ترجمة

الرجل الذي تنبأ بتغير المناخ

21 ديسمبر 2021
21 ديسمبر 2021

ستيفن ويت

ذي نيويوركر

ترجمة: أحمد شافعي

في أواخر عام 1966، في معمل الحاسوب الشاسع بالعاصمة واشنطن، أي المبنى الذي يضم إدارة الولايات المتحدة للمناخ، كان سايوكورو منابي جالسا في انتظار أن تنتهي مهمة طباعية تتعلق بمصير الكوكب. كان منابي آنذاك في الخامسة والثلاثين من العمر، وقد جاء إلى الولايات المتحدة قبل قرابة العقد. وكان يدير فريقا من مبرمجي الحاسوب مكلفا بإقامة محاكاة رياضية لغلاف الأرض الجوي. واقتضى إكمالها سنوات من العمل، وكلفت ملايين الدولارات، وها هو برنامج المحاكاة اكتمل.

بقعقعة منذرة، دبت الحياة في الطابعة، وأخذت ورقة واحدة ممتدة، ذات خطوط ملونة بالأخضر الفاتح والأبيض، تفيض على الأرضية. كان حاسوب آي بي إم 1403 قادرا على طباعة ألف سطر في الدقيقة، لكن منابي لم يكن يستطيع احتمال ضوضائه، فدأب على أن يجتنبها بالتوجه لتناول غدائه. لكن هذه المهمة لم تكن تحتمل الانتظار. ففي حال نجاحها، سوف يحسب برنامج منابي للمحاكاة، للمرة الأولى، العلاقة بين ثاني أكسيد الكربون ودرجة حرارة غلاف الأرض الجوي.

كان مفهوما منذ القرن التاسع عشر أن غلاف الأرض الجوي يحتفظ بحرارة ضوء الشمس. وكان بخار الماء هو المحرك الأساسي، باحتجازه الطاقة الحرارية عند مستويات أقل فيرفع حرارة الأرض بنحو ستين درجة فهرنهايت. (لو لم يكن للأرض غلاف جوي، فإن درجة حرارة سطحها كانت لتقارب الصفر فهرنهايت). والسؤال المفتوح كان يتعلق بما إذا كان لغازات أخرى في الغلاف الجوي إسهام في هذا الأثر الاحتباسي. كان يعتقد أن لثاني أكسيد الكربون أثرا، لكنه كان يشكل فقط ثلاثة أجزاء من كل عشرة آلاف جزء في غلاف الأرض الجوي من حيث الحجم. فكان الباحثون يتساءلون إن كان أثره قابلا أصلا للإدراك.

تكهن منابي بأنه كذلك. لم تكن ثلاثة من كل عشرة آلاف جزء بالشيء الكبير، لكن حتى الغازات النزرية trace gas «التي يشكل أحدها أقل من 1% من الغلاف الجوي» ، إن توفرت لأحدها خصائص مناسبة فقد يكون ذا تأثير كبير. ولولا ثاني أكسيد الكربون، لما كان هناك تمثيل ضوئي، ولمات كل ما على وجه الأرض تقريبا. ولعل تحريك مستويات ثاني أكسيد الكربون في الاتجاه المعاكس ـ بطريقة احتراق الوقود الحفري ـ كان ليترك أثرا كارثيا مماثلا.

لم تكن هناك طريقة مباشرة لاختبار هذه الفرضية: فمنابي الذي كان يعيش على كوكب الأرض، لم تكن بوسعه الوصول إلى كوكب آخر يمكن التخلص منه ومن ثم يمكن إجراء التجارب عليه. وبدلا من ذلك، كان عليه أن يحاكي آثار تغير الغلاف الجوي من خلال معادلات الديناميكا الحرارية الأساسية. بالنسبة لسطح الكوكب، يمكن إجراء هذه المعادلات يدويا، لكن الحسابات تزداد تعقيدا ما إن تضاف طبقات الغلاف الجوي إليها.

