64656
64656
تقارير

وضع نيكسون تعريف الفساد .. ثم جاء ترامب «2»

12 يونيو 2022
12 يونيو 2022

ترجمة أحمد شافعي -

اختلق كل من نيكسون وترامب عالما تآمريا يجري فيه التلاعب بالدستور الأمريكي والقوانين والتقاليد الديمقراطية الهشة أو يجري تجاهلها، ويُعدُّ فيه الخصوم السياسيون ووسائل الإعلام بمثابة «الأعداء»، وليس فيه إلا قيود قليلة أو معدومة على سلطات الرؤساء.

كان كل من نيكسون وترامب دخيلين، مستسلمين للبارانويا، لا حدود لما لديهما من طموح، يشعران بالغبن مما حدث لكلٍّ منهما في ماضيه. ترامب من أحياء مدينة نيويورك الخارجية وليس من منهاتن. ونيكسون من يوربا ليندا بكاليفورنيا وليس من سان فرانسيسكو أو لوس أنجلوس. وحتى بعد وصولهما إلى أعلى سلطة في العالم بقيت في نفسي الرجلين مخاوف وبقي يعتريهما عدم إحساس بالأمان.

نخلص إلى هذا من تغطية نيكسون ووترجيت قبل نصف قرن. ومن العمل الصحفي على ترامب لأكثر من ست سنوات ـ في ثلاثة كتب لوودورد هي (خوف سنة 2018، وغضب في 2020، وخطر في 2021 بالاشتراك مع روبرت كوستا) وبرنشتاين بوصفه الصحفي في سي إن إن والكاتب والمحلل لترامب في سلوكه ومعنى سلوكه منذ 2016 وحتى العام الحالي. أفاد برنشتاين في نوفمبر 2020 أن 21 عضوا جمهوريا في مجلس الشيوخ يحتقرون ترامب ويزدرونه سرا، برغم جهرهم المعتاد بدعمه للرئاسة في العلن، بعد إذاعة الخبر في سي إن إن -حيث ذكرت أسماء الشيوخ- قال عضو جمهوري آخر في المجلس إن العدد أقرب إلى الأربعين.

بدأت ووترجيت بالنسبة لنا حينما دعينا للعمل مع فريق من صحفيي واشنطن بوست في اليوم التالي لاعتقال خمسة لصوص خلال اقتحامهم مقر اللجنة الوطنية الديمقراطية في بناية مكتب ووترجيت يوم 17 يونيو 1972.

برغم أننا استغرقنا شهورا في تأسيسها، فقد سارع نيكسون وموظفوه في البيت الأبيض وحملة إعادة انتخابه إلى بدء هجمة غير مسبوقة على نظام العدالة، مروجين قصة شاملة مليئة بالأكاذيب فضلًا عن رشاوى تشتري الصمت ووعود بعفو رئاسي للتعمية على جرائمهم.

في 23 يونيو 1972، وفي شريط مسجل، بعد ستة أيام من اعتقال اللصوص في ووترجيت، قال رئيس الموظفين هولدمان لنيكسون: «إن المباحث الفيدرالية ليست تحت السيطرة... وتحقيقهم حاليا يمضي إلى مناطق مثمرة، لأنهم استطاعوا تعقب النقود».

قال هولدمان: إن لديه هو وميتشل خطة تقوم على أن تزعم المخابرات المركزية الأمريكية بأن ثمة خطرا تتعرض له أسرار متعلقة بالأمن الوطني إذا لم توقف المباحث الفيدرالية تحقيقها في ووترجيت.

أقر نيكسون الخطة وأمر هولدمان بالاتصال بمدير المخابرات ونائبه، ووجَّههما الرئيس «العبا بعنف. فهم يلعبونها هكذا، وهكذا أيضا سوف نلعبها معهم».

كان هذا هو الشريط الذي أذيع في الخامس من أغسطس 1974، وأطلق عليه للأسف اسم «دليل الإدانة القاطع»، والحق أنه لم يكن أسوأ من بعض الأشرطة الأخرى التي تمت إذاعتها مسبقا. ففي ذلك الوقت كان الكونجرس والشعب قد ضاقا ذرعا بنيكسون وشعرا بالتقزز منه.

في البداية تم تكليف جون دين مستشار نيكسون في البيت الأبيض باحتواء أنشطة ووترجيت والتغطية عليها. وقد عثر على شريك مرحب هو مساعد النائب العام هنري بيترسن، رئيس القسم الجنائي بوزارة العدل، وهو منصب ذو نفوذ. وافق بيترسن على أن يضمن ألا يقوم إيرل سيلبرت -المحقق الأمريكي المكلف بالتحقيق في ووترجيت- مع سيجرتي وآخرين.

