No Image
ثقافة

مؤتمر الترجمة في شنغهاي يختتم أعماله بدعوة لتعزيز التعاون الثقافي العربي ـ الصيني

27 سبتمبر 2025
27 سبتمبر 2025

(عمان) شهدت جامعة شانغهاي للدراسات الدولية مؤخرًا اختتام فعاليات مؤتمر "حركة الترجمة الصينية – العربية في شنغهاي: الواقع والمأمول"، وذلك ضمن جولة موسعة لوفد جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي، شملت كلًّا من بكين وشنغهاي، في إطار سعي الجائزة لتعزيز الحوار الثقافي وتوسيع آفاق التفاهم بين الشعوب من خلال الترجمة.

المؤتمر، الذي عُقد بحضور نخبة من الأكاديميين والباحثين والمترجمين من الصين والعالم العربي، جاء كمبادرة علمية تهدف إلى مناقشة واقع الترجمة بين اللغتين العربية والصينية، واستشراف مستقبلها في ظل ما يشهده العالم من تحولات معرفية وثقافية، وقد تناول المشاركون جملة من المحاور المتعلقة بالتحديات التي تواجه حركة الترجمة، والفرص المتاحة لتعميق هذا الجسر الحضاري الممتد بين الحضارتين.

في كلمته الافتتاحية أكد الأستاذ الدكتور وانغ يو يونغ (فيصل)، مدير معهد دراسات الترجمة بجامعة شانغهاي أن الترجمة ليست مجرد عملية نقل لغوي، بل هي وسيلة لفهم أعمق، ومفتاح للتقارب الإنساني، وهي التي تفتح آفاقًا واسعة أمام الحوار الحضاري. كما ثمّن الجهود المبذولة من قِبل الجائزة في تكريم المترجمين، ودعم المبادرات التي تعزز من إعداد كوادر جديدة في هذا المجال الحيوي.

أما الدكتور محمد الأحمري، المدير العام لجائزة الشيخ حمد، فقد أكد أن الترجمة تمثّل القناة الأصدق للتفاهم الحقيقي بين الأمم، بعيدًا عن التفسيرات المنحازة أو الوساطات غير المباشرة. وأشار إلى أن الجائزة تسعى لتكون نقطة التقاء حضاري، تعمل على تقريب الثقافات وبناء فضاءات مشتركة من الفهم والمعرفة، داعيًا إلى المزيد من التعاون الفعّال بين المؤسّسات الثقافية في العالم العربي والصين.

وقد تميزت جلسات المؤتمر بتنوع محاورها، حيث طُرحت أوراق علمية ونقاشات معمّقة تناولت التاريخ الثقافي، والتلاقح الأدبي، وتطوير مناهج تعليم الترجمة، إضافة إلى الأبعاد التقنية والرقمية التي باتت تؤثر بشكل مباشر في طبيعة عمل المترجمين، كما ناقش المشاركون رؤى مستقبلية تسعى إلى الارتقاء بجودة الترجمة وتوسيع نطاقها بما يخدم التفاهم الدولي.

وقد شهد المؤتمر عددًا من المداخلات الأكاديمية المتخصصة، من أبرزها مداخلة الأستاذ الدكتور دينج جون (أحمد لطيف)، مدير معهد دراسات الشرق الأوسط، التي تناولت مراحل تطور الترجمات الصينية لمعاني القرآن الكريم، مستعرضًا تاريخ الترجمة الممتد لأكثر من ثلاثة قرون. وأوضح د. دينج أن بدايات ترجمة معاني القرآن إلى الصينية تعود إلى القرن السابع عشر، حيث اقتصرت آنذاك على محاولات جزئية استُخدمت لأغراض تفسيرية داخل المؤلفات الدينية، ثم تطورت في القرن التاسع عشر لترجمات لسور وآيات منتقاة، قبل أن تشهد نقلة نوعية في أوائل القرن العشرين مع إصدار أول ترجمة كاملة في بكين عام 1927، تلتها ترجمات متعددة أبرزها ترجمة محمد مكين. وأشار إلى أن الترجمات الحديثة باتت أكثر شمولًا ودقة، وامتازت بتنوع لغوي بين الأسلوب الكلاسيكي والعصري ولغة المساجد، ما جعلها تساهم بفعالية في نشر الثقافة الإسلامية وتعزيز التواصل المعرفي بين المسلمين في الصين والعالم العربي.

