛ فقد دلت مسوح القراءة عربيا على نقص حادّ في فهم المقروء. وعليه فإن أولوية تعليم اللغة العربية كلغة قومية، أمر في غاية الأهمية، فلا يمكن إجراء بحث صغير من قبل طالب ينقل المعلومة دون فهم كاف لها.

ولعل طغيان الحديث عن الذكاء الاصطناعي، يدفعنا إلى إعادة الحديث عما ينقصنا من تربية النشء أولا على التفكير النقدي في عوالم التعليم والتثقيف والإعلام، فالتفكير النقدي يعني في جوهره الفهم أولا، بل الفهم العميق، ومراكمة الفهم في موضوع معين، بناء على الاستزادة من المعلومات، وحين يكون الطالب واقفا على أرض صلبة، عندها ستكون له القدرة على المحاججة، ما يعني توفر شرط البحث، الذي لا يقوم فقط على تجميع المعلومات، كما نراه في الرسائل الأكاديمية، والتي يمكننا من العنوان معرفة النتائج.

ماذا تعني مثلا التوصية الثانية "التشجيع على تبني وتعزيز وتنظيم أساليب التعلم المرن لتوسيع فرص الوصول للطلبة"؟ في ظل وجود كتب مدرسية وجامعية لا يتم تدريسها بشكل كاف، كما أن التوصية تغفل ما تم إنجازه من التوسع في التعليم عن بعد أيضا.

ثمة توصيات تتعلق "بربط التطوير بالتبادل والتعاون البيني والدولي وإقامة شراكات". لكن ماذا عن جدية التعليم نفسه في المؤسسة؟ هل تقوم المؤسسات فعليا بالاطمئنان على مستوى خريجيها؟ فكيف سننفذ التعاون إن لم يكن التعامل نديا؟ إن إعادة اعتبار المؤسسات مدارس وجامعات لنفسها، من خلال قيام المعلم ومدرس الجامعة بدوره الحقيقي هو جوهر التطوير، وحال المؤسسات التعليمية وتقصي مستويات الخريجين، تدلنا على أن هناك نقصا في جدية المتعلم والمعلم معا. أما الاستدامة فهي ليست شعارا وكلمات تقال، بقدر ما هي منهج وسيرورة تقع في نية العمل، أما الدعوة إلى "تشجيع الابتكار وريادة الأعمال"، فإن ذلك أصلا هو نتيجة لتعلم جيد، كذلك فإن "تطوير برامج التعليم في ضوء المهارات التي تتطلبها مهن المستقبل" إن لم يكن نابعا من مواكبة المؤسسة الأكاديمية نفسها، بدعم من صناع القرار، فإن الحال سيبقى على ما هو عليه، ولعل إمعان النظرة في برامج الجامعات يجد من كان مواكبا في ذلك من منطلق استقطاب الطلبة لتلك التخصصات أو من منطلق القناعة بالفعل.

ولعلنا نختتم بتذكر أن التعليم علم وثقافة، فإذا كان المتعلمون الصغار أو المتخصصون في المجالات العلمية بحاجة إلى ثقافة، كحاجة دارسي الثقافة للعلم خاصة في هذا الزمن، فإننا جميعا مدعوون لتأمل عالم المعرفة العظيم الذي إن دخلنا أفرادا وجماعات بقوة وثبات، فإننا سننقل مجتمعنا العربي من مجتمع فيه نخب، إلى مجتمع النخبة.

وأخيرا، وربما هذا مستخلص المقال، فإن الثقافة والفنون لم تعد منقطعة عن العلم ونتائجه، من باب ارتباط حقول المعرفة معا، وفي ظل ما يعرف بالمعرفة البينية، فقد صار الاهتمام بالتخطيط التربوي أمرا استراتيجيا يخصّ تطور بلادنا وأمنها معا. وعليه لعلنا نتحرر من الإنشاء وتكرار الجاهز باتجاه الذهاب إلى ما ينبغي الذهاب إليه من جذور التعامل مه الجوهر، لأن ما سيظهر من ساق وفروع وأوراق وثمر، مرتبط تماما بما يتعلق بالجذور.

وليس في ذلك اكتشافا، إنما يدفعنا ذلك إلى الفعل الحقيقيّ، بدلا من هذا التشتت، فلا بناء قويا ثابتا يتحقق إلا إذا كانت الحجارة التي نبني عليها ثابتة.