وفقًا لتقرير مجلس الشيوخ عن ووترجيت «وجَّه بيترسين تعليمات لسيلبرت بعدم البحث في العلاقات بين سيجريتي وكالمباخ وتشابين وستراتشان لأنه لم يرده أن يحقق في العلاقات بين الرئيس ومحاميه أو حقيقة أن محامي الرئيس قد يكون متورطا حسبما ظننت في أنشطة حملة غير مشرعة بالنيابة عن الرئيس».

كان يمكن أن تستمر عملية التغطية بما يرقى -عمليا- إلى مباركة رسمية.

وفي سيرته كتب هولدمان بعد خمس سنوات من استقالته من البيت الأبيض أن نيكسون كان وراء جميع الحيل.

كتب يقول «لقد أدركت أن كثيرا من المشكلات في إدارتنا لم تنشأ من الخارج وحسب، بل ومن داخل المكتب البيضاوي، بل وأعمق من ذلك، من داخل شخصية ريتشارد نيكسون».

كتب هولدمان عن نيكسون يقول «سرعان ما أدركت أنه لا بد من حماية هذا الرئيس من نفسه. فمرة بعد المرة كنت أتلقى أوامر ضارية مزرية». أحدها مثلا هو «حظر إدخال جميع الصحف إلى الطائرة الرئاسية. أو بعد أن ألقى أحد أعضاء مجلس الشيوخ خطابا منهاضا لحرب فييتنام: «افرض على الوغد رقابة على مدار الأربع والعشرين ساعة، ومثل ذلك الكثير».

في أحد الحوارات التي أجراها وودورد مع ترامب من أجل كتابه «غضب» سأله «ما الذي تعلمته عن نفسك؟»

فتنهد ترامب بصوت مسموع وقال «أنني قادر على التعامل مع أكثر مما يقدر عليه الآخرون».

«الناس لا يريدون لي النجاح.. حتى الرينوز، الرينوز أنفسهم لا يريدون لي النجاح» (والرينوز هم الجمهوريون بالاسم فقط).

«لدي معارضة لم يكن لأحد مثلها. ولا بأس في هذا. لقد عرفت هذا على مدار حياتي. حياتي كلها كانت كذلك».

نيكسون أيضا شعر بأنه محاط بالأعداء.

قال نيكسون في المكتب البيضاوي في الرابع عشر من ديسمبر سنة 1972، أي في الشهر التالي لإعادة انتخابه «تذكروا أننا سنبقى بعد أن يغيب أعداؤنا، وأيضا إياكم أن تنسوا: الصحافة هي العدو. الصحافة هي العدو. الصحافة هي العدو. المؤسسة هي العدو. أساتذة الجامعة هم العدو. اكتبوا هذا على اللوح مائة مرة وإياكم أن تنسوه».

وكما هو معروف، فقد قال ترامب علنا إن الصحافة هي العدو وهي عدو الدولة. بل لقد قال لوودورد مرة خلال حوار «في رأيي أنكم عدو الشعب». وبعد أن كشف برنشتاين عن اجتماعات ترامب السرية وصفه ترامب بـ«القذر» و«الأحمق المنحط».

ويحوم هنا سؤال: ما الذي يجعل رجلين احتلا أرفع المناصب في الأرض ينخرطان في هذا الهجوم على الديمقراطية؟

لقد كان الخوف من الخسارة والظهور بمظهر الفاشل قاسما مشتركا بين نيكسون وترامب.

في حوار مع واشنطن بوست في 2015، أوضح ترامب أنه ظن أنه كان ناجحا دائما في عقاراته وكتبه وبرنامجه التلفزيوني ولعبه الجولف.

ولمَّا سئل عن خوفه من الخسارة يوما قال ترامب «أنا لا أخاف من ذلك، ولكنني أكره مفهوم الخسارة».

«ما الذي تكرهه فيه؟»

فأجاب برد ترامبي كلاسيكي قائم على الثقة المطلقة «أكره كونه مجهولا تماما» ثم أضاف «وإن كان من خوف أصلا، فهو خوف المجهول، لأنني لم أذهب إلى هذا العالم مطلقا من قبل».

في مقابلة في الحادي والثلاثين من مارس سنة 2016 وبينما ترامب موشك على ضمان ترشيح الحزب الجمهوري له في الانتخابات الرئاسية، أثير سؤال عن تعريفه للسلطة.

