ثقافة

في فلسطين.. ليس معرض كتاب فقط إنه مقاومة وحب

13 سبتمبر 2023
13 سبتمبر 2023

(يشبه عرسا شخصيا ووطنيا والله)، هذا ما علق به طالب ثانوي من نابلس يواظب على حضور دورات معارض الكتاب في فلسطين، بدأت الدورة الثالثة عشرة لمعرض الكتاب الدولي الفلسطيني في رام الله - فلسطين، في السابع من الشهر الجاري، والذي تشرف عليه وزارة الثقافة الفلسطينية، ويستمر لعشرة أيام، بعد عام فقط عن الدورة الثانية عشرة.

بالتحديد في فلسطين، يفرح الفلسطينيون بالكتب ويسعدهم الفن، حرم الفلسطينيون من الكتب عقودا طويلة جدا، عاشوا يحلمون بكتب المبدعين الفلسطينيين في المنافي، أما الروايات والكتب المترجمة عن لغات أخرى، فكانت تشبه أحلاما مستحيلة، يتذكر الكاتب مالك الريماوي أحد كتاب التسعينيات، كيف كان يتحسر لقراءة روايات ليانة بدر ويحيى يخلف وسحر خليفة، الصادرة في بيروت أو القاهرة، (كنت أحلم بلمس هذه الكتب، وأظن أن اللمس نفسه كان يكفي روحي)، يقول الريماوي الذي كان يقرأ في الجرائد الفلسطينية أخبار صدور هذه الروايات، وينتظر لحظة وصولها إلى فلسطين، كان عليه أن ينتظر سنوات قبل أن تصل، وكانت تصل إذا قدر لها أن تصل عبر التهريب أو مع الأجانب القادمين من أوروبا، انفرج الوضع بشكل كبير مع مجيء السلطة الفلسطينية، عام 1994 والتي شكلت نسبيا نافذة للتنفس الثقافي، وكان أول معرض دولي للكتب في فلسطين هو المعرض الذي أقيم في غزة عام 1996 يتذكر جيدا الشاعر الغزي عثمان حسين أحد أبرز شعراء فلسطين في غزة هذا المعرض الذي شكل هزة وجدانية وطنية معرفية كما يقول: "كنا نكاد نموت من عطش الكتب وفجأة انهمرت فوقنا الكتب كالمطر".

"نحن نقاوم، صدقني إن زيارة معرض دولي للكتاب في بلادي يشبه مظاهرة ضد الاحتلال، لا أظن أن الاحتلال يرغب في أن نعيش حياة طبيعية، نحن لن نستسلم، سنظل متمسكين بحقوقنا، وسنقاتل من أجلها، في ذات اللحظة، سنظل نحب الحياة والكتب)". هذا ما قاله لنا الفنان التشكيلي محمد عاطف في معرض الحديث عن الوطن والكتب والحياة.

توالت معارض الكتب الدولية في فلسطين تحت رعاية وزارة الثقافة الفلسطينية، وصار بإمكان الفلسطيني القارئ أن يلتهم ما شاء من كتب المعرفة بكافة أشكالها، وانتصبت دهشة الفلسطيني المثقف أمام وجود دور نشر عربية كان يسمع بها ويتحسر على النشر فيها، "حين قرأت يافطة باسم دار مدبولي المصرية للنشر في معرض فلسطين الدولي للكتاب في دورته الثانية والذي عقد برام الله في الـ99 أصابتني قشعريرة رهيبة، فهذه الدار التي طالما حلمنا بالنشر فيها وقراءة إصداراتها صارت قريبة وفي بيتنا" يقول الناقد تحسين يقين. ويقول الفلسطيني الشاعر علي أبو عجمية عن فكرة معرض كتاب دولي من فلسطين "إن هناك خصوصية لهذه المعارض في فلسطين تأتي في سياق إعادة الاعتبار لمركزية الثقافة الفلسطينية في العالم العربي كما أن الحضور العربي من تونس وعمان والأردن والمغرب مهم هنا لأنه يؤكد عمق انتماء هذا المكان إلى بعده العربي.

في معرض الكتاب الدولي الذي ما زال مستمرا، في ساحات المكتبة الوطنية برام الله، ما زال فرح الفلسطينيين مستمرا، عشرات دور النشر العربية من معظم الدول العربية تشارك في المعرض بمئات من العناوين، من البحرين وتونس والمغرب وسلطنة عُمان والكويت والأردن ومصر، الفئة الأكثر فرحا هي تلاميذ المدارس الذين ينتظرون هذه العشرة أيام فهي فرصة لحضور العديد من فعاليات الأطفال ومشاهدة الأفلام وشراء كتب الأطفال المحلية والمترجمة.

