No Image
الاقتصادية

لماذا تستمر تكلفة الشوكولاتة في الارتفاع؟

08 مارس 2024
08 مارس 2024

ترجمة: قاسم مكي -

مع اقتراب عيد الفصح، اتّجه محبُّو الحلوى في أوروبا وأمريكا الشمالية بتفكيرهم نحو الشوكولاتة. ففي بريطانيا وحدها ستباع عشرات الملايين من قطع بيض شوكولاتة الحليب. لكن من المتوقع أن تكون الأسعار أعلى من أي وقت مضى هذه المرة. وليس لذلك علاقة تذكر بالضغوطات التضخمية الحالية في السوق. بل كما يبدو الارتفاع المستمر في أسعار الكاكاو خلال الشهور الأخيرة هو الذي يدفع بالتكاليف الى أعلى. فأسعار حبوب الكاكاو عند أعلى مستوى لها على الإطلاق. لقد ارتفعت أسعار العقود المستقبلية للكاكاو بأكثر من الضعف في نيويورك مقارنة بنفس الفترة في العام الماضي. ويوم الثلاثاء قبل الماضي تم تداول العقود المستقبلية للكاكاو في لندن عند مستوى قياسي بلغ 5827 جنيهًا إسترلينيًا للطن. وفي نفس اليوم من العام المنصرم كان سعر تداوله 1968 جنيهًا إسترلينيًا.

قلة الإمداد

أسعار الكاكاو ترتفع لأسباب من بينها قلة العرض. فالطقس السائد في ساحل العاج وغانا اللذين ينتجان معا حوالي ثلثي حبوب الكاكاو في العالم، أثَّر على المحصول. لقد عادت ظاهرة ارتفاع حرارة سطح البحر (النينو) التي تحدث كل ثلاثة إلى خمس سنوات مرة أخرى في العام الماضي. وجلبت معها أولا أمطارًا غزيرة في غير موسمها ثم حرارة جافة. وكانت النتيجة انخفاضا في الإنتاج العالمي بنسبة 11% مقارنة بمحصول موسم العام الماضي، وفقًا لتوقعات نشرتها المنظمة العالمية للكاكاو يوم الخميس قبل الماضي.

تحذير للمستهلكين

يحذر المحللون من أن شركات صناعة الشوكولاتة ستمرِّر ارتفاع التكاليف للمستهلكين. وربما اتجهت سلفا أو ستتجه لاحقا إلى الحد من الخسائر بتقليص حجم ألواح الشوكولاتة ورفع أسعارها، كما يقول بول جولز، محلل الكاكاو بمصرف رابوبانك. وقال أيضا: من المرجح أن تستبدِل الشركات حلوى الشوكولاتة الصرف بالحلوى المحشوة بالفواكه والمكسرات أو ببدائل أخرى تقل فيها كثافة الشوكولاتة. ومن المستبعد أن يكون ذلك وضعًا مؤقتًا. ففي حين حفزت ظاهرة النينو على ارتفاع سعر الكاكاو وفاقم منه مضاربو السوق بتكديس العقود المستقبلية تشكل قضايا هيكلية راسخة أساس قلة الإنتاج. فالمشاكل التي تتراوح من التغير المناخي إلى الضعف المزمن للاستثمار لا يمكن حلها بتبدّل في الموسم. "يجب تغيير هذا النموذج وإلا فإن الأمور ستمضي في اتجاه واحد وهو المزيد والمزيد من ضعف المحصول." هذا ما يقوله دوجلاس لامونت الرئيس التنفيذي لشركة "تونيز شوكولونيلي" التي تسعى إلى استدامة الشوكولاتة وتدفع للفلاحين علاوة معيشة فوق سعر بوابة المزرعة.