قال ترامب: «السلطة الحقيقية هي -ولا أريد أن أستعمل الكلمة- الخوف».

بعد أن استقال نيكسون وشرعنا في كتابنا الثاني «الأيام الأخيرة» عن سنة نيكسون الأخيرة في الرئاسة ذهبنا لمحاورة السيناتور باري جولدووتر عن ولاية أريزونا، ومرشح سنة 1964 للرئاسة. وغالبا ما كان يعد جولدووتر ضمير الحزب الجمهوري.

في شقته، قدم لنا الويسكي وتناول دفتر يومياته التي ظل يمليها طوال سنين على سكرتيرته. بدأ بقراءة ما كتبه في السابع من أغسطس سنة 1974. كان الدليل المزعوم الذي أذيع قبل يومين من ذلك التاريخ يكشف أن نيكسون طلب من المخابرات المركزية الأمريكية أن تجعل المباحث الفيدرالية تضيق تحقيقها في ووترجيت لاعتبارات أمن وطني زائفة. كان واضحا أن نيكسون سيتعرض لاستجواب رسمي ويُوجَّه إليه اتهام رسمي من مجلس النواب. والسؤال كان يتعلق بمجلس الشيوخ.

تلقى كل من زعيم الجمهوريين في الشيوح هاج سكوت عن ولاية بنسلفانيا، وزعيم الجمهوريين في النواب جون رودس عن أريزونا، وجولدووتر دعوات لاجتماع في البيت الأبيض مع نيكسون، يكونون فيه وحدهم في المكتب البيضاوي مع الرئيس. ولم يكن حاضرا في ذلك المساء أي من مساعدي نيكسون أو محاميه.

تحدد لجولدووتر مقعد مواجه مباشرة لنيكسون الذي جلس إلى طاولته. أملى جولدووتر لاحقا أن نيكسون بدا عليه الارتياح، وما يشبه السكينة. رأى أن الرئيس بدا كمن حقق منجزا عظيما. غير أن الخيبة بدت واضحة في نبرة صوت نيكسون.

قال سكوت: «طلبنا من باري أن يكون المتحدث باسمنا».

قال جولدووتر: «سيدي الرئيس، هذا غير طيب، لكنك تريد أن تعرف الوضع والوضع غير طيب».

سأل نيكسون: «في رأيك كم عدد الذين سيكونون معي: ـ نصف دزينة؟»

أملى جولدووتر أنه تساءل إن كانت في صوت الرئيس نبرة تهكم، فقد كان نيكسون بحاجة إلى 34 صوتا في محاكمة الشيوخ ليبقى في المنصب. فقد كانت أغلبية الثلثين، أي 67 صوتا، لازمة لإبعاده، بموجب الدستور».

قال جولدووتر: «ما بين ستة عشر و18» أي «أقل من الـ34 اللازمة».

قال سكوت «في رأيي أنهم 15. لكن الوضع قاتم، وهم غير ثابتين».

قال الرئيس: «ملعونة القتامة».

وقال جولدووتر: إنه «لن يدعمك الكثيرون إذا ما وصل الأمر إلى ذلك» أي إلى محاكمة في مجلس الشيوخ.

أخبرنا جولدووتر أنه قرر في تلك اللحظة أن يكون صريحا تمام الصراحة في رسالته. «لقد أجريت اليوم إحصاء، ولم أستطع العثور على أكثر من أربعة أصوات شديدي الحسم، وسيكون هؤلاء من أهلنا في الجنوب. والبعض شديدو القلق مما يجري، ولم يحسموا أمرهم، وأنا منهم».

انتهى الأمر.

في الليلة التالية ظهر نيكسون على شاشة التلفزيون الوطني وأعلن أنه سوف يستقيل في ظهيرة اليوم التالي، الجمعة، التاسع من أغسطس 1974.

قبل أكثر من عام كان مجلس الشيوخ قد أطلق تحقيقًا استثنائيًا تشكلت له لجنة من الحزبين للبحث في قضية ووترجيت، حيث صوت 77 مقابل صفر لتشكيل لجنة التحقيق.

وبعد ثمانية وأربعين عاما تغير المناخ السياسي بشدة. فانضم اثنان فقط من النواب الجمهوريين ـ هما ليز تشيني عن ولاية وايومنج وآدم كينزينجر عن ولاية إيلينوي إلى جميع الديمقراطيين في تصويت 222 مقابل 190 لتشكيل لجنة اختيار للتحقيق في هجمة السادس من يناير سنة 2021 على مبنى الكابيتول. أعلنت اللجنة الوطنية الجمهورية رسميًا أن الأحداث التي أدت إلى الهجمة «خطاب سياسي مشروع» وصوتت بتوجيه اللوم إلى تشيني وكينزنجر.