وبعد توقيع اتفاق تعاون بين وزارتي الثقافة والتربية والتعليم في فلسطين سيكون متاحا لطلاب المدارس زيارة المعرض وشراء الكتب، والاستمتاع بالتجول بين دور النشر وهذه ممارسة حرم منها طلبتنا طيلة سنوات الاحتلال الذي ما زال مستمرا، لكن ثمة نوافذ صغيرة نطل منها هنا وهناك. كما يقول الأستاذ حامد ماخو مدير عام النشاطات في وزارة التربية والتعليم، ويضيف: زيارة المعرض بالنسبة للطلاب يشكل انفتاحا إيجابيا على الواقع الثقافي الفلسطيني والعربي.

إن أهم أهداف معرض الكتاب الدولي في استراتيجيتنا التربية والوطنية ليس فقط التواصل مع العالم العربي ثقافيا، إنه تواصل طلاب مدارسنا مع أنفسهم ومع أصدقائهم ومع الكتب بمختلف أنواعها تحقيقا لفكرة نسعى لتحقيقها وهي ممارسة حياة طبيعية طالما حرم منها أطفالنا وكبارنا وهي اكتساب خبرات جديدة في الحياة، خبرات تبدو طبيعية جدا في دول العالم، لكنها في فلسطين تعتبر صعبة المنال.

ما يميز هذه الدورة هو وجود عدد من الأدباء العرب من الدول العربية: حسن المطروشي من سلطنة عُمان وحسن الوزاني من المغرب وسمير القضاة من الأردن ومحمد الهاشمي من تونس والفلسطينيين القادمين من غزة وهم ناصر رباح وكفاح الغصين ومريم قواش وعايدة حسنين وكوثر حسين وحيدر الغزالي وعثمان حسين وسليم نفار والدكتور عبد الرحيم الهبيل وبيسان نتيل، ومحمد أبو كويك، وأحمد عاشور، وصول أدباء من غزة، يشبه معجزة، فالاحتلال الذي يسيطر على الحدود بين المدن يمنع الزيارات وتواصل الناس مع بعضها البعض، بين الضفة وغزة ممنوعة وإذا سمح أحيانا فهذا يحدث بصعوبة وبأيام قليلة جدا.

ثمة برنامج ثقافي حافل بالعروض الموسيقية والأمسيات الشعرية والأفلام وتوقيع الكتب وفعاليات فضاء الأطفال، ونقاش الكتب. كما أقيم على هامش العرض معرض فن تشكيلي بعنوان "مائة لوحة" ضم عددا كبيرا من لوحات من الفنانين عبد الرؤوف عجوري ورائد عيسى وفاخر عوض وسمير الحلاق وأشرف سحويل، وفي فضاء الأطفال أقيمت عدة أنشطة تضمنت رواية قصص، عرض أفلام، وتوقيع كتب، وفي أجنحة دور النشر تم توقيع روايات ودواوين شعر. وقعت صباح بشير روايتها "رحلة إلى ذات امرأة" في جناح دار شامل، ووقع عباس مجاهد كتابه "لآلئ الأدب العربي" في دار أسامة، ووقعت إسراء كلش روايتها "الضوء" في جناح دار الأهلية، ووقعت تسنيم هلالي كتابها "استدعاء الموروث الديني" في شعر جمال سلسع، ووقع نسيم خطاطبة كتابين في جناح مكتبة كل شيء: "أهازيج عاشق متمرد"، "حب وحرب".

العديد من الندوات نظمت منها ندوة "المرأة في الثقافة الفلسطينية أدوار إبداعية"، بمشاركة ديما سمان، وداد برغوثي، سوسن قاعود ومعاذ عبد الله، كما نظمت ندوة حول الملكية الفكرية "نحو قانون فلسطيني" شارك فيها روان تيمي وفداء أبوحمدية ونداء قسيسي، كما نظمت ندوة حول الرواية "تجارب وشهادات إبداعية" شارك فيها نافذ الرفاعي ورولا غانم وحمدة مساعيد وشهد أبو الهيجاء، وتم تنفيذ عدة أنشطة في فضاء الأطفال وهي "لو كنت عصفورا" بالتعاون مع شبكة مكتبات الشمال – مؤسسة تامر ونشاط بعنوان صناعة شعبية – الطائرة الورقية بالتعاون مع عدنان داغر وعرض تفاعلي متعدد النشاطات – حكاية الميرمية ونشاط "نصنع آلة للسفر عبر الزمن" بالتعاون مع صوفي الدرمان- مؤسسة تامر ونشاط بعنوان قصة ودمية بالتعاون مع مسرح يويا - رائد خطاب.

ما زال المعرض مستمرا وثمة نشاطات وفعاليات كثيرة بانتظار الزوار والقراء، ما زالت فلسطين مبتهجة بهذا الحدث والطريق إلى المعرض الدولي للكتاب في قرية سردا قرب رام الله، مزدحمة بالحب والأمل بالسيارات.