ثقافة

أفراح مبارك الصباح :«الشعر » طوق النجاة من عناء التشوهات الخلقية لوجه الأرض

22 أبريل 2024
22 أبريل 2024

ارتباط كتابة المرأة بمفهوم «الجندر» يخلق نوعًا من الإشكالية والتشوّه

والدي الشيخ مبارك عبدالله الجابر مع كونه عسكريًّا؛ إلا أنه كان نِعمَ الرفيق والمُلهم والمحفّز

شغَل جدي الشيخ عبدالله الجابر أول منصب لوزير معارف في الكويت وكان أول رئيس نادٍ أدبي

نـتاج مرحلة نهضة الكويت كان من خلال المرأة الكويتية

من الفنيات المهمة في قصيدة الشيخة والشاعرة أفراح مبارك الصباح: التكثيف الدلالي الذي يعطي جرعة مكثفة للقارئ في جملة واحدة، كما أنه يعطي ترميزات تختلف من متلقٍ لآخر؛ فتكون هناك تأويلات خاصة لكل متلق ومساحات أكبر لإعمال العقل عند التلقي الأدبي والبحث عما وراء تلك الجملة.. فهي التي تخطف الضحكات من الغيم، تطير بجناح طائر يغني حزنًا تملأه المنافي، وتثور كرعدٍ يلتمع بعرق التحول إلى مطرٍ صاخب يسكب الحليب والحلوى لكل أوراق الهوى المنسية في طيّات دوائر مغلقةٍ عليها.

وعبر سيرة أدبية مشتبكة مع منظور البوح والتلقي، الواقع والخيال، الإنسان وذاته.. سيرة مفعمة بالتضاد والتماس، بالغناء الأبكم والصمت الصارخ، جاءت حتى الآن في ثلاثة دواوين: أولها «صندوق»، ثانيها «عويل لصمت لا يُسمع» وثالثها «شغف أزرق»..

وكان لنا معها هذه القراءة، في لقاء مشمول بالبهجة خلال ندوتها الشعرية التي أقيمت في معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ55، والتي قدمتها بوعي المثقف الفنان وزيرة الثقافة المصرية د. نيفين الكيلاني في أولى الأمسيات الثقافية التي تدشنها الهيئة المصرية العامة للكتاب برئاسة دكتور أحمد بهي الدين..

بدايةً، على غير التقليد، نود سؤالك: عن رؤيتك الخاصة عن فكرة طرح إشكالية التصنيف حول كتابة المرأة بمصطلح «نسائي» على مجاراة كتابة الرجل بمصطلح «ذكوري»؟

في الواقع، أرى أن ارتباط كتابة المرأة بمفهوم «الجندر» يخلق نوعًا من الإشكالية، فحصره في تصنيف ما يعد تشويهًا ممقوتًا، ولا أؤمن بتلك القياسات التصنيفية. بل أرى أن إبداع المرأة قد يتغلب على الكتابة الذكورية؛ لأنها من الناحية الفسيولوجية متعددة التفكير، وتأخذ كل الأدوار بتنوعها: دور الطفلة، دور الرجل نفسه، دور المناضلة، دور العاشقة، وهي صوت العالم.. كما أنها تحارب في كل مناحي الأدب وتصنع موضع قدم حقيقي لها، وتشكَّل جيلٌ من الرائدات الكويتيات حاضرًا وبقوة في المشهد الثقافي والأدبي؛ فترى في تجربة الإبداع الروائي إسهامات الأديبة ليلى العثمان، ود. سعاد الصباح، ود. فاطمة يوسف العلي وأيضًا بثينة العيسى، في الشعر تجد سعدية مفرح، نجمة عبد الله إدريس، ففي كلٍّ هناك سعي دؤوب لتتحرر من سلطة المجتمع، وتطرح بطريقتها الخاصة قضاياها ومشاغلها من منطلق ذات أنثوية مُحاوِلةً الانتصار لأحقيتها في الحياة والحرية والحضور السياسي والاقتصادي والتمكين في شئون حياتية مختلفة، كذلك قدرتها على التخلص، ولو قليلًا من سلطة الوعي الذكوري، بما لديها من حس متجدد متنوع ذي أنماط، فيمكنها الكتابة بلهجة الرجل وفي الوقت ذاته بلهجة المرأة أدبًا يمكن التعبير عن كل القضايا الإنسانية.