وثمة سمة شخصية مسيطرة أخرى تربط نيكسون وترامب: كان كلاهما يرى العالم عبر عدسة الكراهية.

قام وودورد بزيارة ترامب في الثلاثين من ديسمبر سنة 2019 في مارالاجو لإجراء حوار معه. كان مجلس النواب الخاضع لسيطرة الديمقراطيين قد صوت لمعاقبته بسبب منع معونة عسكرية لأوكرانيا في الوقت الذي كان يطلب فيه من الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي أن يحقق مع آل بايدن.

بعد ساعة من دفاع ترامب عن الطلب الذي وجهه لزيلينسكي، انضم دان سكافينو المدير الإعلامي لترامب، وطلب منه ترامب أن يفتح جهاز الحاسوب الخاص به ويعرض فيديو لخطاب حالة الاتحاد الذي ألقاه الرئيس في 2019. وبدلا من كلمات الرئيس، إذا بالفيديو عبارة عن نوع من موسيقى المصاعد بينما تستعرض الصورة لقطات مطولة لأعضاء الكونجرس وهم يستمعون إلى الرئيس.

كانت اللقطة الأولى للسيناتور بيرني ساندرز عن ولاية فيرمونت الذي بدا عليه الضجر.

كان ترامب يشاهد مضطربا من وراء وودورد.

قال الرئيس «إنهم يكرهونني. ما تراه أمامك هو الكراهية».

توقفت الكاميرا على وجه إليزابث وارن عضوة مجلس الشيوخ الليبرالية عن ولاية مساتشوستس التي كانت تنصت وقد ارتسم على وجهها تعبير لا ينم عن مشاعر.

قال ترامب «كراهية».

وتلتها لقطة للنائبة ألكسندريا أوكاسيو كورتيز. ولم يكن على وجهها أي تعبير.

قال ترامب «كراهية. انظر إلى الكراهية».

تمهلت الكاميرا لوقت طويل على كمالا هاريس عضوة مجلس الشيوخ. وسوف يختارها بايدن للترشح معه في العام التالي. كان على وجهها تعبير مهذب لا يكشف شيئا.

قال ترامب بصوت جهير وهو على بعد بوصات من رقبة وودورد «كراهية. انظر إلى الكراهية. انظر إلى الكراهية».

كانت لحظة فريدة. قد يرى طبيب نفسي أنها إسقاط لكراهيته هو للديمقراطيين. لكنها بلغت من الحدة أنها لم تشابه رد فعل الديمقراطيين المكبوت. فإصراره أن تلك التعبيرات تنم عن «كراهية» لم يكن مدعوما بالصور المعروضة على الحاسوب. طبعا كان كثير من الديمقراطيين يكرهونه. وكانوا خصوما جهيرين غاضبين لرئاسته. ولكن ترامب في ذلك المشهد بدا غريبا ولا يُنسى.

في اليوم الذي استقال فيه نيكسون من الرئاسة، أي التاسع من أغسطس سنة 1974، ألقى خطبة الوداع في الغرفة الشرقية بالبيت الأبيض. لم تكن بين يديه أوراق سابقة التجهيز. وقفت زوجته بات وراءه وابنتاه وزوجاهما. وتحدث نيكسون عن أبويه وكيف أسيء فهمهما، ومضى فتكلم عن المزيد من المظالم.

ثم فجأة، بدا وكأنه عثر على رسالة أكبر، فابتسم في رقة وقدم نصيحته الأخيرة للجميع. «تذكروا دائمًا أن الآخرين قد يكرهونكم، ولكن أولئك الذين يكرهونكم لن ينتصروا عليكم ما لم تكرهوهم أنتم، وحينئذ تدمرون أنفسكم».

بدت لحظة فهم للنفس غير مقصودة. لقد كانت الكراهية هي علامة رئاسته المميزة. لكنه في النهاية أدرك أن الكراهية هي السم، هي المحرك الذي أدى إلى دماره.

قبل نيكسون عفو ووترجيت الكامل من الرئيس جيرالد فورد بعد استقالته بثلاثين يوما. وصار فورد كلما سأله أحد عن السبب الذي أثناه عن الإصرار على أن يعترف نيكسون اعترافا صريحا بارتكاب جرائمه، كان فورد يجيب في ثقة بأن الإجابة لديه.