لحسن الحظ، استطاع منابي الوصول إلى آلة تدعى ستريتش Stretch، وهي من أقوى ما صنع من أجهزة الحاسوب حتى ذلك الحين. وهي في الأساس عبارة عن جهاز آي بي إم 7030 تم تصميمه بطلب من البنتاجون لمحاكاة آثار القنبلة الهيدروجينية. تم إنتاج تسعة أجهزة من هذا النوع، وبعثت أخرى إلى مختبر لوس ألاموس الوطني ووكالة الأمن الوطني. وعهد بذلك الجهاز، بعد ضغوط من رئيس منابي، إلى التنبؤ بالطقس وإظهار نفع أجهزة الحاسوب للرأي العام. كان ستريتش أضخم من منزل عائلي، ويتألف من ستين مكونا مستقلا، ووزنه بالكامل يصل إلى قرابة خمسة وثلاثين طنا ويعتمد في تبريده على مكيف هواء بحجم شقة صغيرة. كان منابي قد وصل إلى الولايات المتحدة في عام 1958، ولم يكن قد غادر اليابان قبل ذلك، ولم يكن يتكلم الإنجليزية إلا قليلًا. ولكنه كان مثل زملائه في الولع بتكنولوجيا الحاسوب، ويرتدي الزي المعهود المؤلف من سترة رياضية وربطة عنق نحيلة، فتواءم معهم بسرعة. انجذب إلى أعراف أمريكا الاجتماعية غير الرسمية، وفضلها على النهج الياباني الأميل إلى التراتبية. و«كان أصعب الأمور عليه» حسبما قال لي العام الماضي «هو الحمَّام الغربي، فلم أكن رأيته من قبل».

حصل منابي في النهاية على وظيفة في برينستن حيث يعيش اليوم. وفي الأسبوع الماضي، وقد بلغ التسعين من العمر، حصل على جائزة نوبل في الفيزياء. وأشارت لجنة منح الجائزة إلى محاكاة منابي في عام 1966 باعتبارها أول تنبؤ بالتغير المناخي يمكن الاعتماد عليه. احتوت المحاكاة عددا من النقاط تمثل حساسية درجة حرارة الأرض لثاني أكسيد الكربون على ارتفاعات مختلفة. ولم يكن بوسع قدرات الطابعة أن تكيف المنحنى للبيانات، فكان على منابي في الخطوة الأخيرة أن يرسم المنحنى البياني بنفسه. قال «بالقلم الرصاص، وكان الأمر يستغرق وقتا طويلا».

كشف خط منابي البياني المرسوم بالقلم الرصاص عن ثلاث نتائج غير متوقعة. أولا، وفقا للمحاكاة، ازدياد ثاني أكسيد الكربون من ثلاثة إلى ستة في كل عشرة آلاف جزء كفيل بأن يسبب ارتفاعا في متوسط درجة حرارة سطح الأرض بأكثر من أربع درجات فهرنهايت. وكانت زيادة مماثلة في درجة الحرارة في نهاية العصر الجليدي الأخير قد تسببت في ارتفاع مستوى المحيطات بمقدار مائة قدم.

ثانيا، تنبأت محاكاة منابي بأن ثاني أكسيد الكربون سوف يحبس الطاقة الحرارية في الغلاف الجوي الأدنى. وسوف يترتب على ذلك أن يسخن سطح الأرض والمحيطات، بينما يبرد الغلاف الجوي الأعلى. يرى علماء المناخ في هذا المزيج (الأبرد في الأعلى والأسخن في الأسفل) دليلا ملموسا على التغير المناخي الناجم عن تأثير بشري. (أما الأسباب المحتملة الأخرى للاحترار العالمي ـ كأن تكون الشمس قد ازدادت سطوعا ـ فقد كانت لتسخن الغلاف الجوي كله في جميع الارتفاعات). وأخيرا، أشار نموذج منابي إلى أن الغلاف الجوي الأعلى سوف يتشوه بسبب برودته مما يتسبب في هبوط حدود الغلاف الجوي. كان ذلك الخط البياني المرسوم بالقلم الرصاص سنة 1966 أول عرض لمستقبل الأرض: سطح الأرض سوف يطبخ، والسماء ستنهار. ولد سايوكورو منابي في سبتمبر 1931 على جزيرة شيكوكو جنوبي جزيرة هونشو الكبيرة. عاشت أسرته في قرية جبلية معزولة عمل فيها والده طبيبا للقرية. في يوم بلوغ منابي الثالثة من العمر، عصف إعصار موروتو ـ وهو الأكثر دموية في تاريخ اليابان حتى ذلك الحين ـ بجزيرة شيكوكو فحطم ثلاثين ألف منزل وصرع ثلاثة آلاف شخص. استولت الأعاصير القوية على منابي في طفولته. قال لصحيفة يابانية «كانت لي ذاكرة مريعة ويد خرقاء، وكانت أفضل سجاياي هي الحملقة في السماء». حينما بلغ منابي العاشرة من العمر قصفت البحرية اليابانية ميناء بيرل هاربر الأمريكي. في عام 1944، وهو في الثالثة عشرة، شنت القوات الأمريكية إحدى أضخم حملات القصف في التاريخ مستهدفة اليابان. لم تستهدف شيكوكو ولكن أسراب القاذفات كانت تحلق فوق الجزيرة في طريقها إلى هونشو. وحينما كان زملاؤه التلاميذ يلوذون بالمخابئ، كان منابي يذاكر استعدادا للامتحان. قال لمؤرخ شفهي «من حسن الحظ أن الطائرات اكتفت بالعبور فوقنا، لأننا منطقة ريفية، ومدرسة إعدادية». في الجهة الأخرى من القناة، أمام شيكوكو، تقع هيروشيما، فكان من الطائرات التي حلقت فوق الجزيرة طائرة إينولا جاي.