السوق والمزارعون

مزارعو الكاكاو من أمثال ايسيفو ايساكا محتارون من الارتفاع الحاد في أسعار التداول. فالعقود المستقبلية لسلعة الكاكاو تم تداولها في نيويورك يوم الاثنين الماضي عند سعر6648 دولارا للطن. ويحصل ايساكا على 1700 دولار للطن، حسبما يقول. في مواجهة ارتفاع تكاليف المدخلات ورداءة الطقس وتفشي الآفات تقلص في السنوات القليلة الماضية محصول مزرعته التي تبلغ مساحتها 11 فدانا في بيبياني انهيواسو بيكواي شمال غرب غانا. يقول ايساكا: إذا لم يكن هنالك اهتمام كاف سينخفض إنتاج غانا ثاني أكبر بلد منتج للكاكاو في العالم إلى النصف. سنوات الإنتاج الوفير للكاكاو خصوصا في ساحل العاج المجاورة لغانا والتي تنتج ما يقرب من نصف الإمداد العالمي حافظت على انخفاض الأسعار عموما. ربما كان ذلك جيدا للمستهلكين الغربيين لكنه في غانا كان يعني أن المزارعين الذين يفتقرون إلى التمويل الكافي ليس في مقدورهم الاستثمار في مزارع الكاكاو. ومعظمهم لم يزرع أشجارا جديدة منذ أوائل العشرية الأولى. كما لا يمكنهم تحمل تكلفة الأسمدة أو مبيدات الحشرات. وعندما تشيخ الأشجار تصبح أقل إنتاجا وأكثر تعرضا للأمراض وتأثرا بأحوال الطقس غير المواتية. العام الماضي جمع بين الاثنين المرض وسوء الطقس. ففيروس تورم شجرة الكاكاو الذي تنقله حشرة البق الدقيقي تفشّى في مزارع الكاكاو. والعلاج الوحيد له هو استئصال الأشجار. أضف الى ذلك مرض قرون الثمار السوداء وهو عدوى فطريات ينتج عنها تعفن ثمار الكاكاو. وكانت قد تكاثرت في الرطوبة التي أوجدتها الأمطار الغزيرة في الصيف الماضي. نانا آروفي كورام زعيم نواماكروم في منطقة تويفو آتي موركوا يملك 3000 فدان من مزارع الكاكاو يفلح أغلبها مستأجرون زراعيون على أساس اقتسام المحصول مع المالك. يقول كورام: " الأشجار في نهاية عمرها." فبعضها غرس عندما كان جده ثم والده يملكان الأرض الزراعية في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي ويقول كورام: أصغرها الآن عمره 30 عاما. أعقب الطقس الرطب أوضاعا مناخية جافة وحارة جلبت مشاكل أخرى لأشجار الكاكاو الحساسة. يقول: "الأشجار تعاني وأوراقها تصفر" ويضيف: إن ذلك يقلل من غلة المحصول. السبب في اعتقاده التغير المناخي ويقول: "إنها تمطر في غير موسم الأمطار. والمواسم الجافة أشد حرارة من السابق." يذكر كورام أيضا أن أنواع البذور الجديدة أكثر مرونة في مواجهة مثل هذه التغيرات. لكن مع اشتداد أثر التغير المناخي لا يملك الفلاحون الكاكاو المال اللازم للتكيف. في غانا العديد من الفلاحين الشباب تخلوا عن الكاكاو واتجهوا إلى المحاصيل الأكثر الأقل عناء مثل الكسافا، حسب كورام.

