No Image
ثقافة

أعياد المصريين قديما في كتابات الرحالة والمستشرقين

08 أبريل 2024
08 أبريل 2024

القاهرة «د.ب.أ»: كانت مظاهر احتفالات المصريين بالأعياد خلال القرون الماضية، موضوعًا شيّقًا جذب الكثير من الرحّالة والمؤرخين والمستشرقين وحتى الفنانين الأجانب ممن وفدوا لمصر وعاشوا فيها وجالوا بين ربوعها ورسموا معالمها وصوروا جوانب من الحياة اليومية بها، وكذلك الباحثين والمحققين والكُتّاب الذين سجّلوا لنا ما كتبه هؤلاء الرحّالة والمستشرقين في مؤلفاتهم وما سجّلوه في يومياتهم، وما رسمه المصورون الأجانب من مظاهر تلك الاحتفالات التي احتلت مساحة كبيرة في المصادر العربية والأجنبية.

وفي كتاب «مصر في كتابات الرحالة والقناصل الفرنسيين في القرن الثامن عشر» -الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب ضمّن سلسلة تاريخ المصريين، نقلت لنا الدكتورة إلهام محمد علي ذهني، بعضًا مما سجّله قناصل فرنسا، والرحّالة الذين وفدوا لمصر من فرنسا، عن مظاهر احتفالات المصريين بالأعياد، مثل تأكيدهم على حُب المصريين للفرح وإقبالهم على فنون الغناء والرقص، وأن غرام المصريين بتلك الفنون يتركز في المدن أكثر منه في الريف.

وتدلنا كتابات الرحّالة والقناصل الفرنسيين على أن عيدي الفطر والأضحى من الاحتفالات الدينية المهمة في مصر، وأن المصريين يحرصون في أعيادهم على تقديم الطعام، والجلوس على الأرض وهم يتناولون طعامهم المطبوخ بالسمن أو الزيت، وأنهم مغرمون بالفواكه ويأكلون بعد انتهاء الطعام الشمام والبطيخ، وأن من عاداتهم الجميلة أيضًا أنه عندما ينظر إليهم أحد عند الأكل لابد وأن يعطوه من طعامهم.

وتُحدثنا المصادر التاريخية، عن الكثير من الرحّالة الأوروبيين الذين سجّلوا في كتاباتهم ورسومهم مظاهر الاحتفال بالأعياد في مصر خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وقد أطربهم جو الحياة في القاهرة، واجتذبهم عبق الشرق وسحر الحيـاة الشرقية، وصخب الاحتفالات الشعبية للمصريين.

وينقل لنا رمضان حسن، في كتابه «رمضان» والصادر عن دار القلم بالقاهرة، عن محمد بن السعودي الخياط، وكان يسكن درب الأتراك بجوار الأزهر، قوله: إنه في سنة بضع وستين وسبعمائة جاءه في عيد الفطر من الجيران أطباق كعك على عادة أهل مصر ملأ بها زيرًا كبيرًا، وأن هذا النوع حاز اهتمام التجار؛ لأنه كان رائجًا في القرنين الرابع عشر والخامس عشر الميلاديين، وأن رؤية الكعك بأنواعه كانت تروق للناس في عيد الفطر لكثرة ما يعرض منه في الحوانيت.

وتروي لنا صفحات الكِتَاب ما سجّله الرحّالة والمؤرخون عن الكعك، وكيف صنع له المصريون القوالب المنقوشة والمكتوبة ومنها مجموعة عُرضت في متحف الفن الإسلامي بالقاهرة مكتوب على بعضها: «كل هنيا»، و«كل واشكر»، و «كل واشكر مولاك»، و «بالشكر تدوم النعم».

ونتعرف من المصادر التاريخية، كيف أن الاهتمام بالعيد لم يقف عن عمل الكعك وأصناف أخرى من الحلوى، بل شمل السمك المملح.

ويقول سبط بن الجوزي، الذي عاش في القرن الثالث عشر الميلادي: إنه أكل السمك المملح في يوم عيد الفطر.

كما نقرأ في كتب الرحّالة والمؤرخين، أنه منذ القرن التاسع عشر الميلادي والمدافع تطلق في الأوقات الخمسة أيام العيد احتفاءً وابتهاجا به، وقيام الشعراء والأدباء بتقديم التهاني بالعيد ما بين نظم ونثر.

