5656
5656
تقارير

وضع نيكسون تعريف الفساد .. ثم جاء ترامب

11 يونيو 2022
11 يونيو 2022

ترجمة أحمد شافعي -

في خطاب وداعه الشهير سنة 1796، حذَّر الرئيس جورج واشنطن من هشاشة الديمقراطية الأمريكية. وقال منذرًا: إن «الماكرين والطموحين وعديمي المبادئ سوف يتمكنون من إفساد سلطة الشعب واغتصاب مقاليد الحكم لأنفسهم».

فكان من خلفائه اثنان ـ هما ريتشارد نيكسون ودونالد ترامب ـ أثبتا عبقرية رئيسنا الأول وبصيرته المريعة.

لقد درسنا نيكسون بوصفنا صحفيين وكتبنا عنه لقرابة نصف قرن تصورنا خلاله بقناعة كبيرة أن أمريكا لن تُمنى مرة أخرى برئيس يدهس المصلحة الوطنية ويقوِّض أركان الديمقراطية في معرض سعيه المحموم إلى مصلحته السياسية والشخصية.

ثم جاء ترامب

لقد كان جوهر إجرام ريتشارد نيكسون يتمثل في إفساده الناجح للعملية الانتخابية، وهي العامل الأكثر جوهرية في الديمقراطية الأمريكية. وقد أنجز ذلك من خلال حملة ضخمة قوامها التجسس السياسي، والتخريب والتضليل اللذان مكنَّاه حرفيا من أن يختار بنفسه من يكون خصما له في انتخابات عام 1972 الرئاسية.

بميزانية سرية بلغة مائتين وخمسين ألف دولار، قام فريق من عملاء نيكسون السريين بإخراج مسار حملة إدموند موسكي (السناتور عن ولاية مين) عن مسارها، وكان موسكي هو المرشح الديمقراطي الأرجح ترشحا لمنصب الرئيس.

ثم خاض نيكسون الانتخابات ضد جورج مكجفرن (السناتور الديمقراطي عن ولاية داكوتا الجنوبية) الذي كان يعتبر على نطاق واسع مرشحا أضعف كثيرا من موسكي، ففاز باكتساح تاريخي بلغ 61% من الأصوات حاصلا على تسع وأربعين ولاية.

على مدار السنتين التاليتين، بدأ سلوك نيكسون الخارج على القانون يتكشف تدريجيا من خلال وسائل الإعلام، ولجنة ووترجيت في مجلس الشيوخ، والمحققين الخاصين، وتحقيق العزل الذي أجراه مجلس النواب، وأخيرا تحقيق المحكمة العليا. وقد أمرت المحكمة في قرار صدر بإجماع الأصوات بأن يقوم نيكسون بتسليم تسجيلاته السرية مما أدى إلى إنهاء رئاسته.

أوقفت وسائل الديمقراطية الأمريكية تلك نيكسون وهو لا يدري من أمره شيئا، وأرغمته على تقديم الاستقالة الرئاسية الوحيدة في تاريخ أمريكا.

أما دونالد ترامب فلم يسع فقط إلى تدمير النظام الانتخابي من خلال مزاعم كاذبة بتزوير الأصوات وتخويف علني غير مسبوق لمسؤولي الدولة الانتخابيين، بل إنه سعى بعد ذلك إلى منع الانتقال السلمي للسلطة إلى خلفه المنتخب انتخابا نزيها، وذلك للمرة الأولى في التاريخ الأمريكي.

استغلَّ ترامب بغرائزه الشيطانية نقطة ضعف في القانون. فعلى نحو محدد وغير معتاد، ينص قانون الإحصاء الانتخابي لعام 1887 على أن يُعقد ـ في تمام الواحدة من ظهيرة السادس من يناير بعد الانتخاب الرئاسي ـ اجتماع لمجلسي الشيوخ والنواب في جلسة مشتركة. ويتولى رئيس مجلس الشيوخ ـ أي مايك بينس في هذه الحالة ـ رئاسة الجلسة. وتفتح الأصوات الانتخابية الخاصة بالولايات الخمسين ومقاطعة كولمبيا ويجري إحصاؤها.

