No Image
العرب والعالم

الولادة في ظل حرب الإبادة.. معاناة تضاف إلى سجل نساء قطاع غزة

31 مارس 2024
31 مارس 2024

صراخ هالة وصل ذروته بين خيام النازحين، حالة من الهلع أصابت الجميع، عم الصمت، وفي ظل العجز، والخوف، والحيرة، الكل يتساءل عن السبب، قامت الحاجة أم سامي بالتوجه للسيدة رغم الخطر المحدق جراء القصف الإسرائيلي للمنطقة، وكما توقعت هي وبقية نساء المخيم بأن السيدة تعاني من آلآم المخاض، لم يكن سهلًا الذهاب إلى المستشفى الذي يبعد كيلومترات من المكان، تم الاتصال بالإسعاف والصليب الأحمر مرارًا وتكرارًا ولكن دون جدوى، هكذا قالت الحاجة أم سامي.

«لم يكن أمامي سوى تقديم المساعدة حتى لو لم تكن لدي خبرة في هذا المجال، للضرورة أحكام طلبت من النساء اللواتي حضرن تجهيز الماء الساخن وملابس الطفل، وبأدوات بدائية في ظل ظروف غير اعتيادية وغير صحية تمامًا، فالضرورات تبيح المحظورات قمت بإعطاء بعض الإرشادات للسيدة واستقبلت الطفل بعد ساعة، وعلى صراخ الطفل القادم توالت الزغاريد بعد الاطمئنان على والدته، قمت بقص الحبل السري بسكين ومن ثم ربطه بخيط، أخرجت المشيمة، وجلست بجوار امرأة لمدة ساعتين حتى تأكدت بأنها بخير وعلى ما يرام.

تكرر هذا المشهد في مكان آخر، حيث اضطرت الشابة دعاء إلى توليد زوجة شقيقها دون إمكانات سوى مياه تم تسخينها في تنكة حديدية بعد إشعال الكرتون التالف بسبب عدم توفر الخشب، ومشبك الغسيل لمسك الحبل السري لمولودة جديدة في ليلة حالكة السواد واشتباكات في مدينة خانيونس، قالت الشابة: «لقد أطلقت اسم سلام على الطفلة الصغيرة لعل وعسى أن يعم السلام الدائم على قطاع غزة».

أضافت دعاء: «لم أنم طوال الليل كنت أخشى أن تحدث مضاعفات لزوجة أخي بعد الولادة لعدم توفر أدوات معقمة، لكن الأمور تيسرت بفضل الله».

وفي مشهد ثالث، وداخل منزل تحاصره قوات الاحتلال قرب مستشفى الشفاء بمدينة غزة تُسمع صرخات امرأة مع بداية مخاضها، والجميع حولها في حيرة من أمرهم، عاجزون عن تقديم الإسعاف للسيدة وجنينها، خوف ورعب وقلق، تجمدت أفكار الموجودين، كيف لإنسان أن يتخيل وضعا كهذا، حرب وقصف ومستشفى على بعد أمتار، لكن الأمور كانت أصعب مما يتخيلها أحد، بعد ساعة من محاولة استطاع أحد الشباب الموجودين بالمكان الاتصال بطبيبة من خارج الوطن، كان ذلك في الساعة الثالثة والنصف بعد منتصف الليل حتى تساعدهم، بقيت الطبيبة على الهاتف تشرح لسيدة من الموجودات خطوات التوليد، وهي إخراج الطفل من رحم أمه تدريجيًا، أخد نفس عميق مع مجيء الطلقة، ومن ثم الدفع للأسفل، تمت الولادة على خير استقبلت المولودة من قبل جدتها ويداها ترتعشان من هول وصدمة الموقف الغريب العجيب، واصلت الحاجة استقبال التعليمات للتخلص من المشيمة ثم قطع الحبل السري بمقص منزل بعد ربطه بخيط، تدليك أسفل البطن بحركات دائرية للتأكد من عدم حدوث المضاعفات، استمرت الطبيبة بالحديث عبر الهاتف أثناء تنفيذ المهمة، نجحت السيدة بمهمتها وكان قد اطُلق اسم الطبيبة على المولودة تقديرًا لجهودها.

لم يكن وضع ريم أفضل حالًا فقد نزحت من شرق مدينة غزة، في خيمة برفح، كما أنها نزحت من غزة قبيل موعد ولادتها بفترة بسيطة؛ كي تلد في مستشفيات الجنوب، لكنّها لم تتخيل الكابوس الذي كان ينتظرها.