  خلال مشوارك الإبداعي، هناك من كان له بالغ الأثر والتأثير عليكِ، حدثينا عنهم؟

بالتأكيد هناك شخصيات كان لها التأثير المباشر، بدايةً جدي الشيخ عبدالله الجابر والذي كان أول وزير معارف في الكويت وأول رئيس نادٍ أدبي والذي تحول الآن إلى رابطة الأدباء الكويتيين. هذه الشخصية التي أصبغت علي حبّ القراءة وشغف المعرفة والثقافة، كان عاشقًا للآداب والفن والشعر، وكنا نمضي أوقاتًا كثيرة بالمشي ونتناقش في أمور الدنيا وفي الكتب التي قرأناها بالأمس. والشخصية الثانية كانت شخصية والدي الشيخ مبارك عبدالله الجابر، مع أنه كان شخصية عسكرية؛ لكنه كان، أيضًا، مُحبًا للشعر وكانت مكتبته تحوي العديد والعديد من أمهات الكتب والدوريات الثقافية والمعرفية المختلفة، من بينها اللطائف المصورة، تاج العروس، وغيرها الكثير من الكتب التي كنت أستعير بعضًا منها وكنّا نقضي أوقاتًا كثيرًا في المشي.. كما كانت تأتي مناقشاتنا بعد اطلاعي على هذه الكتب، فكان الرفيق الأدبي والرفيق الفني والملهم والمحفّز لي بدعمه الكبير وتشجيعه المستمر، ولا أنسى عندما نلت الجائزة الثالثة على مستوى الكويت في البحث العلمي، في مجال الطاقة وتجديدها؛ فكانت أول عشرة دنانير في بداية الثمانينات، كافأني بها ولا زلت أحتفظ بها إلى الآن. فكان ربّ أسرة يحتضن أبناءه ويحث على السعي للتنوير والتعرف على مناهل العلوم المختلفة.

ولو سألتني بخصوص طبيعة عمله العسكري، أكان رجلًا صارمًا يوجهني لهذا أو لذاك؟؛ فأقول لك: مع كونه أول رئيس لهيئة الأركان العامة في الجيش الكويتي في الفترة من 1963 حتى 1980، إلا أنه كان شخصًا متفتحًا مستنيرًا، وأستطيع أن أصفه بأنه كان مشجعًا بنظامية عسكرية ناعمة لحب الاطلاع والتفكير وللحوار.. كما لا أنكر طبعًا، أنه كان هناك جانبان لشخصية والدي، الجانب العسكري والجانب الأبوي الدافئ الحنون.. وأورث ذلك لأبنائه ليستفيدوا من تلكما الخصلتين.

(وهذا يأخذنا للتنويه إلى ما أسهمت به دولة الكويت من دعم ومساندة أيام حرب السادس من أكتوبر 1973 للقاهرة.. وما قدمته القيادة العسكرية آنذاك.. ربما عايشتِ بطفولتكِ وقتها هذه الأجواء، فماذا يمكن أن تخبرينا عنه؟)

خلال حربي العرب مع الكيان عامي 1967و 1973، فقد أسهم في تلبية نداء الواجب القومي بإرسال ثلثي الجيش الكويتي إلى جبهتين للقتال مع بقية الجيوش العربية، على الرغم من قلة عدد وعتاده، وكان يسمى -آنذاك- بـ «لواء اليرموك» الذي يحمل 4 كتائب وألف مقاتل، وظل يقاتل مع الجيش المصري في حرب الاستنزاف واستشهد منه 42 ضابطًا على أرض الفيروز. وتم تكريم الجيش الكويتي من قبل الرئيس الراحل محمد أنور السادات قبل عودتهم إلى الثكنات في الكويت.