تمثِّل هذه اللحظة الفريدة في الديمقراطية الأمريكية الإعلان والتصديق الرسمي الوحيد للفائز بالانتخابات الرئاسية.

في خداع فاق حتى خيال نيكسون، دبر ترامب وفريق من المحامين، والموالين، وموظفي البيت الأبيض، استراتيجية لإمطار البلد بتأكيدات زائفة بأن انتخابات 2020 قد زُوِّرت وبأن ترامب قد فاز بالفعل. وركزوا جهودهم كافة على جلسة السادس من يناير باعتبارها فرصة لقلب نتيجة الانتخابات. استباقا لذلك التاريخ الحاسم، قام محامو ترامب بتوزيع مذكرات وفبركة مزاعم بتزوير الأصوات التي أحصت الموتى ومن لا يزالون دون سن التصويت والسجناء والمقيمين خارج الولايات.

شاهدنا في فزع مطلق ترامب وهو يزعم في إصرار أنه الفائز الحقيقي. فقال في خطبة من الحديقة البيضاوية في السادس من يناير «لقد فزنا. فزنا باكتساح. ذلك كان اكتساحا». فضغط علنا وبإصرار على مايك بينس لكي يعلنه فائزا في السادس من يناير.

في ذلك اليوم، وبدافع من خطبة ترامب، وبإقرار واضح منه، حلَّ حشد من الغوغاء على مبنى الكابيتول، في أحد أعمال العنف الجماعي الصادمة، واقتحموا الأبواب والشبابيك، ونهبوا غرفة مجلس النواب التي كان ينبغي فرز الأصوات الانتخابية فيها. ثم مضى الغوغاء يبحثون عن بينس نفسه، لا لشيء إلا ليمنعوا التصديق على فوز جو بايدن. ولم يفعل ترامب شيئا ليمنعهم من ذلك.

وهذه ـ بموجب التعريف القانوني ـ فتنة واضحة: فالفتنة قانونا هي الفعل أو القول أو التنظيم الذي يحرض الناس على أن يثوروا على سلطة الدولة الحاكمة. وبذلك كان ترامب أول رئيس في تاريخنا يحرض على الفتنة.

قبل خمسين سنة من ذلك، عقد نيكسون العزم على تقويض وإفساد نظام الانتخابات الحرة في أمريكا، وهو حجر الزاوية الذي يقوم عليه تماسك ديمقراطيتنا كلها.

في عام 1971، تم تعيين هوارد هانت (عميل المخابرات المركزية الأمريكية السابق) وجي جوردن ليدي (عميل مكتب التحقيقات الفيدرالي السابق) للعمل لحساب البيت الأبيض في «وحدة تحقيقات خاصة» عرفت هناك بوحدة «السبَّاكين». وكانت مهمَّتهما المبدئية هي منع خروج التسريبات من مسؤولي إدارة نيكسون إلى وسائل الإعلام.

كانت من أسوأ أعمال سباكي نيكسون سمعة عملية سطو على الطبيب النفسي الخاص بدانيال إلسبرج الذي قام بتسريب أوراق البنتاجون لنيويورك تايمز وواشنطن بوست. أدار هانت وليدي عملية السطو. وكان الأمل ـ الذي لم يتحقق ـ هو العثور على ما يدين إلسبرج أو يظهر أن له علاقات بالشيوعية.

مع بداية الحملة، تم نقل هانت وليدي إلى لجنة إعادة انتخاب نيكسون لإدارة عمليات التجسس والتخريب.

ولقد كان يشار إلى موسكي في المذكرات المكتشفة خلال تحقيقات ووتر جيت بوصفه «الهدف أَلِف» وكان الهدف المحدد في ما يتعلق بالهدف ألف هو «إلحاق جروح سياسية لا تقلل وحسب من فرصه في الترشح، بل تضير ترشيحه في حال ترشحه».

وفي واحدة من أقوى جهود التجسس وأكثرها فعالية، تم زرع إلمر ويات (الموظف في حملة نيكسون) في حملة موسكي، فأصبح السائق الخاص بالسناتور. كان ويات يتلقى ألف دولار شهريا لتوصيل نسخ من الوثائق الحساسة التي ينقلها بين مكتب موسكي في مجلس الشيوخ ومقر حملته الرئاسية. وكان المحصول مذهل الوفرة. فقد بلغ حجم المراسلات كما هائلا جعل وايت ـ ويحمل اسما شفريا هو «روبي 1» ـ يستأجر شقة في ما بين المكتبين مزودا بآلة تصوير للمستندات.

