ترجمة

سياسات نووية لا يجب أن يتبناها بايدن

01 يناير 2022
01 يناير 2022

وجَّه قرابة سبعمئة عالم ومهندس، منهم حاصلون على جوائز نوبل، رسالة إلى الرئيس جو بايدن يحثونه فيها على أن تتبنى الولايات المتحدة سياسات نووية جديدة. تطالب الرسالة الرئيس بالتعهد بألا تكون الولايات المتحدة أول من يلجأ إلى استعمال الأسلحة النووية، وبالحصول على موافقة من مسؤول حكومي أمريكي آخر رفيع المستوى قبل استعمال أسلحة نووية، وبأن تقلل الولايات المتحدة من طرف واحد أسلحتها النووية المنتشرة بمقدار الثلث، أي من 1550 إلى 1000، وأن تتوقف عن تمويل صاروخ بري جديد ليحل محل صواريخ مينيتمان 3 الحالية البالستية العابرة للقارات التي نشرت سنة 1970. وهذه الخطوات بحسب ما يقول كتاب الرسالة "سوف تبطئ سباق التسلح النووي المتسارع مع الصين وروسيا" و"تتقدم خطوات نحو نزع السلاح" بجعل مفاوضات السيطرة على الأسلحة أكثر مصداقية.

ثمة أربعة عيوب جسيمة في هذا الاقتراح. فمثل هذه السياسة سوف تتيح للقوات النووية الروسية والصينية أن تبقى آمنة من الهجوم. وستتيح أيضا للصين وروسيا أن توجها إلى الولايات المتحدة أو حلفائها هجمات بالنبض الكهرومغنطيسي عالي الارتفاع، أوهجمات إلكترونية أو كيميائية/بيولوجية، وبوسع أي من هذه الهجمات قتل عشرات الملايين من الأمريكيين دونما خوف من انتقام نووي. والأسوأ من ذلك أن هذه السياسات سوف تعطي خصوم الولايات المتحدة من أصحاب الأسلحة النووية حافزا لتوجيه الضربة النووية الأولى، وبخاصة إذا باتت الولايات المتحدة وحلفاؤها تعوِّل على تعهد مماثل من الخصوم بألا يكونوا أول من يستعمل الأسلحة النووية.

الفكرة الثانية مثيرة للقلق بالقدر نفسه لكنها أيضا غير ضرورية. ففي كل أزمة نووية واجهها رئيس للولايات المتحدة، سواء الرئيس جون كينيدي في أزمة بيلين أو كوبا، أو الرئيس ريتشارد نيكسن في أزمة حرب الشرق الأوسط بين مصر وإسرائيل، أو الرئيس رونالد ريجان في أزمة المخاوف السوفييتية من أن تكون تدريبات عسكرية مقدمة لهجوم، كان الرئيس الأمريكي يطلب من أقرب مستشاريه ومن مسؤولي الأمن الوطني أن يسدوه النصيحة.

اعتمد كل رئيس على مسؤولين مختلفين رفيعي المستوى. وفكرة احتياج الرئيس إلى تصويت إيجابي من مسؤول أمريكي رفيع لا معنى لها. فماذا لو جاء التصويت معاكسا لما يريد الرئيس أن يفعله؟ وفي ضوء أن كل أزمة تنطوي فعليا على قيود، ما الداعي إلى أن نثقل كاهل الرئيس بالمزيد من العراقيل أمام عمل لازم، مهما تكن طبيعة هذا العمل؟ وفضلا عن هذا، هل ينبغي تغيير سلطة الرئيس بموجب القانون؟ ومن الذي يسن هذا القانون الجديد؟ وهل يمنع القيام بعمل لازم؟ هي فكرة بلا جدوى، فضلا عن أنها خطيرة.