الشاعر يكتب عما يدور حوله في العالم، لنكتشف أن نصوصه ما هي إلا مرايا عاكسة لذاته الداخلية، لأفكاره ورؤاه ونظرته الفلسفية، إلى أي مدى تتفقين مع ذلك؟

أوافقك تمامًا؛ فإننا نكتب من ذواتنا الصادقة وشعورنا الأمين، تظهره مرايا الورق العاكسة، لما نفكر فيه، بما أحمله من خوف، على حد تعبير الشاعرة والموسيقية الأمريكية «جوي هارجو» «لِيكن الخوف حليفك وليس عدوك».. فأنا أكتب الشعر، بما يمثله من رسالة أحمل عبأها؛ لأصنع جمالًا مقنعًا للواقع الذي نعيشه، مع كل هذه الحروب والصراعات والكراهية، كل مشوهات العالم حاضره وماضيه. الشعر يجعلني أكتب عشقًا من قلبي إلى قلمي على ورقي، ويساعدني في ابتكار كوكب مختلف يعمّه الجمال والحب والخير والسلام أهرب إليه بعض الوقت لأرتاح من عناء هذا التشوه الخلقي لوجه الأرض، وحتى أستطيع مواصلة الحياة على هذا الدرب الشائك.

في مشروعك الشعري تبحثين دائمًا عن صناعة مدينة فاضلة «يوتوبيا». هل تخص مشروعك الإبداعي فقط، أم تخص كل المثقفين؟

هناك صراع ومعارك وبحث وتثقيف مكثف جدًا ومثابرة، وسنوات من القراءة النهمة، ولأني أحمل إرثًا ثقيلًا على كاهلي كوني من عائلة «الصباح» بدولة الكويت؛ فكان عليّ أن أكون في المستوى الذي يليق باسم عائلتي.. ساعدني ذلك في أن أصنع عالمي الخاص.. كلما قرأت كتابًا رائعًا أو شاهدتُ فيلمًا عبقريًا أو موسيقى، أبحث في كل التفاصيل عن خصوصية ما تعنيني، تجد مثلًا أن أولى الروايات التي قرأتها كانت رواية «أنا حرة» لإحسان عبدالقدوس، وقد أثرت في لدرجة أنني تقمصت دور المتمردة فيها، لكنه كان تمرّدًا فكريًا علميًا، إنه ذاك التمرد المشفوع بالفهم، والانضباط، وليس عبثيًا أو فوضويًا.

وبالحديث عن الـ«يوتوبيا» / المدينة الفاضلة، كما صاغها «توماس مور» من الكلمات اليونانية التي تعني «اللامكان»، فكما هو معروف لم يكن أفلاطون ينظر إلى مدينته على أنها ضرب من الخيال، فقد كان يعتقد بإمكانية تحقيقها، والأدب بصفة عامة، يمكنه تجاوز تلك الصعوبات بقوة ذاتية قائمة على الإيمان بقدرة العقل والمعرفة على تحقيق تلك المدينة.

هل يصنع الشعر رسالته التنويرية، بما في ذلك تغيير نمطية الوعي الجمعي، والثقافة الشعبوية؟

الشعر ينمّي فيك حسّ الإنسانية، تقبّل الآخر، بهدف تقبّل نفسك، تتقبلها كما هي، غضبها، تمردها، خوفها، انسياقها لتيار، لحزب، لفكرة معينة، وهذا نوع من التشذيب، يلجم نفسك بلجام خطير وتُأنْسن الحس الحيواني، الحس المنفعل، الحس المادي والروحي بالشعر.. وأنا أؤمن برسالة الفن، برسالة الشعر، فلا تجد شاعرًا قاتلًا، أو موسيقيًا قاتلًا، وطبعًا من كل قاعدة هناك ما يشذ عنها..

