مغامرة رفح هل ستظل تحت السيطرة أو ستفتح أبواب الجحيم؟!!

12 فبراير 2024
12 فبراير 2024

بالرغم من الجهود العديدة والمتواصلة تقريبا من أجل التوصل إلى صفقة لإطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين والفلسطينيين ووقف القتال في غزة بشكل مؤقت قد يتحول إلى وقف دائم لإطلاق النار، إذا تم التغلب على المشكلات القائمة، فإن هناك ممن يظنون أن الحرب والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة بات أقرب إلى التوقف الفعلي أكثر من ذي قبل، وأن اجتياح مدينة رفح قد يشكل الخطوة الأخيرة في هذا الاتجاه، خاصة مع إصرار وتمسك نتانياهو بضرورة القيام بهذه الخطوة المغامرة، التي تتسم بالكثير من الخطورة على الأوضاع وعلى مستقبل السلام والاستقرار في الشرق الأوسط.

ومع الوضع في الاعتبار أن العديد من الدول في العالم بما في ذلك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا وفي المنطقة وخارجها وكذلك الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والإقليمية الأخرى قد حذرت من كارثة إنسانية ستسببها العمليات العسكرية التي باتت أقرب إلى الحدوث عندما يتم استكمال الاستعدادات الإسرائيلية للقيام بها، وهي استعدادات تحاول إسرائيل بكل السبل التقليل من المخاطر المترتبة عليها وطرح أفكار للحد من المخاوف المرتبطة بها مثل ضمان عبور آمن للمدنيين من رفح عبر ممر آمن، وإمكانية ترحيل المدنيين الفلسطينيين إلى منطقة شمال غزة، غير أن الواقع الجغرافي الخانق في رفح وعدم وجود مخارج أو سبل يمكن اللجوء إليها من ناحية والاكتظاظ السكاني الكبير إذ يتكدس في رفح الآن نحو مليون ونصف المليون فلسطيني بعد أن كان عدد سكان رفح نحو ثلاثمائة ألف نسمة قبل السابع من أكتوبر الماضي من ناحية ثانية، هذا فضلا عن التعقيدات والمخاطر العسكرية والسياسية المصاحبة لعملية الاجتياح وما سيصاحبها على الأرجح من تجاوزات ترتبط بأطماع ووقاحة إسرائيلية ستعمل إسرائيل على تبريرها بشكل ما للحد من الآثار التي قد تترتب عليها والتي ستتوقف إلى حد كبير على رد الفعل المصري الذي لم يدع مجالا للشك في رفض ما صدر من تصريحات إسرائيلية حول ممر فيلادلفيا وأطماع إسرائيل في السيطرة عليه بمزاعم رفضتها وسترفضها القاهرة، وهذه هي العقدة الأساسية الصعبة والخطرة في ضوء تمسك مصر بكل حبة رمل من ترابها الوطني وإدراكها للحيل والأطماع الإسرائيلية وتضحياتها السابقة للحفاظ على سيادتها ووحدة أراضيها.

وإذا كانت عملية اجتياح رفح وإخلائها من سكانها قبل العمليات العسكرية قد تفرض مواجهات عسكرية بين حماس والجيش الإسرائيلي بشكل أو بآخر وهو ما قد يصعب تأمينه عمليا سيظل هاجسا معلقا في أفق ما يجري على الحدود المصرية الفلسطينية وتطورها لحظة بلحظة، فإنه يمكن الإشارة إلى عدد من الجوانب لعل من أهمها ما يلي:

أولا، إن العلاقات الأمريكية الإسرائيلية تعاني في الواقع من خلافات وتقلصات بسبب رفض نتانياهو القوي والمتواصل لحل الدولتين، ففي حين يسعى بايدن إلى جعل التحرك نحوه إنجازا يحسب له كما يظن، خاصة في ظل الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة في نوفمبر القادم وما يطرأ من تقلبات على الساحة الأمريكية بملامحها الراهنة، وفي المقابل فإن الأمر بالنسبة لنتانياهو هو معركة بقاء سياسي حتى ولو كان ثمنه الخلاف الشديد مع بايدن الذي وقف إلى جانب إسرائيل بشكل غير مسبوق بعد هجوم حماس المفاجئ في أكتوبر الماضي ويعزز ذلك أن الموقف الأمريكي يمثل رغبة ليست قوية من جانب بايدن في إنجاز حل الدولتين الكسيح وليس قرارا استراتيجيا أمريكيا، ومن ثم فإن نتانياهو لن يضحي باليمين الإسرائيلي في الداخل الذي يعارض قطاعا كبيرا من الإسرائيليين حل الدولتين الذي أحياه بايدن على الأقل على مستوى التصريحات. يضاف إلى ذلك أن الخلاف بين نتانياهو وبايدن من شأنه أن يطيل الحياة السياسية في السلطة وهو ما يعمل نتانياهو من أجله مع محاولة الحفاظ على العلاقات مع واشنطن وبايدن أيضا وستتضح حدود التحرك الإسرائيلي في الأسابيع القادمة وما ستؤول إليه الأوضاع في مغامرة رفح التي جعل منها نتانياهو قرارا لا يمكن التراجع عنه للحفاظ على صورته السياسية الداخلية برغم أي خسائر أخرى محتملة. ويظل نتانياهو واثقا من قدرته على تحريك جماعة الضغط الأمريكية إيباك خاصة في ظروف انتخابات الرئاسة والانتخابات النصفية للكونجرس التي يحتاج فيها نواب الكونجرس مساندة إيباك لهم في ولاياتهم.

