No Image
العرب والعالم

ما المستقبل الذي ينتظر أطفال غزة بعد نصف عام من حرب الإبادة؟

07 أبريل 2024
07 أبريل 2024

تجهش بالبكاء وهى تحتضن ملابس طفلها الذي اغتالته طائرة استطلاع صهيونية بينما كان يلعب بجوار خيمة النزوح بمنطقة المواصي شمال مدينة رفح: " لقد كان صائمًا ينتظر موعد الإفطار على أحر من الجمر، سألني أكثر من مرة عن نوع الأكل الذي سنتناوله، كنت ابتسم وأحتضنه وأقول له: هانت بقي ثلاث ساعات وسنفطر" سكتت فجأة وعاودت البكاء: " لقد قطف الاحتلال الإسرائيلي طفولته دون سابق إنذار، نزحنا أربع مرات منذ بدء الحرب على قطاع غزة، فكانت قبلتنا الأخيرة إلى المكان الذي حُدد بأنه مكان آمن، لكن جيش الاحتلال كعادته يدعي الكذب لقد قتلوه بدم بارد، لماذا يقتلون الأطفال هكذا؟ لماذا يصمت المجتمع الدولي على أفعالهم؟ من حقنا أن نعيش بأمان لقد أرهقتنا الحرب وأوجعتنا آن الأوان أن يتم إيقاف هذه الحرب، لا أتمنى أن تفقد النساء أطفالهن كما حدث معي، أشعر أن قلبي قد انفطر وما عادت حياتي لها أي قيمة"

واصلت البكاء وعم الصمت في المكان، هكذا كان حال السيدة فاطمة وهو حال العديد من النساء المكلومات في غزة من فقدن أبنائهن، إخوانهن، أزواجهن، لا يوجد بيت في غزة من شمالها حتي جنوبها إلا وقد ذاق مرارة الفقد والحرمان.

حرب حصدت الأخضر واليابس وحولت غزة إلى خراب بعد أن كانت تضج بالحياة والهدوء.

كانت تقف أمام بائع المجوهرات تحمل بين يديها بعض القطع الذهبية تستفسر عن أسعار الذهب التي هبطت بشكل كبير بسبب الحرب، لكن البائع أخبرها أنه لا يمتلك المال، فقد نفذت الأموال من غزة بالكامل نتيجة تدمير العديد من محلات الصرافة والبنوك.

كنت أراقبها عن بعد فحالها كحال صديقتي التي فشلت في بيع مصاغها بسبب شح سيولة الأموال.

جاءت ووقفت بجواري أخبرتني أنها بحاجه إلى المال بشكل ضروري؛ لأنها ترغب في السفر برفقة أطفالها الصغار " إنني أعيش كابوسًا مزعجًا خوفًا من فقد أطفالي، أبكي بشدة كلما سمعت عن نبأ استشهاد طفل، احتضنهم طوال الوقت، هؤلاء الأطفال لا ذنب لهم ليعيشوا هكذا حياة، نقص في الأمان، الماء، الدواء، العلاج، السكن الآمن، كان من المفترض أنهم على أبواب إنهاء عامهم الدراسي في مثل هذه الأيام لكن الحرب أوقفت كل شيء فلا أفق ولا مستقبل واضح ينتظرهم لقد خسروا عامهم الدراسي وقُصفت مدرستهم بالكامل وسويت بالأرض"

خسائر الحرب كبيرة جدًّا على جميع الأصعدة، لقد حصدت أكثر من 33.000 شهيد جلهم من الأطفال والنساء.

كما بات آلاف من الأطفال دون مأوى بعد نزوحهم من ديارهم بل وأصبحوا غير قادرين على استكمال دراستهم التعليمية فانتهى العام الدراسي قبل أن يبدأ أي بعد دوام لمدة شهر ونصف تقريبًا أي قبل السابع من أكتوبر.