وكما يقول أرسطو في عبارته الشهيرة: «إن الشعر أكثر تفلسفًا من التاريخ؛ لأن الشعر يتعامل مع الكليات، والتاريخ يتناول الجزئيات».. والشاهد أن الشعر وسيلة مهمة للتأمل والنظر إلى العالم من حولنا، نقطة التقاء بين العقلاني والحدسي، بين الواقعي و«الميتافيزيقا»، بين اليقين و«اللا يقين»، ودوره كبير في بناء الوعي الجمعي بلا شك، فلا مساحة للحرية دون شعر، لا معرفة دون شعر، يكفي أنه رسالة كبرى للجمال.

«كنزقِ كلمةِ قهوة» تعيش المرأةُ دورة حياتها فاعلة في الثقافة والفن، تقف على الحافة «تؤرجحها رياح ثائرة» تارة إلى الأمام وتارة إلى الخلف. وبما أنك من الأصوات التي صنعت مساحتها الخاصة في عالم الشعر؛ فكيف ترين حضور المرأة المبدعة في الوطن العربي الآن؟

المرأة العربية، الآن، حاضرة وبقوة في المجالات كافة، بعدما قطعت أشواطًا كبيرة في مشوار تحقيق ذاتها وأهدافها بما سجلته من نجاحات وإسهامات فكرية واسعة سواء على مستوى الأدب من شعر ورواية أو غيرها من أنواع الفنون، وهي في ذلك برهنت، في تحدٍّ كبير، على عدم ضعفها وقلة حيلتها في التعبير عن مشاعرها ورؤيتها لنفسها ولدورها البنّاء الفاعل في الحياة، وأنها كسرت قيود المجتمع الحادة، وتخطت كثيرًا من الظروف الاجتماعية الصعبة بصبر وإرادة تحسد عليها. ففي فترة ما قبل ظهور النفط كانت هي من تتولى رعاية الأسرة والإنفاق عليها عندما يغيب عنها الزوج في رحلة الغوص والبحث عن اللؤلؤ والسفر لمدة ستة أشهر.. كانت تنفق ما هو متاح وقتها، وقد ظهر الكثير من رجالات الكويت خلف عباءة المرأة.. وكانت بكل الجهد والمشقة تقوم بدورها الحيوي في بناء أمة ونهضتها؛ فلولا تمكنها من بناء أسرتها الصغيرة ورعايتها لمَا كانت هناك أجيال تصمد في مجابهة التحديات والتغييرات من حولها. وعلى عكس ما يشاع بأن المرأة في المجتمعات العربية -المتحفظة منها والمقلدة- لا تقرأ، أو لا يشغلها صقل نفسها بالمعرفة والثقافة. هذا خطأ كبير بلا شك؛ فالمرأة هي وعاء فولاذي، ضمير خُلق كصمام أمان للتخليق والإبداع وإعمال العقل.

هناك جانب في حياة الإنسان أن تكون لديه الرغبة في تغيير العالم، كيف ستكون تجربتك الشخصية كشاعرة في ما لو قُدتِ ثورةً ثقافيةً من نوعٍ ما؟

نتاج مرحلة نهضة الكويت كان من خلال المرأة الكويتية، لذا أعوّل على الأسرة، وإذا أردت أن أُحدث تغييرًا هيكليًا مهمًا في المشهد الثقافي العام، أو كما قلت «ثورة ثقافية» فسأبدأ من الأم، ومن بعدها تأتي كل المهام الأخرى، فمثلًا التعليم والذي تلزمه ضرورة صناعة جيل يحمل على عاتقه نشاط هذه الثورة الجديدة، بما يملكه من أدوات ووسائل، فأنت ترى التطور التكنولوجي فائق القفزات، ومنه ترى الذكاء الاصطناعي، بما أفاد في تطور الكثير من الوظائف والمهام الإدارية، وتعزيز ممارسات الكفاءة والفاعلية الإنتاجية، وتذليل العقبات أمام النهوض بالتجربة التعليمية في مجتمعاتنا العربية. لذا أوصي بإنشاء المعاهد التخصصية في المهارات الحرفية، لمواجهة العالم الجديد الذي أنا في خوفٍ عظيم منه.

