the-importance-of-environmental-protection
the-importance-of-environmental-protection
تقارير

الحركات البيئيّة ورهان استدامة العدالة الإيكولوجيّة

14 نوفمبر 2021
14 نوفمبر 2021

من يعود، مثلا، إلى تقرير ريني دبوسRené Dubos وباربرا وارد Barbara Ward، ويقرأ توقّعات جوليان دامون Julien Damon، وأفكار جاك فيرون Jacques Véron وتخوّفاته، وأعمال أمارتيا صن Amartya Sen، سيدرك أنّ تحدّيات التنمية الحاليّة والمستقبليّة، ستتطلّب الكثير من التعبئة والتعاون والتضامن لمواجهة عولمة المعضلات المشتركة، كما هو الشأن بالنسبة إلى البيئة والموارد المحدودة على أمل التوفيق بين السكّان والبيئة والتنمية الاقتصاديّة.

في مقاربة مميّزة لهذا التوفيق، يجادل جيورجوس كاليس Giorgos Kallis ضدّ الفكرة القائلة إنّ البيئة شيء ينبغي تدبيره، سواء من خلال الاقتصاد أم الإرادة السياسيّة، أم وفقا للتوصيات العلميّة. وعلى العكس من ذلك، يدافع عن أنّنا نحتاج من أجل معالجة المخاوف البيئيّة إلى تركيز إشباع الناس من خلال التقييد الذاتي للأفراد، ومن خلال الديمقراطيّة المباشرة، بديلا من النموّ اللّامحدود والاستهلاك المفرط.

أنتجت هذه الرؤى خطابا بيئيّا يمزج بين نتائج علوم الطبيعة والوعي بأهميّة البيئة والدّفاع عنها أمام ارتفاع التهديدات الواقعة أو المتوقّعة، وذلك لأنّ حماية البيئة وتعزيزها هما ضرورة لا غنى عنها، ليس من أجل حماية حقوق الإنسان فقط، وإنّما أيضا لحماية التراث المشترك للبشريّة. تشكّل هذا الخطاب بالتدريج عبر مسار تداخل فيه العلمي والسياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي. ولعلّ المتابع لهذه السيرورة الطويلة والشاقّة، يعي دور الحركات الاجتماعيّة من أجل العدالة الإيكولوجيّة، تحت مسمّياتها المتعدّدة (حركات بيئيّة، حركات إيكولوجيّة، حركات خضراء...إلخ)، في تحريك ملفّ المحافظة على المحيط الطبيعي للإنسان منذ أواخر ستّينيّات القرن العشرين، وذلك انطلاقا ممّا عرفته هذه الفترة من أشكال احتجاج مغايرة لما كان سائدا قبلها، نظرا إلى تبدّل المطالب والأولويّات الاجتماعيّة التي ترافقت مع تحوّل المجتمع، من مجتمع صناعي إلى مجتمع ما بعد صناعي، فنشأت، عموما، حركات نسائيّة طالبت بإعادة النّظر في مكانة المرأة وأداورها، وحركات حقوقيّة طرحت موضوعات حقوق الإنسان، وأخرى ثقافيّة، ورابعة بيئيّة فرضت مطالب تتعلّق بالحفاظ على البيئة، وأنضجت مع مرور الوقت مفهوم العدالة الإيكولوجيّة بما يحيل عليه من توجّه إصلاحي يتوخّى توزيعا عادلا للبيئة والمجال الإيكولوجي من جهة، ومن جهد مبذول للتخفيف من ثقل الأضرار البيئيّة من جهة ثانية في ظلّ ندرة الموارد وشحّها بفعل الاستغلال والاستنزاف المفرط لها.