لكن الفكرة الثالثة هي المتهورة بحق. فالتقليل من طرف واحد للأسلحة النووية الاستراتيجية إلى أقل من ألف، والقضاء على الصواريخ البالستية العابرة للقارات يبددان قدرة الولايات المتحدة على الحفاظ على التحوط إذا ما طولبت بغتة بتجاوز حد الـ 1550 سلاحا نوويا المسموح بها وفقا لمعاهدة نيو ستارت. فكل رئيس أقر اتفاقية للحد من التسلح صدَّق أيضا على توفير مقدرة مركزية على التحوط أو قدرة استجابة تسمح بالزيادة إذا ما تدهورت البيئة الاستراتيجية.

بوجود 192 صاروخا بالستيا بحريا وصفر من الصواريخ البالستية البرية العابرة للقارات فإن العدد الأقصى لرؤوس الصواريخ التي تستطيع الولايات المتحدة نشرها هو 1536، أي ثمانية رؤوس لكل صاروخ من 192 صاروخا. وبإضافة قاذفات القنابل الستين المسموح بها، يصبح العدد أكبر بهامش ضئيل عن المستوى الحالي المسموح به وفقا لمعاهدة نيو ستارت. وهذا يقارن مع القوات النووية الاستراتيجية الروسية والصينية القادرة بسهولة على تجاوز 5000 رأس نووي خلال العقد القادم أو في حالة تحقق سيناريو الانفجار ـ أو صعودا إلى ما يزيد عن 3000 على الأقل حتى لو امتثلت لاتفاقات التسلح الراهنة. فما معنى "توازن" استراتيجي يصل إلى خمسة مقابل واحد في غير صالح الولايات المتحدة؟

أما عن فكرة الاحتفاظ مؤقتا بمينيتمان 3، فهذه الصواريخ البالستية العابرة للقارات فليس من الممكن إعطاء هذه الصواريخ برنامجا يطيل أمد الخدمة مثلما أثبت محللو القوات الجوية الأمريكيون. لقد مرت صواريخ مينيتمان 3 فعليا بعدد من إطالات أمد الخدمة ولا يمكن أن تبقى إلى ما بعد 2035 دون تحديث بتكلفة 75 مليار دولار، بافتراض أن هذا التحديث ممكن تقنيا. وكل عام يفرض تغييرات في المزيد من تقنيات مينيتمان التي لم يعد بالإمكان تصنيعها. وفي النهاية، كل تصميمات هذه الصواريخ تبلغ من العمر اثنين وخمسين عاما.

فضلا عن أن تمديد خدمة مينتمات 3 لا يوفر القدرة على التغلب على الدفاعات الصاروخية لدى الخصوم، ولا يمكن الاعتماد على إدامته، وسوف يتكلف في واقع الأمر 35 مليار دولار أكثر من الانتشار الاستراتيجي البري المعتزم أن يحل محله.

صحيح أنه يعتزم بالفعل إدامة مينتمان 3 حتى عام 2035، أي لخمسة عشر عاما أخرى. وهذه الخطط تمثل فعليا جزءا من برنامج تمويل يسمح بالإحلال الدقيق ابتداء من عام 2029 على وجه التقريب لصالح صاروخ الانتشار الاستراتيجي الأرضي. وتقنيا لن يفي صاروخ مينتمان 3 بمتطلبات الردع المعتمدة من القيادة الاستراتيجية الأمريكية.

كما أنه لا أساس بالمرة لأن يتفق كبار المسؤولين العسكريين الأمريكيين على أن الولايات المتحدة يمكن أن تقلل من طرف واحد قوتها النووية إلى أقل من ألف رأس وتظل قادرة على الردع في مواجهة روسيا حتى لو حافظت روسيا على مستوى القوات الأعلى المحدد في نيوستارت.

لقد تحدثت إلى كل من قادة القوات النووية الأمريكية منذ 2020 حينما وقِّعت الاتفاقية فأعلنوا جميعا أنهم لا يدعمون ولم يدعموا مثل هذا التخفيض في مستويات قوة الولايات المتحدة من الرؤوس النووية. وأسجل هنا ما ورد في تقييم حديث من المعهد الوطني للسياسة العامة من أنه لم يؤد أي تقليل من طرف واحد للقوات النووية الأمريكية إلى سلوك روسي مناظر. وقد قال جون هارفي المسؤول الرفيع السابق في مكتب وزير الدفاع والمسؤول في إدارة الأمن النووي الوطني إن مثل هذه التخفيضات لا يمكن أن تحظى بموافقة من مسؤولي الجيش الأمريكي ما لم يتم التحقق من قيام روسيا بتخفيضات مماثلة بموجب معاهدة.