يهوِّن منابي من أثر نشأته في زمن الحرب. قال «لم تتسبَّب لي الحرب في أي ضيق. ظللت أستعد لدخول الامتحان» ولكنَّه اعترف بأثر بعيد المدى «لم ينمُ بنياني بالقدر الذي كان ينبغي. كنت أعاني سوء التغذية طول الوقت». وجاء الاحتلال الأمريكي في ما بعد الحرب بالرخاء. في عام 1955، قدمت شركة تويوتا للمحركات أولى سياراتها من الإنتاج السوقي الكثيف. وفيما تعافت الطبقة الوسطى، سعت الأسر اليابانية إلى شراء «الكنوز المقدسة»: أي التليفزيون، والثلاجة، والغسالة. وفي العقود التالية ظهرت الأغذية الغربية، وازداد متوسط طول الرجل الياباني بقرابة أربع بوصات. وكان وراء هذه التطورات نمو هائل في استعمال الوقود الحفري.

تفوَّق منابي في امتحان القبول بجامعة طوكيو. كان أخوه وأبوه وجده جميعا أطباء، لكن منابي قرر أن يكون فيزيائيا. «أدركت حينذاك، ولم أكن بارعا في الرياضيات لدرجة دراسة الفيزياء الصعبة، ولست بارعا أيضا في قياس الأشياء، واستبعدت الأحياء لأني لم أكن بارعا في الحفظ». انتهى منابي إلى دراسة علم الأرصاد الجوية.

كان طالبا صبورا، يكافح ليتابع بعض محاضرات أساتذته، فدرس فيزياء الأرصاد الجوية بإيقاعه الخاص، وكان عليه أن يعيد أحد الامتحانات على الأقل. لكن حينما كان زملاؤه في الجامعة يستعملون تلك المعادلات الفيزيائية في التنبؤ بالطقس، برز فيهم بوصفه نجم القسم. ونظرا لعدم توافر أجهزة حاسوب، كان الطلبة يجرون الحسابات يدويا على ورق رسم بياني. قال لي منابي «كنت أقضي الساعات في رسم الخطوط الطبوغرافية». بدا أنه يشعر بالحنين إلى ذلك العمل: «رسم الخطوط الطبوغرافية بنفسك، يجعلك تلاحظ أشياء ما كان يمكن أن تلاحظها من قبل. ربما تكون هذه العملية البدائية جيدة، بمعنى من المعاني».

ربما استلهم منابي بحثه من عمل جوزيف سماجورينسكي عالم الحاسوب الأمريكي الرائد. عندما علم سماجورينسكي بجهود منابي كتب رسالة إلى جامعة طوكيو يطلب فيها توظيفه. سمح مشرف منابي بسفره إلى واشنطن. «لم يكن ذلك لأنني الأفضل، بل لأنني الذي يسهل استبداله». (قد يؤدي تواضع منابي الذي يصل لدرجة محو الذات إلى حجب سجله التاريخي، فزملاؤه كثيرا ما ينسبون إليه الفضل في بعض الأفكار الأساسية في عملهم، كما أن سماجورينسكي حكى أنه طلبه بالاسم).

