رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري خلال ترأسه الجلسة البرلمانية، امس.         رويترز
رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري خلال ترأسه الجلسة البرلمانية، امس. رويترز
العرب والعالم

لبنان يتوجه لانتخابات برلمانية في مارس مع تفاقم الانهيار الاقتصادي

19 أكتوبر 2021
محللون: قوى سياسية تعرقل التحقيق بانفجار بيروت
19 أكتوبر 2021

بيروت - (وكالات): قالت مصادر برلمانية لرويترز إن مجلس النواب اللبناني صادق امس الثلاثاء على موعد الانتخابات التشريعية في 27 مارس مما يترك لحكومة رئيس الوزراء نجيب ميقاتي بضعة أشهر فقط لمحاولة تأمين خطة إنعاش من صندوق النقد الدولي وسط انهيار اقتصادي.

وتفاقمت الأزمة المالية في لبنان، التي وصفها البنك الدولي بأنها من أشد حالات الكساد في التاريخ الحديث، بفعل أزمة سياسية مستمرة منذ أكثر من عام قبل أن يشكل ميقاتي حكومة مع الرئيس ميشال عون.

وفقدت العملة اللبنانية 90% من قيمتها وانزلق ثلاثة أرباع السكان إلى براثن الفقر وأصبحت الحياة اليومية معاناة متصلة بسبب نقص السلع الأساسية مثل الوقود والأدوية.

وتعهد ميقاتي، الذي تركز حكومته على انعاش المحادثات مع صندوق النقد الدولي، بضمان إجراء الانتخابات دون تأخير وحثت حكومات غربية على ذلك.

لكن خلافا حول التحقيق في انفجار مرفأ بيروت العام الماضي الذي أودى بحياة أكثر من 200 شخص ودمر أجزاء كبيرة من العاصمة بيروت يهدد بالإطاحة بهذه الحكومة.

فقد طالب وزراء، تربطهم صلات بسياسيين طلب قاضي التحقيق طارق البيطار باستجوابهم في الانفجار، الأسبوع الماضي بإبعاده عن التحقيق.

وقال ميقاتي بعد ذلك إن الحكومة لن تعقد اجتماعا آخر حتى يتم التوصل إلى اتفاق لحل هذه المشكلة.

وقال محمد مرتضى وزير الثقافة، الذي تردد أنه انتقد أسلوب تعامل البيطار مع التحقيق ووصفه بأن له دوافع سياسية، للصحفيين إنه سيحضر أي اجتماع للحكومة يدعو له ميقاتي.

ونفى المرتضى تقارير عن أنه طالب بعزل البيطار وقال إنه أبدى فقط بعض الملاحظات على أدائه.

وشهدت بيروت يوم الخميس الماضي أسوأ أعمال عنف بالشوارع في أكثر من عشر سنوات عندما قُتل سبعة من الشيعة بينما كانت حشود في طريقها لاحتجاجات ضد القاضي البيطار دعت إليها جماعة حزب الله، وحليفتها حركة أمل.

وأعادت إراقة الدماء للأذهان ذكريات الحرب الأهلية التي دارت رحاها في البلاد بين عامي 1975 و1990.

وتقدم موعد الانتخابات، التي كانت مقررة في مايو، لتجنب إجرائها خلال شهر رمضان.

وعندما يشكل البرلمان الجديد ستعمل حكومة ميقاتي كحكومة تصريف أعمال حتى يجري التصويت بالثقة على رئيس وزراء جديد يكلف بتشكيل حكومة.

التهرب من المساءلة

على الرغم من خلافاتها حول مواضيع عدة، تتّفق قوى سياسية رئيسية في لبنان على عرقلة التحقيق القضائي في قضية انفجار بيروت المروّع الذي من شأنه أن يعّرضها للمساءلة، وفق محللين.

ولا تتردّد بعض هذه القوى في الإقدام على خطوات سياسية وقضائية وحتى استخدام الشارع، لوقف المسار القضائي الحالي الذي يقوده المحقق العدلي القاضي طارق بيطار، رغم المخاطر التي ينطوي عليها تحريك الشارع على السلم الأهلي.

فمنذ انفجار المرفأ الذي أودى في 4 أغسطس بحياة 214 شخصاً على الأقل وتسبب بإصابة اكثر من 6500 آخرين ودمار أحياء واسعة من العاصمة، لم يحرز التحقيق المحلي أي تقدّم، بعد أن رفضت السلطات تحقيقاً دولياً.

وعزت السلطات الانفجار عند وقوعه الى تخزين كميات هائلة من نيترات الأمونيوم بلا إجراءات وقاية، وتبين لاحقاً أن مسؤولين على مستويات عدة كانوا على دراية بمخاطر هذا التخزين ولم يتحركوا.