التعاطي المهم للكاتب في مشروعه الإبداعي، يتمثل في مساحة الحرية، مساحة الرؤية التي تغلب على وجوده الإنساني؛ فإلى أي مدى تجدين تلك المساحة؟ وأين؟

في المفهوم العام عن الحرية، فهي قد لا تكون مطلقة، لأنها نسبية بالتأكيد.. أحيانا الحرية نوع من الحياة، نوع من الانعتاق، نوع من القيود؛ فحريتي ليست كحريتك أنت، ليست كحرية الآخر، والكاتب المبدع يحمل الكثير من المسئولية، الكثير من المحاذير التي يجب أن نقف عندها. بما لا ينفي وجود مسافة أمان لتلك الحرية، أستطيع أن أناقش فيها موضوعات مجتمعية وإنسانية وثقافية شائكة، ومع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي تتسع تلك الرقعة. وفي كثير من نصوصي هناك مساحة من الحرية، فأنا تناولت الكثير من القضايا، تناولت التمرد، تناولت الحب، البوح بالأسرار عن كل ما يعتمل داخل المرأة وداخل الرجل نفسه.

- «هذا عالمنا»، «بقايا الحداثة»، تلك المعركة الحقيقية التي نحاول الانتصار فيها بكل السبل المتاحة هي معركة الوعي. فماذا يملكه المبدع ليقدمه في تلك المعركة؟

أؤمن بأن الوعي يأتي من الفراسة، بدليل أن أجدادنا لم يكن لديهم وسائل تعليم حديثة أو لديهم حظ وافر من المعرفة والاطلاع ، لكن يملكون وعيًا، فكانوا يحثوننا على القراءة والتعلم، ويدربوننا على اتباع سلوكيات قويمة، وهم عاشوا في غير مجتمعات حديثة برفاهيتها وتقنيات عصرية، في المقابل لا يمكن القول أن الحداثة أعطتنا مفهوما مغايرًا عن الوعي، أو أحدثت نقلة نوعية في المصطلح ذاته.. فبعضهم يحمل كتبًا في رأسه ومتخرجًا من الجامعة لكن تجده مُنحطًا في سلوكه في تعاطيه مع الآخرين حتى المختلفين معه في الرأي.

والمعضلة هنا، هل الثقافة تولِّد الوعي, أم الوعي يكرّس الثقافة؟

ويهمني القول هنا، أننا في حاجة ماسّة إلى مؤسسة ثقافية ما، أعني مؤسسة قائمة بذاتها تؤكد على صناعة رؤى مفاهيمية تعمل على التجديد الصحيح والباعث على روح النهضة في المجالات كافة.

كما أشير كذلك، إلى مساعي الكويت في دعم الحراك الثقافي والأدبي في العالم، متمثلةً في إصداراتها المختلفة مثل: مجلة العربي، مجلة البيان التي تم تطويرها من خلال منهجية تحريرية جديدة قام بها رئيس رابطة الأدباء الكويتيين، وأيضًا من خلال دور المجلس الوطني للثقافة و الفنون والآداب خرجت سلسلة «عالم المعرفة».. وهذا كله له صدى واسع وممتد وعميق.

بالرجوع للحديث عن الشعر. في نصوص ديوانك «شغف أزرق»، الصادر عن دار الفراشة للنشر والتوزيع بطبعته الأنيقة الفاخرة، نجد فيه محاولة للإمساك بتجربة الشاعرة الخاصة، تجربة لا تكف عن صناعة التوازي الظاهر والمضمر لذاتك.. حدثينا عن ذلك.

