ترجمة

البعث الغريب لسيف الإسلام القذافي

12 ديسمبر 2021
12 ديسمبر 2021

قبل أسابيع ظهر سيف الإسلام القذافي، نجل الراحل معمر القذافي ووريثه القديم الظاهر في مدينة سبها الصحراوية الجنوبية. ظهر سيف الإسلام بعد غيابه لسنوات عديدة، مرتديا في ظهوره الأخير ثيابا كالثياب التي تميز بها والده، فإذا أمعنت النظر فيه بدا لك أشبه ما يكون بالقذافي.

رجع القذافي الابن، بعد اختبائه طوال أربع سنوات ليشارك في الانتخابات الرئاسية الليبية المقرر إجراؤها عشية الكريسماس من العام الحالي. منذ أن انتهت حرب ليبيا الأهلية رسميا بهدنة في أكتوبر من عام 2020، تسعى الأمم المتحدة إلى صياغة عملية سلام تتيح لليبيين إقامة انتخاباتهم الوطنية الأولى منذ سبع سنين.

وضعت الأمم المتحدة خارطة طريق للحيلولة دون قيام نخبة ليبيا السياسية الراهنة بموجب الوضع القائم، والمعروفة بالإفساد، ببسط نفوذها على العملية الانتخابية. غير أن سوء إدارة الأمم المتحدة شهدت إعاقة منتدى الحوار السياسي الليبي مما أتاح المجال لمجلس النواب الليبي ـ وهو برلمان شرق ليبيا ـ أن يدفع من جانب واحد إطارا انتخابيا مثيرا بشدة للشقاق.

في ظل هذا التشريع سوف تأتي الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية في الرابع والعشرين من ديسمبر وتليها جولة ثانية وانتخابات برلمانية في العام التالي مع احتفاظ مجلس النواب بكامل السيطرة على الجدول الزمني. وهذا النهج المترنح يعني أن تكون نخبة ليبيا قادرة على التدخل وتقويض الانتخابات إذا لم تجر الأمور على هواها.

برغم الإدانة القوية في أرجاء كثيرة والشكوك المحيطة بما إذا كان التصويت سيجري بالفعل، يتحوط أصحاب النفوذ في ليبيا في مراهناتهم. فالوزراء السابقون ورجال الأعمال والدبلوماسيون وقادة الجيش ألقوا قبعاتهم في الحلقة الرئاسية. ومن هؤلاء خليفة حفتر قائد الجيش المثير للجدل الذي قاد هجمة فاشلة على طرابلس في 2019-2020 والذي سبق أن أوضح مطامحه الاستبدادية.

غير أن ترشح حفتر الرئاسي لا يطاول في إثارته للجدل ترشح سيف الإسلام القذافي، وهو ثاني أبناء القذافي وداعمه خلال الثورة الليبية. اعتقلت كتيبة مناهضة للقذافي مقرها مدينة الزنتان سيف الإسلام القذافي في عام 2011، واحتجزته في الجبال لسنين برغم أن المحكمة الجنائية الدولية أرادت محاكمته في لاهاي لاتهامه بارتكاب جرائم حرب وبرغم أن محكمة في طرابلس حكمت عليه بالإعدام غيابيا. ويتردد أن سيف الإسلام نجا من محاولة اغتيال وهو في السجن ثم زعمت سلطات الزنتان سنة 2017 أنها أطلقت سراحه لكنه لم يظهر لسنين في العلن. وترددت همسات عن رجوع سيف الإسلام، ولكن أحدا لم يعرف على وجه اليقين إن كان ميتا أم حيا. وظل الوضع كذلك إلى أن نشرت نيويورك تايمز حوارا معه في هذا العام استعمل فيه لغة مبتذلة لتوضيح استراتيجيته السياسية قائلا: "أنا بعيد عن الشعب الليبي منذ عشر سنين. وعلى المرء أن يرجع ببطء، ببطء.. عليه أن يتلاعب قليلا بعقولهم".