الاستدامة البيئيّة بين اتّجاهين

تجنّبا لأيّ خلط بخصوص سيرورة تطوّر حركة الاستدامة البيئيّة ذاتها وأبرز التوجّهات المعبّرة عنها، تجدر الإشارة إلى أنّ هذه الحركة كانت، منذ بدايتها، منقسمة- مثل معظم الحركات الاجتماعيّة الأخرى- إلى توجّه إصلاحي معتدل (ويعرف أحيانا بحركة الاستدامة الضعيفة يمثّله عادة كلّ من اتّجاه التحديث الإيكولوجي والعدالة البيئيّة، وهما الاتّجاهان اللّذان يحظيان بشعبيّة متزايدة ضمن أدبيّات هذا التوجّه وبقبول لدى الساسة والحكومات والشركات في الدول الصناعيّة المتقدّمة في الوقت نفسه)، وآخر ثوري يعرف أيضا بحركة الاستدامة القويّة أو الإيكولوجيّة العميقة التي ينظر أنصارها للأرض كمورد ناضب غير متجدّد، ومن ثمّ يزعمون أنّه ليس هناك مستقبل بيئيّ ممكن إلّا إذا تمّ إحداث تغيير أو تعديل جذري في النموذج الإرشادي المهيمن، إذا ما أريد فعلا إنقاذ الأرض من الفساد البيئي؛ وهي وجهة النّظر التي أثارت مخاوف كلّ الأطراف التي تفضّل حلولا جزئيّة للمشكلات البيئيّة.

إنّ نشأة النوع الأوّل من الحركات الاجتماعيّة الجديدة، وأخصّ بالذكر الاتّجاه الثاني من التوجّه المعتدل الذي يمثّل مظلّة تستخدم لوصف الجهود الجماعيّة التي تحاول تعزيز العدالة الاجتماعيّة نظرا إلى حالات عدم العدالة التوزيعيّة النّاتجة عن السياسة البيئيّة، تستند إلى قيم ومفاهيم عالميّة تشكّل الأساس والمرجع لعملها، وتتمحور أساسا حول الديمقراطيّة والعدالة والحرّيّة والمساواة وحقوق الإنسان؛ ومن ثمّ، فالحركات الاجتماعيّة البيئيّة تعتبر أنّ التغيّرات المناخيّة والمشكلات الإيكولوجيّة كيفما كان نوعها، ليست مشكلات بيئيّة خالصة تقف عند حدود عالم الطبيعة، بل هي مسألة اجتماعيّة تؤثّر في كلّ البنيات الاجتماعيّة. لهذا، تعتبر هذه الحركات أنّ الشركات العابرة للقارّات والدول الصناعيّة تعدّ مدينة للعالم من الناحية الإيكولوجيّة، بينما مساهماتهما في إنقاذ العالم من أمراضه البيئيّة التي تصيب معظمها، وبطريقة ظالمة، الفئات المهمّشة الأقلّ استعدادا لتحمّلها، جدّ ضعيفة؛ وهي صورة غير مرضية مقارنة بتاريخها الطويل في تسريع أخطار البيئة وتدمير المؤسّسات الاجتماعيّة الحاضنة لها بسبب ممارساتها غير الأخلاقيّة وسياساتها النيوليبراليّة، ولاسيّما أنّه على الرّغم من مراكمة المجتمع الدولي لمجموعة من المكتسبات، تظهر الممارسة أنّ هذه الجهود -على أهميّتها- تظلّ من دون النتائج المطلوبة، بفعل استمراريّة التأثّر بعلاقات القوّة والنفوذ وما يتولّد عنها من غموض واختلاف وتناقض. وتتجلّى هذه الحقيقة، مثلا، في ضعف انضباط العديد من الدول وعدم تنفيذ التزاماتها في هذا الإطار، وهو ما أفرز حالة من الاستياء في أوساط عدد من الفعاليّات المدنيّة على امتداد مناطق مختلفة من العالم، دفعها إلى المرافعة بشأن بلورة جهود وسياسات أكثر نجاعة وفعاليّة لحماية الأمن البيئي. وتشكّل الحركات الاجتماعيّة إحدى أهمّ هذه الفعاليّات التي أصبحت تقوم اليوم بأدوار مهمّة، منها معارضة الكثير من السياسات والمؤسّسات الداعية إلى عولمة الأنشطة الاقتصاديّة والتجاريّة من دون الأخذ في الحسبان حاجيّات البلدان النامية وخصوصيّاتها. ولئن وجد هذا الخطاب آذانا صاغية بنسبة أكبر في مجتمعات أوروبا الغربيّة منها والشماليّة وكذلك أميركا الشماليّة، يلاحظ أنّ تأثيراته اتّسعت بسرعة تدريجيّة لتشمل مناطق عديدة في العالم مثل أفريقيا والوطن العربي، لكنّه يبقى في حدود المبادرات المحليّة والنخبويّة المحتشمة.