حكى لي منابي «سافرت على متن طائرة مروحية. استغرقت نحو ثمان وأربعين ساعة» توقفت خلالها في أنكوريج وسياتل. استقبله سماجورينسكي في المطار مرتديا نظارة شمسية. كان سماجورينسكي في معرض تحويل مكتب الطقس من فرع ثانوي في وزارة التجارة ـ مشهور بعدم دقة تنبؤاته لزراعة المحاصيل ـ إلى مؤسسة بحوث المناخ الرائدة في العالم. كان والدا سماجورينسكي قد هربا من مجازر الإمبراطورية الروسية إلى الجانب الشرقي الأدنى «في نيويورك» فدرس في مدرسة ستويافيسنت الثانوية. ولما كان ماهرا في الرياضيات فقد أصبح سماجورينسكي من المقربين إلى جون فون نيومان مهندس الحاسوب الحديث. وعمل في مطلع خمسينيات القرن العشرين في أول برنامج محوسب في العالم للتنبؤ بالطقس، مستعملا حاسوب إنياك، وسرعان ما صارت تنبؤات إنياك تتفوق على مذيعي أخبار الطقس.

كان جون فون نيومان يعتقد أن التنبؤ بالمناخ قابل للتوسع إلى أن يصبح محاكاة كاملة ثلاثية الأبعاد للمناخ الأرضي مشتقة من قوانين الفيزياء الأساسية. قام سماجورينسكي بتكليف منابي بإكمال العمل. «وكان هذا مستحيلا في ضوء أدواتنا» كما حكى لي منابي. ومن أجل القيام بالتنبؤات كان على منابي أن يحل معادلات التفاضل الخطية بنفسه، وهي مهمة لم تزل حتى يومنا هذا تتحدى أجهزة الحاسوب الكبرى. لكن سماجورينسكي ظل يلتمس من الحكومة مزيدا من الموارد، ويحصل عليها ـ لدهشة منابي ـ من خلال اتباعه سياسة حافة الهاوية، فقد حكى منابي أنه «لم يذهب قط لحضور اجتماع للميزانية إلا مصطحبا استقالته في جيبه». لم يلتق منابي قط بجون فون نيومان، الذي مات في عام 1957، لكنني حينما تحدثت معه في عام 2020، ظلت تبدو عليه الدهشة من أن الفهم الحديث لتغير المناخ قد نشأ على يد رجل اخترع أيضا نظرية اللعب وعمل في مشروع منهاتن وصمم أول حاسوب رقمي حديث. قال منابي عن نموذجه المناخي «إنه لأمر مدهش بالنسبة لي أن أكون عملت على مشكلة طرحها نيومان». في مسعاه إلى تقليص تعقد المشكلة، استعمل نموذج منابي سنة 1966 متغيرا واحدا فقط. ويعزى نجاحه إلى تمثيله لطريقة تفاعل ثاني أكسيد الكربون مع الطاقة الحرارية في طبقات الغلاف الجوي المختلفة. تم تبسيط جميع المتغيرات الأخرى أو إهمالها. ومع ذلك، ستثبت هذه المحاكاة الأولية، بمرور الوقت، أن لها قدرا مذهلا من الطاقة التنبؤية. عندما رأى سماجورنسكي صعود درجة الحرارة الذي تم التنبؤ به قارنه بالضوء التحذيري الذي يظهر في لوحة القيادة في السيارة.

في عام 1968 نقل منابي وفريقه إلى جامعة برينستن، فانضم عمال سماجورنسكي في مكتب المناخ إلى الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي حديثة التأسيس. في عام 1970 سافر منابي إلى استوكهولم لحضور مثمر بعنوان «دراسة أثر الإنسان على المناخ». وبرغم النتائج التي توصل إليها منابي، لم يستطع العلماء هناك أن يحسموا أمرهم حول ما إذا كان الأرجح للأرض أن تسخن أم تبرد. في مطلع سبعينيات القرن العشرين، وقد بات منابي يستعمل جهاز حاسوب أقوى، أعاد الاشتغال على الأرقام من جديد. احتوت المحاكاة الثانية معادلات لنمذجة آثار الغطاء الجليدي وتبادل الماء بين المحيطات والسحب. وفي سنة 1975 ظهر بحث لمنابي بعنوان «آثار تضاعف تركيز ثاني أكسيد الكربون على المناخ في نموذج الدورة العامة» شاركه في كتابته عالم الأرصاد الجوية ريتشارد ويذرولد، تنبأ هذا البحث مرة أخرى بأن إحراق الوقود الحفري سوف يؤدي إلى ارتفاع متوسط حرارة الأرض أربع درجات فهرنهايت. رونالد ستوفر، عالم الأرصاد اللطيف الذي كان يعتزم في الأصل أن يكون مذيعا لأخبار الطقس في التليفزيون، انضم إلى المجموعة في برينستن سنة 1977. تذكر ستوفر أن المجموعة كانت جامعية وغير رسمية، وأن الجميع كانوا يطلقون على منابي «سوكو». منابي نفسه كان متحمسا وطيبا، وشجع الباحثين على تحدي الأفكار الرائجة. «وكان يعمل» حسبما يتذكر «لأربع عشرة ساعة في اليوم». قال لي ستوفر إنه لما وصل إلى العمل مع المجموعة كان منابي قد اقتنع أن الاحتباس الحراري الناتج عن الأنشطة البشرية حقيقي. قال ستوفر «أعتقد أن سوكي كان يعرف أن ذلك حقيقي حينما كتب بحثه سنة 1967».