أخذت نسخ من وثائق موسكي تنقل إلى مقر حملة إعادة انتخاب نيكسون، فاستغل مدير الحملة جون ميتشل ـ وهو النائب العام السابق ـ ميزة الاطلاع شبه الكامل على الوثائق المقدمة إلى حملة موسكي: «مسارات الرحلات، والمذكرات الداخلية، ومسودات الخطب، وتقديرات المواقف» بحسب ما جاء في التقرير النهائي للجنة ووترجيت في مجلس الشيوخ سنة 1974. كما تلقت حملة نيكسون أيضا أوراقا خاصة بالحملة، ومناظرات استراتيجية، وجمع تبرعات، ووثائق شخصية، وعمليات إعلامية، ونزاعات داخلية.

في الوقت نفسه، فإن جوردن ستراتشان ـ كبير المساعدين السياسيين لرئيس موظفي البيت الأبيض إتش آر «بوب» هولدمان ودوايت تشابين سكرتير نيكسون لجدول المواعيد والذي كان بمثابة ابن للرئيس، قاما بتعيين دونالد سيجريتي زميل دراستهما الجامعية القديم والمحامي السابق بالجيش لتنفيذ عمليات التخريب.

بدوره قام سيجريتي بتعيين اثنين وعشرين فردا لإحداث هذه «الجروح السياسية» وحصل على سبعة وسبعين ألف دولار نقدا وبشيكات. وقد قام هربرت كالمباخ ـ محامي نيكسون الشخصي ـ بسداد هذه المدفوعات سرا من بقايا تمويلات الحملة.

في مارس 1972 روج أحد موظفي سيجريتي رسالة زائفة مكتوبة على أوراق موسكي وفيها مزاعم بمخالفات جنسية خاصة بالمرشحين الديمقراطيين المنافسين هنري «سكوب» ,جاكسن وهربرت همفري. تكلف تزوير علامة الورقة العلوية عشرين دولارا فقط، لكن تشابين قال لسيجريتي: إن هذه الدولارات العشرين استثمار هائل يدر ما بين عشرة آلاف وعشرين ألف دولار على حملة إعادة انتخاب الرئيس بحسب تقرير لجنة ووترجيت في مجلس الشيوخ.

على مدار شهور السباق التمهيدي الديمقراطي [لاختيار مرشح الحزب للرئاسة] طورد موسكي بالمضايقات والمآزق المدبرة ولافتات «موسكي أي الخاسر». فقد كان سيجريتي وأعوانه يسرقون الأحذية المتروكة أمام غرف المرشح وفريقه لتلميعها قبيل الفعاليات الانتخابية. ومفاتيح سيارات الموكب كانت تنتشل بشكل عجيب بينما السائقون يدخنون بعيدا. ثم كانت الأحذية والمفاتيح ترمى بعد ذلك في صناديق قمامة خارج المدينة، فيستحيل على الحملة الالتزام بالمواعيد المجدولة أو العمل بسلاسة. وأفاد أعوان سيجريتي قائلين: «لقد أثرنا غضبهم بشدة وأزعجناهم إزعاجا كبيرا».

فزع موسكي وفريقه. وأمام جمع كبير في نيوهمشر وقف المرشح أعلى شاحنة وأعرب عن مدى استيائه من الافتراءات المنشورة عن زوجته جين. ففي مقالة نمائمية كتبها المحافظ وليم لوبين الزعيم العمالي في مانشستر كان العنوان هو «جين الأب الكبير» وجاء فيها أن زوجة السناتور تسكر وتدخن ويحلو لها إلقاء النكات الفاحشة. ونشرت المقالة أيضا في نيوزويك. وفي الوقت نفسه تقريبا، ظهر أن موسكي يتغاضى عن استعمال كلمة «الكانوك» وهي اصطلاح مهين يعني «الكندي» في رسالة فبركها أحد مساعدي نيكسون في البيت الأبيض.