عن حركات بيئيّة عربيّة

من باب التفاؤل والاعتراف بمجهودات بعض النشطاء في المنطقة العربيّة، لا بأس أن نشير إلى أنّه، بصرف النّظر عن صعوبة الانسياق وراء وصف التحرّكات في المنطقة العربيّة بأنّها حركات اجتماعيّة متجذّرة ومؤثّرة، كما هو حال الدول الصناعيّة المتقدّمة، سيكون من الحيف إنكار وجود إرهاصات لما يمكن تسميته حركات اجتماعيّة، مثل تشكّل مجموعات مناهضة العولمة في دول عدّة (آتاك- مجموعات المناهضة)، أو من خلال حركات سياسيّة تسعى إلى تغيير ديمقراطي في دول أخرى، وثالثة تحتجّ على السياسات الرأسماليّة التي من شأنها الإضرار بمصالح الطبقات الفقيرة، مثل الحركات العمّاليّة، ومناهضة الغلاء، والبطالة، والسياسات الجبائيّة، والمحافظة على البيئة ...وغيرها. وسأسوق بعض الحالات من باب التمثيل على ما أزعم، وسأقتصر على لبنان وتونس والمغرب لاعتبارات موضوعيّة مرتبطة أساسا بتوافر بعض المعطيات البيبليوغرافيّة والإثنوغرافيّة ذات الصلة بهذه البلدان مقارنة بتجارب أخرى.

أ. لبنان

لم تصل الحركات البيئيّة اللبنانيّة إلى التغيير المنشود على أرض الواقع، وإن تمكّنت مثلا من دفع الدولة إلى إنشاء وزارة للبيئة سنة 1993، وهي الوزارة التي لا تزال إلى اليوم تحتاج إلى موارد بشريّة وماليّة، وهو ما يجعلها غير ذات فعاليّة في الميدان، فضلا عن تمكّنها من استصدار بعض القوانين البيئيّة التي لا يزال أمر تطبيقها بعيدا جدّا. فضلا عن ذلك، تبقى الحركات البيئيّة في الشمال، بحسب إميل مارون، عاجزة أمام إجراء التغيير الثقافي الهادف إلى حماية البيئة وتحسين ظروفها؛ فالوضع البيئي في لبنان يتّجه إلى مزيد من التدهور والموارد الطبيعيّة تتّجه إلى مزيد من الاستنفاد، والقوانين البيئيّة تتّجه إلى مزيد من الانتهاكات. لا يكفي أن تتّفق هذه الحركات البيئيّة على حقّ الإنسان في العيش ضمن بيئة نظيفة وتختلف في شأن حقوقه الأخرى، ضمن واقع وطنيّ منقسم بين مجتمعات مصغّرة، لكلّ منها خصوصيّته وأحيانا عاداته، علاوة على انتماءاته الحزبيّة والمذهبيّة والطائفيّة والعشائريّة والمناطقيّة، وهو ما يجعل عمل الجمعيّات البيئيّة، وأيّ جمعيات أخرى، خاضعا للاعتبارات ذاتها، الأمر الذي يحدّ من فعاليّة عملها وقدرتها على إنجاح التغيير الثقافي المنشود.