ثانيا، إن تتبع الخطاب الإسرائيلي والمبررات التي ساقها نتانياهو، ورده أيضا على الاعتراض الأمريكي لاجتياح رفح يشير بوضوح إلى أنه يجعل من اجتياح رفح قرارا مصيريا يحدد نتيجة الحرب ضد حماس، بل يتوقف عليه النصر الإسرائيلي الذي سيحدد المصير السياسي لرئيس الوزراء الإسرائيلي حيث رفض نتانياهو وقف القتال وفي رفح أربع كتائب مسلحة فلسطينية وهي قوة قتالية مدربة جيدا، يضاف إلى ذلك أن هناك قناعة إسرائيلية بأن المحتجزين الإسرائيليين ربما يكونون في أنفاق رفح، هم وبعض القيادات الفلسطينية التي لم تستطع إسرائيل الوصول إليها بعد، وأن رفح قد تكون آخر الاحتمالات في القبض عليها وهو تحد أخير لنتانياهو الذي تعرضت خططه لإدارة الحرب في غزة إلى انتقادات كل من وزير الدفاع ورئيس الأركان وغيرهم، مما أدى إلى خلافات وإلى إدخال تعديلات على تكتيكات الحرب الإسرائيلية في الأسابيع الماضية بالإضافة إلى تسريح مجموعات من جنود الاحتياط الإسرائيليين بحجج مختلفة، ومعروف أن أعدادا كبيرة من جنود الاحتياط يخضعون لعلاج نفسي بسبب آثار الحرب وأهوالها في غزة في الأشهر الأربعة الماضية، وفي ظل ظروف مدينة رفح وطبيعة ميدان القتال فإنه من المنتظر أن يكون القتال أشد شراسة واستبسالا من جانب القوات الفلسطينية للتمسك بآخر مواقع لهم في رفح وتكبيد القوات الإسرائيلية أكبر قدر من الخسائر الممكنة وبالتالي فإنها ستكون على نمط معارك غزة بخسائرها الضخمة وحجم الدمار غير العادي والذي أجبر إسرائيل على المثول أمام محكمة العدل الدولية التي أدانتها بارتكاب جرائم إبادة جماعية ضد القوات والمدنيين الفلسطينيين والمؤكد أن نتانياهو يثق تماما أن معركة رفح ستكون عبئا على القوات الإسرائيلية الغازية لها ولكنه يثق في الوقت ذاته بأن بايدن لن يتركه وحده وأنه سيحصل على ما يحتاجه من أسلحة ومعدات سيحتاج إليها بسبب الحرب وأن الخلافات بينهما لن تؤثر على هذا الجانب خاصة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية وقدرة نتانياهو على توظيفها لصالح إسرائيل وضد بايدن إذا رأى في ذلك مصلحة له بشكل أو بآخر.

ثالثا، إنه بالرغم من أن مصر أكدت بوضوح على موقفها الرافض لأطماع إسرائيل في محور فيلادلفيا، ولأي تهجير قسري للفلسطينيين إلى سيناء كما اتخذت إجراءات لتعزيز أمن حدودها بما في ذلك تحريك دبابات بالقرب من الحدود، فإن الأيام الأخيرة شهدت رفضا حاسما من جانب القاهرة للمواقف والتصريحات الإسرائيلية واقترابا من إمكانية استدعاء القاهرة لسفيرها في تل أبيب، وتلويحا بإمكانية تعليق معاهدة السلام مع إسرائيل، هذا فضلا عن استخدام لغة أشد في تفنيد ورفض المطامع الإسرائيلية والتحذير من خطر اجتياح رفح الذي يمكن أن تترتب عليه «نتائج وخيمة» و»لا يحمد عقباها» على حد تعبير القاهرة، فإن السؤال الذي يفرض نفسه هو هل يمكن أن تحدث مواجهة مسلحة بين مصر وإسرائيل ولو بطريق الخطأ غير المقصود؟ وماذا يمكن أن يؤدي إليه ذلك؟ وهل يمكن أن يؤدي ذلك إلى حرب؟ على أي حال فإنه بغض النظر عن صناع المزايدة المغرضين، فإن كلا من مصر وإسرائيل لا ترغبان في الدخول في مواجهة مسلحة وكل منهما يمر بظروف صعبة، ولعل الاتصالات والوفود المتبادلة بينهما تمكنهما من السيطرة على العمليات العسكرية في رفح، وسوف تقع على الأرجح، كما أنه من المأمول نجاح الجهود ومساعدة الأصدقاء في تجنب الأخطاء غير المقصودة أو عمليات جس النبض واختبار يقظة الطرف الآخر في اللعب بالنار على ساحة تظهر نارها من تحت الرماد خاصة وأن للحروب أحكامها وللعمليات العسكرية منطقها وتكتيكاتها وإذا وقعت حرب بين مصر وإسرائيل، بغض النظر عن الكيفية والسبب فإنه سيصعب وقفها بسرعة ليس فقط بسبب أطماع إسرائيل في ممر فيلادلفيا ورفض مصر القاطع لذلك ولكن أيضا لأن ذكرى حرب 73 تقترب ومن غير الممكن ضمان انتهاء الحرب في رفح قبل بداية شهر رمضان القادم أي بعد أقل من ثلاثين يوما. إنها مخاطر معقدة ومركبة ومخاطرها عديدة ولعل المنطقة تتجاوزها بأقل قدر من الخسائر لأن غير ذلك مدمر إلى حد غير قليل، إذا فتحت أبواب الجحيم.