تجلس ريم اليوم على أرض الخيمة المتواضعة وفي حضنها رضيع بملامح جميلة، ويرتدي ملابس رثّة وأكبر حجمًا من جسده الصغير، وبجانبها أربعة أطفال تبدو على أجسادهم آثار عدم النظافة وسوء التغذية.

ولادة قيصرية اضطرت ريم إلى مغادرة المستشفى فور ولادتها إلى خيمة صغيرة.

تقول ريم وهي تروي ما مرّت به: «لم أستطع الحصول هنا على طعام جيّد أو راحة قبيل ولادتي، إضافة لشعوري بالخوف الشديد من الولادة تحت القصف المستمر، وفي هذه الظروف القاسية دون زوجي الذي بقي في شمال غزة، عندما جاءني المخاض ليلًا ذهبت برفقة والدتي إلى المستشفى الإماراتي في رفح».

وتسرد شاردة الذهن وكأنها عادت إلى تلك الليلة القاسية: «عادة ما أحصل على «بنج» موضعيّ مثل بقية ولاداتي السابقة، ولكن هذه المرة دفعوني للولادة بلا مُسكّن للألم، واستمر المخاض 7 ساعات متواصلة، وتسارعت دقّات قلبي، شعرت كما لو أنني سأموت، حتى خرج رأس طفلي إلى الحياة».

وتابعت: «هل تُصدِّقين إذا قلت لك إنني لا أتمنى لأي امرأة أن تمرّ بهذه التجربة؟ لا زلت أشعر بمشرط الطبيب يقطع أسفل بطني، لقد رأيت الموت حرفيًا».

وما إن أنجبت ريم طفلها، حتى طلب منها الأطباء مغادرة المستشفى، دون أن تحصل على راحة أو تنتظر حتى يتوقف نزيفها. وفي الخيمة استمرت فصول معاناتها جرّاء عدم توفر الغذاء الصحي ما دفع والداها للتنقل من مكان إلى آخر للحصول على نصف كيلوجرام من اللحم باهظ الثمن.

وبحسب تقرير صدر عن وزارة الصحة الفلسطينية، هناك أكثر من 50 ألف امرأة حامل تفتقر في مراكز الإيواء ومخيمات النزوح إلى الغذاء المناسب والرعاية الصحية المناسبة والآمنة. ومن المرجح أن تعاني 15% منهن من مضاعفات في الحمل والولادة ويحتجن إلى رعاية طبية إضافية غير متوفرة.

والجدير ذكره هنا أن المرأة الفلسطينية وخاصة في قطاع غزة تتعرض لأسوأ كارثة إنسانية، من القتل والتشريد والاعتقال والإجهاض والأوبئة والموت جوعًا نتيجة العدوان الإسرائيلي. فقد تعمد الاحتلال الإسرائيلي في حربه الوحشية قتل أكثر من 9 آلاف سيدة في قطاع غزة، منهن آلاف الأمهات والنساء الحوامل والعاملات في المهن الصحية.

كما أن هناك أكثر من 60 ألف امرأة حامل في قطاع غزة يعانين من سوء التغذية والجفاف وانعدام الرعاية الصحية المناسبة.

وفي هذا السياق أوضحت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين ‏الأونروا أن «63 امرأة يقتلن يوميا في قطاع غزة بينهن 37 أما يتركن عائلاتهن».

وتشير التقديرات أيضًا إلى أن نحو 166 ولادة غير آمنة تسجل يوميًا ومن المتوقع أن تلد 5500 امرأة الشهر المقبل في قطاع غزة، في ظل توقف معظم مستشفيات غزة عن الخدمة، هذا إضافة إلى نقص الرعاية اللازمة قبل الولادة وبعدها بحيث تتحمل النساء النازحات عبء الولادة دون مرافق صحية أو أدوية مناسبة، ويعد المستشفى الإماراتي في رفح هو آخر المستشفيات التي تقدم خدمات صحية نسوية لقرابة مليون امرأة وبنت لاجئة في جنوب القطاع، مما يعرضهن لمخاطر متزايدة من العدوى والتعقيدات.

لقد وصلت الأوضاع الحياتية والمعيشية والإنسانية والصحية في قطاع غزة إلى ذروتها، فيما لا تزال جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي مستمرة ومتواصلة، ورغم ازدواجية المعايير والصمت الدوليين، ورغم غياب العدالة، وهي تشاهد حجم الجرائم الإسرائيلية بحق المدنيين العزل التي تصل لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية دون أن تحرك ساكنًا.

آن الأوان أن تقف شعوب ودول العالم الحر وتقوم باتخاذ خطوات فاعلة وقادرة على وقف العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة من خلال تطبيق القوانين والمواثيق والتشريعات الأممية التي تضمن حماية المدنيين الفلسطينيين.