أما عن سباق التسلح فليس لدى الولايات المتحدة الآن قوات نووية محدثة منتشرة، ولن يبدأ أول انتشار قبل 2029. اليوم، بعض المنصات الأمريكية الجديدة أقيمت ويجري اختبارها، ولكنها لن تنشر قبل سنين. بالمقارنة، أعلنت روسيا أخيرا عن تحديث قواتها النووية بنسبة ما بين 86 و91 في المئة مع تطوير ثلاثة وعشرين نوعا من القوات النووية الاستراتيجية أو نشرها منذ 2010. والزعم بأن الولايات المتحدة تقود سباق تسلح لا يوصف بأقل من كونه مثيرا للسخرية.

وبالنسبة إلى تخلي الولايات المتحدة من طرف واحد عن الصواريخ الباليستية الأمريكية العابرة للقارات، فالصين وروسيا كلاهما يقيمان خمسة صواريخ باليستية برية مشتركة عابرة للقارات، منها أكثر من 350 صومعة صينية للصواريخ البالستية العابرة للقارات. والظاهر أن الصواريخ البالستية الصينية الجديدة العابرة للقارات في وضع جيد، في حين أن مثيلاتها الأمريكية ليست كذلك. بل إن خصوم الصواريخ البالستية الأمريكية أعلنوا أن لدى الصين استراتيجية لضمان بقاء أنظمة الصواريخ البالستية العابرة للقارات القائمة على الصوامع، فتكون بكين أول من يطلق. بل إن الجنرال جون هيتين، نائب رئيس هيئة الأركان المشتركة المتقاعد لتوه، قد أعلن عن رأيه بأن الصواريخ البالستية العابرة للقارات القائمة على الصوامع في الصين هي بالفعل أسلحة الضربة الأولى.

في هذه الحالة تكون الصواريخ البالستية الأمريكية العابرة للقارات التي تحتفظ بها الولايات المتحدة متاحة بالكامل للرد في إجراء محسوب ومدروس. إن الأساس الكامل لامتلاك الولايات المتحدة للثالوث النووي هو أن تكون لدى الولايات المتحدة قدرة كافية لمواصلة ردع روسيا حتى لو شنت هجوما وفقدت بعض قواتها من الصواريخ الباليستية العابرة للقارات.

ويدافع كتاب الرسالة أيضا عن عدم وضع الصواريخ الباليستية الأمريكية العابرة للقارات في حالة تأهب. لقد شهد عاما 1979 و1980 إنذارات كاذبة بهجوم صاروخي سوفييتي بحري وبري. وكان السبب في هذا هو عطل في رقاقة كمبيتور حين كانت الولايات المتحدة في غمار استعمال شريط تدريبي. وسرعان ما تم تصحيح الخلل فلم يتكرر منذ ذلك الحين. لم يتم إخطار الرئيس بالإنذار الكاذب ولم يعقد مؤتمر الإطلاق. والواقع أن البيئة الإستراتيجية ظلت مستقرة للغاية لدرجة أنه طوال كامل السنوات السبعين من العصر النووي لم يعقد أي مؤتمر إطلاق لتحديد ما إذا كان إطلاق صاروخي في مكان ما على الأرض موجها نحو الولايات المتحدة. وهذا يقينا دليل إيجابي على أن الثالوث النووي، بصواريخه البرية، هو بالفعل أكثر قدرة ردع لدى أمريكا.

• بيتر هوسي رئيس قسم التحليل الجيوستراتيجي في بوتوماك بولاية ماريلاند

** المقال عن ذي ناشونال إنتريست