ويُذكر عن الفاطميين أنهم توسعوا في العناية بكعك العيد حتى جعلوا له إدارة حكومية خاصة عُرفت بـ «دار الفطرة» وكان دور العاملين بها هو تجهيز كعك وحلوى العيد.

وعلى ذكر الكعك وإعداده وتوزيعه، تذكر كتب الرحالة والمؤرخين من عرب ومستشرقين، أن الدولة الإخشيدية سبقت الدولة الفاطمية في العناية بكعك العيد، وأن أبا بكر محمد بن علي المادرائي وزير الدولة الإخشيدية أعدّ كعك حشاه بالدنانير الذهبية.

وصار البعض يوزعون كعك العيد كصنف من أنصاف الصدقة على الفقراء، حتى أن بعض الأوقاف عملت على توزيعه في عيد الفطر على اليتامى والفقراء حتى لا يحرموا منه، مثل وقف الأميرة تتر الحجازية، حيث كان ينص الوقف على توزيع الكعك الناعم والخشن على موظفي مدرستها التي أنشأتها سنة ١٣٤٨ ميلادية، وقد أصبح سكان مصر يتهادونه من وقتها إلى الآن ويتفاخرون بإجادة صنعه.

ويدلنا كتاب «رمضان زمان» للدكتور أحمد الصاوي، والصادر عن مركز الحضارة العربية بالقاهرة، أن من أبرز مظاهر الاحتفال بيوم عيد الفطر لدى المصريين على مر الزمان، هو ذلك الاهتمام الكبير بأداء صلاة العيد التي يتقدمها الحُكّام والسلاطين وعمال النواحي وأرباب الوظائف كالقضاة والعلماء في الدول، وتُسجّل المصادر أن الدولة الفاطمية في طليعة الدول الإسلامية التي اهتمت بالاحتفال بيوم الفطر، كما يُروى أن الاحتفال بعيدي الفطر والأضحى كانت تتضمن إقامة المواكب المحاطة بأنواع من المرح.

وأما صلاة العيد فكانت تشهد خروج الحُكام والسلاطين في مواكب حاشدة تتقدمها الخيالة، وتسير من بوابات قصور الحُكّام والسلاطين حتى تصل إلى المساجد الكُبرى في حضور رجالات الدولة وكبار التجار والصناع وأعداد من مختلف الطوائف.

وسّجل لنا هذا الكتاب، ما رواه الرحّالة والمؤرخون من العرب والمستشرقين، عن كسوة العيد التي كانت مظهرًا مُهما من مظاهر الاحتفال بالأعياد لدى المصريين قبل قرون مضت، ونقلوا لنا كيف أن كسوة العيد كانت من أهم مظاهر الاحتفال بعيد الفطر، وهي عادة يرجع تاريخها بحسب المصادر إلى دولة الخلافة الإسلامية في عصور بني أمية والعباس والتي كانت قوانينها تقضى بتوزيع الخلع (الملابس) على أرباب الوظائف في الدولة خلال شهر رمضان، وفي بعض العصور كان يُوصف عيد الفطر بعيد «الحلل» أي الملابس الجديدة.

وقد أقيمت لكسوة العيد دار تسمى «دار الكسوة»، و«دار الطراز»، وقد ذاعت شهرة دور الطراز المصرية بما أنتجته من المنسوجات الكتانية والحريرية والتي كانت تُصدر في العصور الوسطى إلى العديد من الدول الإسلامية بل والأوروبية.

كما تناول الرحّالة والمؤرخون من العرب والمستشرقين، قصة «العيدية» التي تُعرف بنفس الاسم حتى اليوم في مصر وغيرها من البلدان. وتقول المصادر التاريخية: إن العيدية لفظ اصطلاحي أطلقه الناس على ما كانت توزعـه الدولة من نقود في موسمي عيد الفطر وعيد الأضحى للتوسعة على أرباب الوظائف.

وأما النقود التي كانت تصرف بها العيدية، فهي مـحـصـورة في ثلاثة أنواع هي: الدنانير الذهبية والدراهم الفضية وقطع النقود النحاسية وأجزاؤها من الأنصاف والأرباع.

وهكذا تعددت أحاديث الرحّالة والمؤرخين من العرب والمستشرقين عن احتفالات المصريين بالأعياد قديمًا، وجرى تخصيص فصول خاصة حول هذا الموضوع في الكثير من المصادر التاريخية العربية والأجنبية.