في ظل ما تعرض له من هجوم، بكى موسكي علانية في وقفة حملته الانتخابية بنيوهمشر. وكتب ديفيد برودر ـ كبير الصحفيين السياسيين في واشنطن بوست ـ في خبر بالصفحة الأولى أن موسكي انهار ثلاث مرات «جرت خلالها الدموع على وجهه».

قطرة بعد قطرة، أدى ذلك كله إلى انهيار ترشح موسكي الذي قال لاحقا: إن «حملتنا عانت باستمرار من التسريب والتشنيع، ولكننا لم نستطع أن نضع أيدينا على من يفعل ذلك».

كتب هولدمان رئيس موظفي نيكسون في كتابه الصادر سنة 1978 بعنوان «غايات السلطة ونهاياتها» أنه «كان ثمة الكثير من اللاعبين في دراما ووترجيت» مضيفا أن «من وراء أولئك اللاعبين يكمن ظل دائم الحضور لرئيس الولايات المتحدة».

كتب هولدمان يقول: «إن هذا النزوع إلى القسوة في الضرب... عَكَس إيمانا وعزما شديدا على القبول بأن الغاية تبرر الوسيلة». بعبارة أخرى، كان نيكسون يؤمن أن في بقائه السياسي «خيرا أكبر» يبرِّر إفساد إرادة الشعب.

كتب نيكسون في ملاحظة شخصية سنة 1969 يقول: «إن الرجل لا ينتهي بهزيمته. إنما ينتهي باعتزاله». وتلك مقولة تليق كلاسيكيا بنيكسون، وقد اعتنقها ترامب الذي مني بالهزيمة سنة 2020، لكنه استقوى بالأكاذيب وبخطة للاستمرار فأبى الاعتزال.

حتى قبل الانتخاب، حاول ترامب بلا كلل أن يناور ويزعم أن العملية الانتخابية معيبة ومناهضة له، واضعا الأساس لهجوم على شرعية نتيجتها، وهو أمر لم يزل مستمرا فيه حتى يومنا هذا.

ففي الثاني والعشرين من يونيو 2020 على سبيل المثال، أي قبل قرابة خمسة أشهر من يوم الانتخاب، كتب تغريدة قال فيها: إن «ملايين من الأصوات الانتخابية البريدية سوف تطبعها بلاد أجنبية، وآخرون. وسوف تكون فضيحة العصر».

في الثانية والنصف من صباح الرابع من نوفمبر، وفيما كان فرز الأصوات الرئاسية يرسخ طريق بايدن إلى الفوز في المجمع الانتخابي، قال ترامب للأمّة والعالم: إن «هذا تزوير للشعب الأمريكي. وهذا إحراج لبلدنا. لقد كنا نستعد للفوز بهذه الانتخابات. بل الصراحة أننا فزنا بهذه الانتخابات».

بعد ثلاثة أيام نشرت وكالة أنباء أسوشييتد بريس وبقية وسائل الإعلام خبر فوز بايدن. غير أن ترامب قال: «كلنا نعلم لماذا يسارع بايدن بالظهور زورا كفائز، ولماذا تحاول وسائل الإعلام المتحالفة معه بمنتهى القوة أن تساعده؟ لأنهم لا يريدون كشف الحقيقة. والحقيقة البسيطة هي أن هذه الانتخابات أبعد ما تكون عن الانتهاء...».

«سوف تبدأ حملتنا في اللجوء إلى القضاء...»

«لن أعرف الراحة قبل أن يحظى الشعب الأمريكي بأكثر ما يستحقه وما تستوجبه الديمقراطية من فرز أمين للأصوات».

خلافا لنيكسون، أنجز ترامب تخريبه إلى حد كبير في العلن. فاستمر في هجومه على شرعية العملية الانتخابية سنة 2020 من منصات حملته، ومن البيت الأبيض، وعبر حسابه في تويتر. ومع ذلك خسر طعنا قضائيا، حتى من قضاة قام هو بتعيينهم.

بعد يوم الانتخاب، بدأ ترامب هجوما آخر أكثر دموية على العملية الانتخابية.

فكتب على تويتر في الثلاثين من ديسمبر 2020 وهو في مارلاجو حيث كان يقضي الإجازة «في السادس من يناير، أراكم في العاصمة».