وفي هذا السياق وبعد مرور ستة أشهر على الحرب صرحت وزارة التربية والتعليم أن: " أكثر من 6050 طالبًا استُشهدوا و408 مدارس تعرضت للقصف والتخريب منذ بداية العدوان حتى اللحظة كما أن هناك قرابة 600 شهيد من قطاع التعليم العالي في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر

فيما تضرر حوالي 68 من مباني التعليم العالي بينها 25 مبنى دمرت تدميرًا كاملًا"

وفي تصريح آخر صدر عن رئيس الهيئة الوطنية للاعتماد والجودة والنوعية لمؤسسات التعليم العالي الدكتور معمر شتيوي: "إن حرب الإبادة قد استهدفت التعليم في غزة بشكل مباشر مما يؤثر على أكثر من 625 ألف طالب و22 ألف معلم إضافة إلى فقد حوالي 88 ألف طالب وطالبة من مجمل طلبة التعليم العالي في قطاع غزة التعليم بشكل كامل، هذا وقد صرح شتيوي أن حجم الخسائر في المباني فقط بعيدًا عن المحتويات والتجهيزات والتقنيات بلغ ما يقارب 137 مليون دولار".

ومن المعلوم إنه منذ بداية الاجتياح البري لقطاع غزة وقوات جيش الاحتلال الإسرائيلي تستخدم العديد من المدارس كمراكز للاعتقال والتحقيق والتعذيب وكقواعد عسكرية لها، فيما اسُتخدمت بعض المدارس الأخرى كأماكن للنزوح تضم الآلاف من النازحين تحديدًا في مناطق جنوب قطاع غزة.

هذا ويواجه أطفال المدارس الفلسطينية والمعلمون في غزة محنة مظلمة بسبب استهدافهم بشكل متعمد من قبل قوات الاحتلال الإبادية فقد أوضحت البيانات الصادرة عن وزارة التربية والتعليم العالي استشهاد ما يقرب من 6 آلاف طالب وطالبة، وجرح 10 آلاف آخرين كما استشهد 264 معلمًا ومعلمة، وجُرح حوالي 1000 آخرون فيما تعرضت 212 مدرسة لضربات مباشرة من قبل الطائرات والمدافع الإسرائيلية.

لقد أدت الحرب الإبادية الهمجية المتواصلة للشهر السادس إلى وضع كارثي في قطاع غزة لا يمكن وصفه وإن الصورة مروعة، ويعاني كافة المواطنين في القطاع من انعدام الأمن الغذائي، منهم 1.1 مليون مواطن يواجهون مستويات كارثية، حيث فقد أكثر من ثلاثة وعشرون طفلًا حياتهم من الجفاف وسوء التغذية أمام نظر العالم أجمع وتوقف العمل في 83% من آبار المياه الجوفية، وكذلك الأمر لأنظمة معالجة مياه الصرف الصحي التي توقفت عن العمل بالكامل فأي مستقبل ينتظر أطفال غزة بعد كل هذا الخراب والدمار؟.

وفي سياق متصل دمرت آلة الحرب الإسرائيلية أكثر من 70% من الوحدات السكنية ما بين تدمير كلي أو جزئي، ولا يعمل سوى 24% من مراكز الرعاية الصحية الأولية، واثني عشر مستشفى من أصل 36، تحت ضغط هائل وبنقص حاد ويضاف إلى ذلك الأضرار التي لحقت بالبنية الأساسية والكهرباء وشبكات التوزيع وأنظمة الطاقة الشمسية ونقاط توصيل الكهرباء إلى القطاع.

لقد آن الأوان للعمل بشكل جماعي، بما يتماشى مع القانون والمواثيق الدولية والإنسانية، لوقف حرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل على شعبنا الفلسطيني ووضع حد لاحتلالها الاستعماري غير القانوني مع ضرورة أن تكون هناك مساءلة وعواقب على الانتهاكات الخطيرة التي ترتكبها بما في ذلك فرض حظر تصدير الأسلحة إلى إسرائيل، وتطبيق عقوبات عليها بهدف وقف انتهاكاتها المنهجية لحقوق الإنسان وخروقاتها الجسيمة للقانون الدولي، ويجب العمل على اتخاذ جميع التدابير اللازمة لفرض امتثال إسرائيل للقانون ولضمان حماية شعبنا الفلسطيني وحقوقه غير القابلة للتصرف، بما في ذلك حق تقرير المصير والاستقلال كما يجب على دول العالم الضغط على دولة الاحتلال الإسرائيلي لتطبيق قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2728 والذي يدعو إلى وقف حرب الإبادة الإسرائيلية في غزة.

د. حكمت المصري كاتبة فلسطينية من غزة