كانت نماذج منابي المحوسبة سلسة وأنيقة تتمثل المفاهيم فيها بسهولة. قال باحث آخر عمل مع منابي ويدعى توم دلورث إن «كثيرا من الناس يريدون احتواء كامل تعقيد النظام المناخي، لكن ذلك يخلق تفاعلات محتملة بين المكونات، فيصعب فعلا فهم ما يجري». حكى لي دلورث أن منابي كان من مشجعي فريق برينستن لكرة السلة، وبخاصة مدربهم التاريخي بيتي كاريل الذي أنشأ «هجوم برينستن» وقاد الجامعة إلى الحصول على ثلاث عشر بطولة في دوري الجامعات. «ذلك الهجوم كان يتألف من حركات شديدة البساطة لكنها كاملة الفعالية، وتتكرر فتصقل. أعتقد أن منابي أحب ذلك الأسلوب، سواء أفي كرة السلة أم في العلم».

شجعت بحوث منابي مجموعات علمية أخرى على إجراء محاكاتهم. وتوصلت أغلبها إلى نتائج مماثلة. وبحلول عام 1979 تشكل إجماع بين علماء المناخ على أن الأرض سوف تسخن. لم يكن سجل درجة الحرارة في ذلك الوقت يعرض دليلا ملموسا على التغير المناخي، لكن برامج المحاكاة المحوسبة متزايدة التطور اكتسبت ثقة علماء المناخ. وتم تمثيل تكتيك منابي الرياضي لإظهار كيفية استجابة الضوء لثاني أكسيد الكربون في جميع النماذج. قال لي ستوفر «لم أزل أستعمله إلى اليوم بعض ذلك الترميز، منذ أوائل الستينيات».

في عام 1988، أدى جفاف طويل في غرب الولايات المتحدة إلى عقد جلسات استماع في الكونجرس حول احتمالية تغير المناخ. وأدلى منابي بشهادة، لكنه لقي التجاهل في الغالب. قال إن «شهادتي، بهذه اللكنة اليابانية الرديئة، لم تترك إلا أثرا رهيبا». أدلى جيمس هانسن، الباحث في ناسا، بشهادة في اليوم نفسه، فاستولى على الكونجرس والرأي العام بتنبؤات مريعة حول آثار الاحترار العالمي. قال منابي «كان جيم بارعا في التواصل وهو ما لست موهوبا فيه على الإطلاق».

كان هناك ما هو أكثر من حاجز اللغة. كان منابي، بكل المقاييس، يفضل العمل العلمي على العمل العام. تشكلت اللجنة الدولية للتغير المناخي في العام الذي أدلى فيه منابي بشهادته أمام الكونجرس. قال لي ستوفر «لم يكن يرغب في الذهاب إلى الاجتماعات، فدأب على أن يبعثني بدلا منه». في حوارات في التسعينيات، لم يبد منابي قاطعا حيال الضغط على البلاد لتقليل إحراق الوقود الحفري. فقد قال في عام 1998 إن «شعوري الشخصي هو هذا، حسن، الآن تضاعف ثاني أكسيد الكربون أربع مرات والعمل جار على النحو المعتاد، إذن سيكون التغير المناخي ضخما بحيث أعتقد أنه سيقترب من أيام العصر الطباشيري، لكن حتى في هذه الحالة قد يستطيع الجنس البشري أن تتكيف مع البيئة». تساءلت لماذا لم يضغط منابي أكثر من أجل عمل بيئي. قال إنه لا يرتاح كثيرا إلى الظهور، ولكن حينما طرحت السؤال على ستوفر وجدت إجابة أخرى. «لقد فكرت بضع مرات لكي أقول لك هذا. لكنني أتذكر حديثي إلى سوكي، فوجدت أنه، من وجهة نظر علمية، لا يريد أن يفعل أحد أي شيء، أراد أن يرى إن كان نموذجه مصيبا».