التقط ستيف بانون الخيط في مكالمة هاتفية مع ترامب في اليوم نفسه. وستيف بانون كبير المخططين الاستراتيجيين العتيد، وقد تناوب مناصرة ترامب ومعارضته.

قال له بانون بحسب تقرير وارد في كتاب «الخطر» ـ من تأليف وودورد وروبرت كوستاـ: «عليك أن ترجع اليوم إلى واشنطن، وتجعلها عودة دراماتيكية».

وقال بانون عن نائب الرئيس الذي كان يقضي إجازته في فيل بكولورادو: «عليك أن تستدعي بينس من منحدرات التزلج اللعينة وترجعه إلى هنا اليوم. نحن في أزمة».

وقال بانون: «سوف ندفن بايدن في السادس من يناير».

وقال بانون: إنه لو استطاع الجمهوريون أن يعتِّموا بالقدر الكافي على انتصار بايدن في السادس من يناير فسوف يصعب عليه أن يحكم. إذ سيعدُّه ملايين الأمريكيين مفتقرا للشرعية.

قال بانون: «سوف نئدها في مهدها. سوف نئد رئاسة بايدن في مهدها».

تضمن هجوم ترامب على شرعية بايدن تيارا من التصريحات العامة، والمخادعات القانونية، وتركيزا مستمرا على تدمير عملية التصديق على الفوز في السادس من يناير في الكونجرس.

في مذكرة «متميزة سرية» مؤلفة من صفحتين ومؤرخة في الثاني من يناير حدد المحامي جون إيستمان ـ المنتمي إلى تيار غلاة المحافظين ـ في ست نقاط كيف يتم إعلان ترامب فائزا. فكان ذلك مخطط انقلاب. قالت المذكرة: «إن سبع ولايات قدمت نتائج انتخابية مزدوجة».

ولو أن ولاية واحدة تقدمت بنتائج انتخابية مزدوجة فقد يتسبب هذا في خراب عملية التصديق في الكونجرس.

كانت صدمة لمايك لي (السناتور الجمهوري عن ولاية أوتاه، وأحد أشد أنصار ترامب) حينما قرأ المذكرة التي بعثها إليه البيت الأبيض. فقد كان من شأن وجود نتائج انتخابية بديلة أن يكون خبرا كبيرا على المستوى الوطني إذا ما صدق ذلك. ولم يكن قد سمع بشيء من ذلك. بدأ مايك لي تقصيه الشخصي، وقضى شهرين يتحدث إلى ترامب ومسؤولي البيت الأبيض ويتصل بممثلين في المجالس التشريعية الجمهورية. فلم يعثر على أي قوائم مزدوجة. اندهش مايك لي لصدور المذكرة الخادعة عن إيستمان، وهو أستاذ جامعي للقانون وموظف سابق لدى قاضي المحكمة العليا كلاريس توماس.

مضى مايك لي في النهاية إلى طابق الشيوخ، وقال وفي يده نسخة من الدستور إنه أنفق قدرا هائلا من الوقت يدرس المسألة فلم يجد «ولو نموذجا واحدا» لوجود نتائج انتخابية بديلة.

كان رودي جولياني (عمدة نيويورك السابق ومحامي ترامب وموضع ثقته) قد زعم أيضا وجود تلاعب في الانتخابات وتزوير في الأصوات. وكتب جولياني مزاعمه في مذكرات طويلة بعثها إلى السناتور ليندسي جراهام المقرب من ترامب. وحينما حقق جراهام في المزاعم لم يعثر على شيء. فقال في طابق الشيوخ مقولته الدراماتيكية «لا تحصوني معهم».

في مساء الخامس من يناير، وهو اليوم السابق على عملية التصديق الرسمي، التقى ترامب وبينس. حيث قام ترامب بتحريض بينس بوصفه المشرف على جلسة التصديق على استبعاد ناخبي بايدن.

قال بينس: إن ذلك ليس في نطاق سلطته.

سأله ترامب: «وماذا لو طلب منك أولئك الناس أن تفعل؟» مشيرا إلى حشد من أنصاره بالخارج كان يمكن الاستماع إلى هتافاتهم ورؤية لافتاتهم من شبابيك المكتب البيضاوي.