يحظى سيف ببعض التأييد من الأوساط المؤيدة للقذافي في ليبيا، برغم أنه بعيد عن السياسة منذ قرابة العقد. لكن فرص فوزه في الانتخابات ضئيلة. فبرغم فوضى السنوات العشر الماضية، لا يشعر الشعب الليبي بحنين يذكر إلى عصر القذافي ولا تزال الأيديولوجيات الثورية قوية بصفة عامة. وحينما انتشر خبر ترشحه، قامت جماعات مسلحة في مدن غربية كبيرة مثل طرابلس وزاوية ومصراتة برفع السلاح متجهة إلى مراكز الاقتراع رافضة بوضوح إجراء الانتخابات في ديسمبر.

وفي حين أن أهلية سيف الإسلام القانونية في الترشح للرئاسة في ظل القانونين الليبي والدولي سوف تظل موضع نزاع ملتهب، فإن أغلب الغضب على ترشحه مدفوع بغضب أخلاقي على السماح لشخص أرهب المدنيين منذ ثورة 2011 بالترشح لهذا المنصب. ولعل الغربيين يتذكرون القذافي الأب وهو محاط بحرسه الشخصي من النساء، يلقي في الأمم المتحدة خطبا قد تطول الواحدة منها لتسعين دقيقة يتكلم فيها عن قتل الإسرائيليين لجون كينيدي، ولكنه بالنسبة لليبيين، كان المهندس متقلب المزاج لعهد لم يشعر أحد خلاله بالأمان، ولو قدر لابنه أن يحكم ليبيا مرة أخرى فسيكون هذا للكثيرين رمزا لرجوع تلك الأيام السوداء.

في الواقع، ليس سيف الإسلام منافسا رئاسيا، وإنما هو تحت تأثير لاعبين أقوياء راغبين في تقويض العملية الانتخابية. والمشاركون في السباق الانتخابي الليبي مثل حفتر وغيره من المنتمين إلى النظام يرون فيه شخصا يمكنهم التعاون معه للحصول على مزايا تصويتية. وخارج ليبيا، يشتبه في أن تكون روسيا هي التي جهزته منذ سنين للرئاسة. في 2019 وصل استشاريان انتخابيان روسيان إلى ليبيا ومعهما تحليل انتخابي يشير إلى إن سيف الإسلام من أكثر المرشحين شعبية في البلد. وقدما سيف الإسلام في عرضهم: "سيف القذافي. إحياء ليبيا. استراتيجية". بدوره، تردد أن سيف الإسلام أخبر الرجلين بأن لديه أوراق ضغط على ساسة غربيين تلقوا من عائلته إسهامات في حملاتهم الانتخابية. ولا يعرف إن كان شيء قد نجم عن لقاء الروسيين وعرض الباوربوينت الذي قدماه. فبعد وقت قصير من اتجاههما إلى شقتهما في طرابلس اعتقلتهما الحكومة القائمة آنذاك. لكن بالنسبة إلى موسكو لا يمثل سيف مرشحا جادا، ولكن يمكنهم من خلاله إدارة الأحداث في البلد والتحكم فيها.

جاء ترشح سيف الإسلام ليصب نفطا على نيران الانتخابات. فالأطراف الليبية والخارجية التي كانت تسعى بالفعل إلى تأجيل الانتخابات أو إخراجها عن مسارها سوف تستعمل هذا مبررا لعجزها عن المضي قدما في الرابع والعشرين من ديسمبر.

لكن سواء أجريت الانتخابات أم لا، وسواء أبلى فيها سيف الإسلام بلاء حسن أم سيئا، فإن الاحتمالات غير مواتية لليبيا لتحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي. ولن يتم لها ذلك إلى عند التوصل إلى إجماع حول أفضل السبل لمعالجة المتاهة الخطرة الفوضوية من المؤسسات شبه السيادية والميلشيات المنتشرة والكيانات المالية المتشعبة المسماة بالدولة الليبية.

• عن صحيفة سبكتيتور