كل منا يحمل تجاربه الشخصية، يود أن يضعها في لوحة، في قصيدة، أو في مقطوعة موسيقية. التجربة الشخصية قد لا تكون واقعية، من نسج الخيال، قد تكون إسقاطًا لتجربة شخصية واقعية، فهي نوع من التشريح لواقع المشكلة، لواقع معاناة الشاعر نفسه، فكل ما أكتبه بالفعل تشريح، محاولة إظهار نوعية الحزن الذي يعتريني، أود أن أضع نقاط القوة والضعف في قصائدي، فهي لدي ما تكون السلاح والعلاج لكل ما يعتريني من أحداث أو مواقف لا أستسيغها؛ فالشاعر يضع نفسه في مربع الكمال، ويحاول أن يكون القدوة أو المثال الحي الجميل في هذا العالم، وقد يصطدم مع كثير من المعوقات. وأيضًا قد تكون المعول/ الخنجر، ويعتمد ذلك على حالة الشعرية، مثلًا تكون موضع المحارب في يوم وآخر موضع الضحية، وموضع الجلاد والقاضي، فكل هذه المشاعر تكمن في قصائدي.

حدثينا عن دور الفن، بشكل عام، والموسيقى في حياتك.

كان لي حظّ بأنني تربيت في طفولتي على حب الثقافة والآداب والفنون، كما أشرتُ، فكلها مقومّات أساسية تسمو بفكر الشاعر وترتقي بمستوى وعيه وتساعد في بناء ذائقته.. كما أن للموسيقى دورا في تعزيز وتنمية ملكة الإبداع أيضًا.. ولا أخفيك سرًّا بأنني عاشقة لآلة القانون، كما أتقن العزف على العود؛ فعالمي أوتارٌ ومقاماتٌ موسيقية مدوزنة على إيقاعات نصوصي الشعرية؛ هذه الجملة الرياضية، قد تكون بسيطة لكن في مدلولاتها العديد من الفلسفة الحياتية التي أعيش بها.

«أحمر الدم يخضع لي..

يحنو ليقبل قدمي الصارختين

في أعالي الجبال يصرخ

كذئبٍ جائع»

جاء ديوان الأول «عويلٌ لصمتٍ لا يسمع» الصادر في 2009، منطلقًا من رؤى تعبيرية في صياغة شعرية مُعزَّزة بالفلسفة، وتعدد السياقات.. فيه عزفتِ بروح الإنسانية الضاربة في طريق الآلام والعذابات. فماذا يمكن أن يصنعه الشعر للعالم؟

«ماذا يمكن أن يصنعه الشعر للعالم؟» هذا يأخذنا لسؤال أدق، في اعتقادي، وهو: لماذا، بالأساس، نكتب الشعر؟ لأن الشعر تصالح غير مشروط مع الحياة.. مع صناعة آفاق أرحب للخير والجمال والسلام، السلام مع النفس، مع الآخرين، مع المحسوسات، مع الماديات الفارقة الخصوبة، وأنا بطبيعتي، في غالب نصوصي، أبحث عن نقطة الانطلاق إلى هذا العالم.. وما أكتبه ليس عما أعانيه وحدي.. لذا أعيش كذلك عذابات وآلام وتعاسات الذين أراهم في الشارع في حقول العمل الشاق هنا وهناك، في المناجم، في مشروعات البناء العملاقة، وخلال سفرياتي ورحلاتي أنقل تلك الصور عبر نوافذ شعرية ملهمة للقراء حتى يتعرفون إلى ما رأيته وشعرت به.

وفي ختام القراءة الحوارية لسيرة الشيخة والشاعرة أفراح الصباح، ماذا ينتظره القارئ منك خلال الفترة القادمة؟

هناك في الطريق ديوان جديد قيد الإصدار، يحمل الكثير من خلاصة الدواوين الثلاثة السابقة وعصارة تجربتي الشخصية في صورة أعمق وأجدد. بالإضافة إلى أن هناك الكثير من المشروعات الأدبية تهم المشهد الثقافي بشكل عام..