ويقول: «إن الاعتراف معي هنا في محفظتي»، مخرجا ورقة مطوية، منثنية الحواف، تلخص حكم المحكمة العليا في قضية بورديك ضد الولايات المتحدة سنة 1915. فقد حكم القضاة فيها بأن العفو «يعني ضمنيا الإدانة وقبول الاعتراف بها».

كان فورد يقصد أن نيكسون اعترف بجرائمه حينما قبل العفو عنها. «وكان ذلك دائما يطمئنني».

في عام 1977، بعد ثلاث سنوات فقط من تركه السلطة، أدلى نيكسون بسلسلة حوارات متلفزة للصحفي البريطاني ديفيد فروست. حصل نيكسون على ستمائة ألف دولار في مقابل ذلك. وحقق الحوار الأول عن ووترجيبت 45 مليون مشاهدة، وهذا رقم قياسي لبرنامج سياسي لم يكسره أحد حتى يومنا هذا.

قال نيكسون: إنه «خذل الشعب الأمريكي» لكنه لم يعرقل سير العدالة. «لم أفكر في الأمر باعتباره تغطية. لم أكن أعتزم أن أغطي على شيء. دعني أقل إنني لو أردت التغطية، فصدقني، كنت لأفعلها».

بعد عام من ذلك، في سيرته الصادرة بعنوان «راء نون»، واصل حربه على التاريخ. «إن ما فعلته وما تقاعست عن فعله، قد يكون مدعاة للندم وقد لا يكون من الممكن الدفاع عنه، لكنه لم يكن جديرا بالعقاب».

وأضاف في حوار فروست: إن الرئيس لديه سلطة واسعة ولا يمكن أن ينتهك القانون، «وعندما يفعل الرئيس ذلك، فذلك يعني أنه ليس منافيًا للقانون».

وفي كتاب لاحق سنة 1990 بعنوان: «في الحلبة»، شدد نيكسون إنكاره، زاعما أن من الأساطير أنه دفع أموالا ليشتري بها الصمت.

غير أن تسجيلًا لاجتماعه في الحادي والعشرين من مارس 1973 يبين أنه أمر جون دين اثنتي عشرة مرة بالحصول على المال.

وقد جاء التشخيص النهائي من السيناتور سام إرفين رئيس لجنة ووترجيت في مجلس الشيوخ، وهو أن نيكسون ومساعديه كانوا مدفوعين «بشهوة السلطة السياسية».

برغم أن إرفين مات قبل اثنتين وثلاثين سنة من مجيء ترامب رئيسا تظل لافتة «شهوة السلطة السياسية» صالحة للتطبيق.

لم يكن ترامب قط متماسكا من وجهة النظر الاستراتيجية لكنه كان قويا من وجهة النظر الدعائية. فقد نسج جملة من التأكيدات بأنه فاز سنة 2020 برغم افتقاره إلى أي دليل يدعم ذلك.

بعد أكثر من عام على تنصيب بايدن، تشير استطلاعات الرأي إلى أن 21% فقط من الجمهوريين يقولون إنهم يعتقدون أن بايدن الرئيس الشرعي للولايات المتحدة.

يتبين من منطقهم كيف أقنعهم خطاب ترامب وألاعيبه. بين 74 و83% من الجمهوريين الذين أنكروا فوز بايدن تأثروا بمزاعم ترامب الكاذبة عن التزوير الهائل في الأصوات.

لطالما كانت مزاعم ترامب تعرض في ثبات عاطفي لا يتزعزع، غير مفصحة عن أي قدر تقريبا من الشك في الذات. ومع اقتراب انتخابات 2024، يبدو ترامب على وشك السعي مرة أخرى إلى الرئاسة.

لكن نيكسون وترامب كانا سجينين طوعيين لرغبتهما الجامحة في السيطرة، ونيل السلطة السياسية والحفاظ عليها مهما تكن الوسيلة. ومن خلال الاعتماد الشديد على هذه الدوافع القاتمة، كانا عنواني مرحلتين من أشد مراحل التاريخ الأمريكي اضطرابا وخطورة.

ومثلما حذر واشنطن في خطاب وداعه قبل أكثر من قرنين وربع القرن، بوسع الزعماء معدومي المبادئ أن يخلقوا «طغيانا دائما» و«خرابا في الحرية العامة»، و«شغبا وعصيانا».

ترجمة خاصة لـ«عمان» عن «واشنطن بوست»