(أنكر منابي أن يكون هذا هو شعوره. «يتفق الجميع على أننا لا بد أن نفعل شيئا، لكني أعتقد أن السؤال الصعب يتعلق بتحديد كيفية فعل شيء، ما الذي ينبغي أن نفعله حقا حيال تغير المناخ. اهتمامي الأساسي هو أن أفهم هذه الظاهرة باستعمال نموذج مناخي»). كان نموذج منابي مصيبا. فتركيز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي الآن أربعة أجزاء في كل عشرة آلاف جزء ويرتفع. ومتوسط درجة الحرارة العالية ارتفع بقرابة درجتين فهرنهايت منذ أول نشر لنتائج منابي، وأعلى عشر سنوات حرارة مسجلة هي المنصرمة منذ 2005. وفي وقت سابق من عام 2021، نشرت ناسا نتائج مسح بالقمر الصناعي طوال ثلاثين سنة للغلاف الجوي القطبي من ارتفاع يبلغ نحو خمسين ميلا. درجات الحرارة هناك تنخفض بنحو خمس درجات في العقد، والطبقة بأكملها تتقلص. لقد بردت القمة، وسخن القاع. قال ستوفر «لقد أراد سوكي دائما أن يكون الأول، وأراد دائما أن يكون المحق. ولقد حقق الأمرين».

في القسم الأخير من مسيرته المهنية، وجه منابي انتباهه إلى آثار الاحتباس الحراري من الدرجة الثانية. مع ارتفاع درجة الحرارة، يتبخر الماء بمزيد من السرعة. وهذا يعني في المناطق المدارية أن تزداد الأعاصير عددا وعنفا، ويعني في المناطق القاحلة فترات أطول من الجفاف. وحينما تكلمت مع منابي وجدته قلقا. «في الهند وبنجلاديش، هذه العواصف شديدة الخطورة، لكن الأمر الذي يثير قلقي أكثر مما عداه هو الجفاف. وكل هذه الحرائق! وفي أفريقيا، وبخاصة في الساحل، يظل الناس ينتظرون المطر التالي. ربما لا يكون بالإمكان ممارسة الزراعة هناك». أشرت إلى أن الأعاصير ونقص الغذاء قد أثرا عليه في طفولته. قال «لقد عشت زمنا طويلا».

في يوم الاثنين السادس من ديسمبر «2021» تسلم منابي جائزة نوبل في حفل أقامته الأكاديمية الوطنية للعلوم في واشنطن. وأذيعت محاضرته بهذه المناسبة في ستوكهولم يوم الأربعاء، وفيها كرر تحذيره. لقد ازداد حجم القوة الحاسوبية مرات كثيرة منذ حقبة ستريتش، فأجهزة الترانزستور الحديثة من آي بي إم أصغر من خيط الحمض النووي البشري. لكن نطاق التنبؤ بالآثار المناخية لم يتغير إلا قليلا عما كان عليه في أولى تنبؤات منابي. «يمكني القول إنه برغم بدائية الأدوات الشديدة وفقا لمعاييرنا اليوم، فإنه قطع ثمانين في المائة من الطريق بها» كما قال لي جيفن شميدت عالم المناخ الرائد في ناسا. «كل ما فعلناه منذ ذلك الحين لا يعدو زيادة أو نقصا بنسبة عشرة في المائة». إن نماذج المناخ الحديثة تعرض تأثيرات الاحتباس الحراري بتفصيل مدهش، ولم نعد بحاجة إلى محاكاة منابي الحاسوبية، لأننا بتنا نعيش فيها.

* تم تحديث هذه المقالة بعد النشر الإلكتروني لتتضمن تعليقا من منابي عن العمل من أجل مواجهة التغير المناخي.

* نشرت المقالة في ذي نيويوركر بتاريخ 10 من ديسمبر 2021