قال بينس: «هذه سلطة لا أريد أن يحظى بها أحد».

قال رئيس الولايات المتحدة: «لكن ألن يكون نيل هذه السلطة أمرا لطيفا؟»

قال بينس: «لا، أنا موجود فقط لأفتح المظاريف».

«أنت لا تفهم يا مايك، بوسعك أن تفعل هذا. وإذا لم تفعل هذا فأنا لا أريد أن أبقى صديقا لك» واحتد صوت ترامب، وازداد تهديدا، «لقد خنتنا. أنا الذي صنعتك. كنت لا شيء. وعملك منته إذا فعلت هذا».

بعد أن رحل بينس في ذلك المساء، دعا ترامب مجموعة من معاونيه الصحفيين إلى المكتب البيضاوي. كان قد فتح بابا قريبا من طاولة ريسوليوت، وكانت درجة الحرارة بالخارج إحدى وثلاثين درجة فهرنهايت تقريبا، وتسرب الهواء البارد إلى الغرفة، لكن ترامب كان لاهيا عن معاونيه المرتعشين من البرد وبدا بدلا من ذلك كمن يستمتع بهتافات أنصاره بالخارج.

قال: «أليس هذا بالأمر العظيم؟ غدا سيكون يوما مشهودا. الجو في غاية البرودة وهم واقفون بالآلاف. ثمة كثير من الغضب بالخارج في هذه اللحظة».

هدد ترامب بتشجيع الطعون الأولية ضد من يناصرون التصديق على رئاسة بايدن في الكونجرس.

في الواحدة من صباح السادس من يناير غرَّد ترامب «لو وقف نائب الرئيس مايك بينس في صفنا، فسوف نفوز بالرئاسة. مايك قادر أن يعيدها».

امتلأت المنشورات في تويتر ومواقع التواصل الاجتماعي بتهديدات بالعنف. سأقتل هذا الشخص. أطلقوا الرصاص على هذا الشخص. اشنقوا هذا الرجل.

في مكالمة مع بينس في العاشرة صباحا، حاول ترامب مرة أخرى. «مايك، يمكنك أن تفعل هذا. أنا أعتمد عليك أن تفعله. إذا لم تفعل، سأكون قد اخترت الشخص الخاطئ قبل أربع سنوات».

في مسيرة «أوقفوا السرقة» التي نظمت لترامب في ذلك الصباح، تجمع عدة آلاف من الناس في البرد عند الحديقة الرئاسية المعروفة بالبيضاوية. وقال جولياني وسط تهليل الحشد واستحسانه «هيا نقاتل إلى المحكمة».

وتبعه ترامب فصاح في الحشد من أعلى المسرح: «لن نستسلم أبدا. لن نتنازل أبدا .. لن تسترجعوا بلدنا بالضعف».

قال ترامب: «أعرف أن كل شخص هنا سينطلق سريعا إلى مبنى الكابيتول لكي يجهر بصوته سلميا ووطنيا»

حل حشد ثابت العزم مؤلف من أكثر من ألف شخص على الكابيتول. وبعد الثانية ظهرا أصبح الحشد عنيفا. فبدأ الزجاج يتحطم، وأخذت الأبواب تُقتحم. وإذا به عدوان غير مسبوق وعصيان كامل. كانوا يهتفون «اشنقوا مايك بينس» وهم يتجولون في قاعات الكونجرس. وبعضهم كان يرتدي أزياء مبهرجة. وبالخارج أقيمت مشنقة مرتجلة لشنق مايك بينس.

وفي البيت الأبيض تابع ترامب الشغب على شاشة التليفزيون.

وبعد سنة، كانت لجنة الاختيار بمجلس النواب الخاصة بهجوم السادس من يناير قد قطعت شوطا بعيدا في تحقيقها: كانت قد أصدرت ستة وثمانين استدعاء، وأجرت حوارات مع أكثر من 500 شاهد وحصلت على ستين ألف صفحة من السجلات. وحتى كتابة هذه السطور، كانت لدى اللجنة وفرة من الأدلة على أن العصيان كان بتدبير من ترامب، وتعهد أعضاء اللجنة بالمضي قدما.

ترجمة خاصة لـ عمان عن «واشنطن بوست»