وفي سياق موازٍ، قدّمت الأستاذة الدكتورة لو يي وي (سامية)، أستاذة في كلية الدراسات الآسيوية والإفريقية، مداخلة بعنوان "ترجمة أدب شانغهاي وتلقيه في العالم العربي"، تناولت خلالها المسار التاريخي والحضاري لترجمة الأعمال الأدبية الصينية، ولا سيما تلك التي نشأت في فضاء مدينة شانغهاي. وأشارت إلى أن هذه الترجمات بدأت منذ خمسينيات القرن الماضي، أولًا عبر اللغات الوسيطة كالإنجليزية والفرنسية، ثم عبر الترجمة المباشرة من الصينية، ما أتاح تفاعلًا أكثر حيوية وواقعية مع النصوص الأصلية. وسلطت الضوء على حضور أعمال كبار الأدباء والمسرحيين الصينيين في الثقافة العربية، مثل لو شيون، ماو دون، با جين، وانج آن يي، ودينج لينج، مؤكدة أن هذه الأعمال لاقت صدى إيجابيًا لدى القراء العرب نظرًا لتقاطعها مع قضايا النهضة الاجتماعية والعدالة والحرية. وبيّنت أن ترجمة الأدب الصيني أسهمت في إثراء الحراك النقدي والإبداعي في الأدب العربي، مشكّلة جسرًا إضافيًا من جسور التبادل الثقافي بين الحضارتين.

كما واصل المؤتمر أعماله بمداخلات علمية سلطت الضوء على تجارب عملية ونماذج واقعية في مجالي الترجمة والتعليم، حيث تناولت المداخلة الثالثة التي قدّمتها الدكتورة تشن يوه يانغ (فهيمة)، وكيلة كلية الدراسات الآسيوية والإفريقية، دور قسم اللغة العربية في جامعة شنغهاي للدراسات الدولية، والذي يُعد من أقدم الأقسام في الصين، ويحتفل هذا العام بمرور 65 عامًا على تأسيسه، وقد استعرضت "فهيمة" إنجازات القسم في مجال ترجمة الأدب العربي الكلاسيكي إلى الصينية، وأبرزها أعمال نجيب محفوظ وجبران خليل جبران، في مقابل جهود مميزة لترجمة الفكر الصيني إلى العربية. وأشارت إلى حصول عدد من أساتذة القسم على جوائز دولية تقديرًا لعطائهم، مؤكدة حرص الجامعة على تعزيز شراكاتها مع المؤسسات العربية والقطرية دعمًا للتفاهم المتبادل.

وفي المداخلة الرابعة، ناقشت الدكتورة جيو شو ون أستاذة مساعدة بالكلية نفسها، إشكاليات ترجمة الثقافة الصينية إلى العربية، مشيرة إلى الصعوبات التي يواجهها المترجم في التعامل مع العبارات الرمزية أو الثقافية التي يصعب نقلها دون فقدان معناها أو خصوصيتها. وقدّمت "جيو شو ون" تجربة بحثية في استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، وخاصة "المتجهات الدلالية"، لقياس المسافة بين الأصل والترجمة وتحديد دقة النقل اللغوي، وأكدت أن هذه الأدوات يمكن أن تكون داعمة للمترجم في مراجعة النصوص وتصحيحها، لكنها لا تلغي الحاجة إلى الحس الثقافي والوعي الإنساني الضروري لفهم الروح النصية ونقلها عبر اللغات.

من جانبها، عرضت الدكتورة تشانج شيو لي (أميرة)، المدرّسة بالمعهد العالي للترجمة، في المداخلة الخامسة تجربتها التعليمية مع الطلاب العرب الذين يدرسون الترجمة من الصينية إلى العربية، مبيّنة أن أبرز التحديات التي تواجههم تتمثل في ترجمة الأرقام والمصطلحات السياسية أو الثقافية الدقيقة. وأشارت إلى نجاح أساليبها التفاعلية في التدريس، التي اعتمدت على التدريب العملي وربط المفاهيم بأمثلة واقعية، مما ساعد الطلبة على تجاوز صعوبات الترجمة وتعزيز كفاءتهم اللغوية والثقافية.

أما المداخلة السادسة، فقدّمها الدكتور لي شي جون (لطيف)، الباحث في مركز الدراسات الصيني العربي للإصلاح والتنمية، متناولًا التجربة الترجمية المتبادلة بين الصين ودول الخليج العربي. واستعرض أبرز الأعمال الخليجية التي تُرجمت إلى الصينية، مثل غراميات شارع الأعشى وساق البامبو، مشيرًا إلى الأثر العميق لهذه الترجمات في تصحيح الصور النمطية عن المجتمعات الخليجية، وتعزيز الفهم الثقافي المتبادل.

واختُتمت الجلسات بمداخلة الأستاذ الدكتور وانج يو يونج (فيصل)، مدير معهد دراسات الترجمة بجامعة شنغهاي، الذي قدّم رؤية تأملية حول الترجمة بوصفها فعلًا حضاريًا ممتدًا من طريق الحرير إلى عصر الرقمنة، مؤكدًا أن الترجمة ليست مجرد نقل لغوي، بل هي حوار بين الوجدانين العربي والصيني. واستعرض وانغ بعضًا من ترجماته للأدب العربي الحديث، في مقابل تعريف القارئ العربي بفكر وأدب الصين، مشيرًا إلى التحديات الراهنة مثل نقص المترجمين المتخصصين، وصعوبة الوصول إلى النصوص المترجمة. ودعا في ختام مداخلته إلى تطوير أدوات رقمية مشتركة، وتكثيف التعاون الأكاديمي لإعداد جيل جديد قادر على بناء جسور معرفية متينة بين الثقافتين.