خلال الأشهر الماضية، اصطدمت محاولات المحقق العدلي طارق بيطار وسلفه فادي صوان لاستجواب مسؤولين سياسيين وأمنيين، بتدخلات سياسية ودعاوى قضائية علقت التحقيق مرتين، ورفض المدعى عليهم المثول أمامه، قبل أن يدعو حزب الله، الرافض الأساسي لعمل بيطار، وحليفته حركة أمل، الى تظاهرة للمطالبة بتنحي بيطار تطورت الى أعمال شغب وإطلاق نار أوقع سبعة قتلى.

وتقول مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مركز "تشاتام هاوس" لينا الخطيب لوكالة فرانس برس "تتفق الطبقة الحاكمة في لبنان على الرغبة بالتخلي عن تحقيق المرفأ وستستخدم الوسائل المتاحة كافة لعرقلة مساره".

وإن كانت قوى سياسية رئيسية بينها تجمّع رؤساء الحكومات السابقين تنتقد أيضا عمل بيطار، إلا أن حزب الله، القوة العسكرية والسياسية الأبرز في البلاد، يقود الحملة ضده، متهماً إياه بـ"تسييس" التحقيق و"الاستنسابية" في الادعاء على مسؤولين، مطالباً بقاض "صادق وشفاف" لاستكمال التحقيق.

ومنذ ادعائه على رئيس الحكومة السابق حسان دياب وثلاثة وزراء سابقين من حلفاء حزب الله، إضافة الى أمنيين، يواجه بيطار ضغوطاً سياسية متزايدة يخشى مراقبون أن تؤدي الى عزله على غرار سلفه فادي صوان الذي نُحي في فبراير بعد ادعائه على مسؤولين سياسيين.

وتندد منظمات حقوقية وذوو الضحايا بالتدخلات السياسية التي تعرقل التحقيق وبتخلّف مسؤولين عن حضور جلسات استجوابهم، مبدين خشيتهم من أن يكّرّس هذا السلوك مبدأ "الإفلات من العقاب" السائد في لبنان.

ويشرح المدير التنفيذي للمبادرة العربية للإصلاح نديم حوري لوكالة فرانس برس "قررت شريحة من المجتمع أنها تريد المضي قدمًا وطلب الحقيقة"، لكنها تواجه "طبقة سياسية مستعدة لاستخدام التهديدات والعنف وحتى إطلاق حرب أهلية أخرى، للحؤول دون أن يؤدي هذا السعي من أجل الحقيقة الى نتيجة".

"سيادة القانون"

وتشعر الطبقة السياسية، وفق حوري، بأنها مهددة في ما يصفه بـ"معركة أساسية في لبنان من أجل سيادة القانون".

وشكّل إصدار بيطار مذكرة توقيف غيابية بحق وزير المال السابق علي حسن خليل، عضو حركة أمل التي يتزعمها رئيس البرلمان نبيه بري، بعد تخلفه عن حضور جلسة استجواب، شرارة أثارت غضب الحركة وحزب الله. وأتت مذكرة التوقيف بعد رفض محكمة التمييز كف يد بيطار عن التحقيق.

ولم تثمر ضغوط حزب الله وحلفائه في دفع حكومة الرئيس نجيب ميقاتي الأسبوع الماضي الى تبني مطلب تنحية بيطار، الأمر الذي أطاح بجلسة للحكومة ويهدد بعرقلة عملها بعد شهر من تشكيلها في خضم انهيار اقتصادي غير مسبوق. فانتقل التوتر الى الشارع.

"ثمن باهظ للغاية"

وتخشى الطبقة السياسية، وفق حوري، من أن يشكل تقدّم التحقيق حول انفجار المرفأ "سابقة" بعد نظام سياسي كرّس "الإفلات من العقاب منذ نهاية الحرب الأهلية". ويرى أن أركانها "بغض النظر عما سيتوصل إليه بيطار، يقاومون احتمال أن يخضع أي منهم للمساءلة".

ويعرب حوري عن اعتقاده بأن حزب الله، من خلال قيادته الحملة ضد بيطار، "يتصرّف كما لو أنه الحرس الامبراطوري للنظام القائم منذ التسعينات".

وتقول الخطيب إن مكونات الطبقة السياسية "قد تتباين في السياسة لكنها تتحد في الاستفادة من النظام.. ومن هنا معارضتها أي خطوات لإصلاحه أو لتكريس المساءلة داخله".

غداة المواجهات في بيروت، أعلن المتحدّث باسم عائلات ضحايا الانفجار ابراهيم حطيط المقيم في الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل حزب الله، تخليه عن مهامه، داعياً بيطار الى التنحي. ورجح كثيرون تعرضه لضغوط.

وفضّل لبنانيون كثر شاركوا في التحرّكات الشعبية ضد الطبقة السياسية منذ انطلاقها في 17 أكتوبر 2019 ملازمة منازلهم الأحد في الذكرى الثانية لهذه الاحتجاجات، خشية حصول صدامات.

وتعرب الخطيب عن اعتقادها بأن "الطبقة الحاكمة تريد دفع اللبنانيين الى الاستنتاج بأن ثمن المساءلة باهظ للغاية".