ب. تونس

في تونس، تتّخذ الناشطيّة البيئيّة، كما يكشف المنتدى التونسي للحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة، إمّا شكل احتجاجات تلقائيّة وغير منظّمة ومحدودة زمنيّا ومجاليّا تفاعلا مع ضرر مستجدّ مثل انقطاع الماء أو إطلاق غازات ملوّثة أو سكب مادّة المرجين (وهي رواسب ناتجة عن عمليّة عصر الزيتون وذات تأثيرات خطيرة، ومصدر رئيس للكثير من الاحتجاجات في القيروان)...إلخ، أو شكل حركات منظّمة ودائمة وقادرة على التوقّع والضغط كما هو الشأن بالنسبة إلى الحركات في المناطق الساحليّة، حيث نسبة التلوّث الصناعي مرتفعة: قلعة الصغرى (سوسة)، صفاقس، قابس...، وقادرة على التأقلم مع حركات المواطنين. وكيفما كانت العراقيل التي تمرّ منها هذه الحركات والحملات البيئيّة (ضعف انتظام وتيرة نشاطها وتشتّتها وعدم توحّدها في فعل احتجاجيّ واحد بحكم التأثيرات الطويلة والممتدّة للمخاطر البيئيّة)، فأغلب الظنّ أنّه من السابق لأوانه التسرّع في التقليل من أهميّة المقاومة الماديّة والرمزيّة التي تقوم بها في أفق التصدّي لسوء تدبير القطاع العامّ والخاصّ وضعف تقديرهما للانتهاكات البيئيّة والأضرار المترتّبة عنها في الحاضر والمستقبل.

ج. المغرب

وإذا كانت المملكة المغربيّة قد نجحت إلى حدّ ما في مواكبة الاهتمام العالمي بقضايا البيئة اقتصاديّا وسياسيّا، وأصبحت من الدول الأكثر نشاطا وفعاليّة على المستوى البيئي، كما يظهر من خلال ما سنّت من قوانين وما نظّمت من لقاءات وأنشطة وتظاهرات توّجت باحتضان الدورة الثانية والعشرين لمؤتمر الأطراف في اتّفاقيّة الأمم المتّحدة الإطاريّة بشأن تغيّر المناخ من 7 إلى 18 تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، إلّا أنّها ما تزال تقاوم للحدّ من التهديد البيئي ووضع عموم المجتمع المغربي في صلب الإشكالات البيئيّة، ولا سيّما أنّ الديناميّة الاقتصاديّة تمارس ضغوطا قويّة على البيئة وعلى الموارد الطبيعيّة؛ بحيث ينتج المغرب مثلا 1.5 مليون طنّ من النفايات الصناعيّة سنويّا، منها 256.000 طنّ تعتبر خطرة. وغالبا ما يتمّ التخلّص من النفايات الصناعيّة في مطارح عشوائيّة أو في نقاط سوداء وفي مجاري المياه من دون الخضوع لأيّ معالجة أو مراقبة، مع ما يترتّب عن ذلك من عواقب وخيمة على الصحّة العامّة والبيئة. وتقدّر تكلفة التدهور البيئي في المغرب بحوالى 32.5 مليار درهم، أي ما يعادل 3.52 في المائة من النّاتج الداخلي الخام، وهو ما يمثّل 960 درهما لكلّ فرد سنويّا. ومن جهة أخرى، يبلغ حجم الأضرار التي تخلّفها انبعاثات غازات الدفيئة على البيئة الإجماليّة حوالى 1.62 في المائة من النّاتج الداخلي الخام.

وبالرجوع إلى تلك التوتّرات وما تكشف عنه من مظالم وما تبطّنه من مخاوف، الملاحظ أنّ المحرّك الرئيس لفعل التظلّم العلني يختلف من فترة زمنيّة إلى أخرى. منذ التسعينيّات من القرن الماضي، بدأ الاحتجاج يتّجه إلى الطابع السلمي غير العنيف، وارتبط، أساسا، بمطالب ذات طبيعة اجتماعيّة صرفة، لاعتبارات متعدّدة، يمكن إجمالها في تحوّل بنية السلطة الحاكمة من نظام مغلق إلى نظام مفتوح نسبيّا، وإدراك التنظيمات النقابيّة والحزبيّة أنّها تقوى على الدعوة إلى الاحتجاج، لكنّها تعجز عن السيطرة على أعمال التخريب والعنف الدموي التي تصاحبه، وذلك تزامنا مع التغيّرات التي وقعت على المستوى الدولي، وعلى رأسها انهيار الاتّحاد السوفياتي، وارتفاع الطلب على احترام حقوق الإنسان، وما رافقه من دعوات لتحرير الفضاءات العامّة أمام المكوّنات المختلفة للشعب للتعبير عن انشغالاتها وتطلّعاتها، وهو ما أفرز على الصعيد الداخلي، في ارتباط بالبيئة، تأسيس حزبين (حزب اليسار الأخضر المغربي وحزب البيئة والتنمية) وأزيد من ألفي جمعيّة تسعى، في حدود مواردها وإمكاناتها وطبيعة تركيبتها وسياقات نشأتها، إلى تكريس ثقافة الديمقراطيّة وحقوق الإنسان وإدراج البعد البيئي في أغلب التشريعات والسياسات العموميّة الوطنيّة، وهو ما سمح بانتقال ديناميّة فعل التغيير تدريجيّا من المعارضة السياسيّة إلى الفئات الشعبيّة.

على الرّغم من تباين أشكال هذه التوتّرات (احتجاجيّة ذات طبيعة عفويّة وغير منتظمة وذات موضوعات مختلفة تبعا للظروف والسياقات، أو تظاهرات وحملات حزبيّة وجمعويّة مهيكلة ودائمة تدافع عن الحقّ في البيئة وتترافع من أجل الارتقاء بها والتحسيس بأهميّتها)، فإنّ وقائعها في مختلف المناطق الحضريّة وشبه الحضريّة والقرويّة، القريبة من المركز أو البعيدة عنه بعشرات أو مئات الكيلومترات، تعكس الواقع نفسه. ولربّما أنّ القاسم المشترك بينها، هو استبطان المشاركين في ديناميّاتها خوفا كبيرا أمام التحوّلات المتسارعة غير المتحكّم بها، والتي تعمل في عمق المجتمع، جرّاء السياسات العموميّة في ظلّ تحوّلات دوليّة تفرض على المغرب سياقاتها وإكراهاتها. المستفاد من هذه الإحالة أنّه إلى جانب المطالب الكلاسيكيّة المرتبطة بتوفير وسائل النقل والمرافق الصحيّة وإصلاح الطرقات والربط بالكهرباء، برزت احتجاجات ميدانيّة وافتراضيّة حاملة لهاجس انعكاسات التغيّرات المناخيّة والمشكلات البيئيّة التي تستلزم تكثيف الجهود وديمومتها ليس لمواجهتها وتوسيع ثقافة التحسيس بآثارها فحسب، وإنّما كذلك باستباقها وتعزيز مسؤوليّة الانخراط الجماعي الطوعي تجاهها (لدى المستهلك ومتّخذ القرار في القطاع العامّ والخاصّ في الوقت نفسه)؛ وهو الرهان الذي لن يتحقّق إلّا بتوفير إمكانات الحصول على المعلومة والموارد وربط سوء التدبير، بالنسبة إلى جميع الفاعلين، بالمحاسبة.

عالم يبحث عن نفسه

لعلّ المستفاد من هذه الإشارات، على اقتضابها، أنّ مفهوم العدالة البيئيّة وما يرتبط به من شبكة مفاهيميّة، لم يعد مجرّد براديغم علميّ يحفّز على التفكير السوسيولوجي والسياسي، أو أحد أهمّ الموضوعات التي تثير النقاش العمومي والعلمي، بل مطلبا للحركات الاحتجاجيّة التي أصبح نضالها شديد الارتباط بالقضايا البيئيّة، وأطروحة تتبنّاها أيضا حركات اجتماعيّة جديدة عدّة، تعتبر أنّ العدالة الإيكولوجيّة والعدالة الاجتماعيّة هما وجهان لعملة واحدة ولا يمكن ادّعاء الفصل بينهما في ممارسة الضغط على السلطات العامّة.

نخلص إلى القول إنّ هذا العالم يبدو حتّى اليوم سائرا في البحث عن نفسه، على الرّغم من موارده وقواسمه الماديّة والرمزيّة الكثيرة المشتركة. صحيح أنّه راكم في بعض التجارب مكتسبات مهمّة تجسد في مجملها الرغبة في تجاوز مختلف الضغوط والإشكالات التي تواجه الأمن البيئي المحلّي والعالمي، سواء على مستوى السياسات العامّة الداخليّة أم في إطار التعاون الدولي، بيد أنّ الواقع يكشف أنّ هذه الجهود - بصرف النّظر عن قيمتها- لا تزال موضع خيبة وإحباط.

*أكاديمي مغربي