تكتُّل الكاكاو

اتخذت حكومتا ساحل العاج وغانا خطوات لحماية الفلاحين من انخفاض الأسعار المطَّرد. فمجلس البن والكاكاو الحكومي العاجي ومجلس الكاكاو الغاني واللذان يضعان الأسعار على أساس المتوسط من الموسم السابق شكَّلا تكتل تصدير في عام 2019 على شاكلة تكتل أوبك النفطي. استحدث التكتل فارق الدخل المعيشي ومقداره 400 دولار للطن وهو علاوة تُضمَّن في أسعار الشراء من المزرعة (بوابة المزرعة) فوق سعر العقود المستقبلية للكاكاو. آليكس أسانفو أحد مهندسي العلاوة والذي يقود المبادرة التي تشرف على تحالف كاكاو ساحل العاج وغانا يقول: شح الإمداد الحالي ناتج عن الأسعار المتدنية وغير العادلة مما يؤكد " أننا محقُّون تماما في بناء نظام من شأنه حماية الفلاحين وأسعار بوابة المزرعة من سوق المضاربة الحالية." مع ذلك في حين أن ضوابط الأسعار ربما وضعت لحماية مزارعي الكاكاو من تدنيها الحاد يقول المنتجون ومن لهم علاقة بتجارة الكاكاو: إنها أيضا تمنعهم من الاستفادة من ارتفاعها الشديد. يعرف مزارعو الكاكاو الذين يعملون في الأسواق الحرة كما في الإكوادور السعر الذي يمكن أن يطالبوا به، حسبما يقول جوليان سيمونز مدير برنامج "كاكاو أوف اكسيلانس" والذي يهدف إلى إزالة صفة السلعة عن جزء من قطاع إنتاج الكاكاو (وجعله منتَجا متميزا). هذا يعني أن هؤلاء المزارعين في مقدورهم الاستفادة من ارتفاع أسعار الكاكاو "كمنتج متميز" في تمويل الاستثمارات التي تزيد الإنتاج. في الأثناء، يقول سيمونز: لا يستطيع المزارعون الغانيون أن يفعلوا شيئا. من المقرر أن تضع ساحل العاج سعرا في أبريل لمحصول منتصف الموسم الأقل حجما. لذلك سيحصل المزارعون على بعض الفائدة. لكنهم لن يحصلوا على أي شيء شبيه بأسعار السوق الحالية كما يقول لامونت الرئيس التنفيذي لشركة تونيز شوكولونيلي. فهنالك "أناس كثيرون يجنون أموالا كثيرة في الوسط (كوسطاء بين المزارعين والمشترين)." من منظور ايساكا من غير الواضح كيف تُحدَّد الأسعار ونادرا ما تجد منافع ارتفاع الأسعار طريقها الى المزارعين الذين يُفترض أن يحصلوا على 70% من سعر السوق. لكن ايسَّاكا يقول ذلك نادرا ما يحدث. المبرر لانخفاض سعر الشراء من المزرعة هو أن الحكومة تغطي تكلفة المبيدات والأشجار الجديدة. لكن في الحقيقة مثل هذه الخدمات لا تتحقق دائما، كما يقول الرجل. أثر انخفاض الأسعار يتعدى الزراعة. فارتفاع إنتاج الكاكاو غذَّى إزالة الغابات خصوصا في ساحل العاج التي فقدت 85%من مساحة غاباتها منذ عام 1960. يحاول الاتحاد الأوروبي معالجة المشكلة. فبنهاية هذا العام سيتم تطبيق قواعد جديدة تحظر البيع في تكتل الكاكاو الى جانب سلع أخرى تُنتج في أراضي الغابات التي أزيلت. لكن القانون لا ينص على الطرف الذي يجب أن يتحمل تكلفة التقيد بالحظر والاحتمال هو أن تقع على كاهل الفلاحين المعوِزين سلفا.

مزيد من العقود المستقبلية

في الأثناء تزداد شهية العالم للشوكولاتة. لقد تضاعف الطلب على الكاكاو في العقود الأخيرة مما أدى إلى نقص فادح في الإمدادات. وحسب توقعات المنظمة الدولية للكاكاو من المقرر أن يتجاوز الطلبُ العرضَ بأكثر من 370 ألف طن هذا العام. يقول نيكو دبنهام المدير التنفيذي لشركة "سَسْتينابيلَتي سوليوشنز" العجز في الإمدادات مهم فقط عندما يؤثر على النسبة بين إجمالي مخزون الكاكاو وإجمالي الطلب على استهلاكه في العالم. هذه النسبة التي تبلغ الآن 31,4% " أخافت كل أحد" كما يقول دبنهام الذي تولي سابقا رئاسة قسم الاستدامة في "باري كاليبو" أكبر شركة لصناعة الشوكولاتة في العالم. وأضاف أن ذلك دفع التجار إلى الشروع في شراء المزيد والمزيد من العقود المستقبلية مما يدفع بالأسعار إلى أعلى. يقول دبنهام أيضا: "الشركات الصغيرة ستصارع لمواكبة الأسعار. أنت بحاجة إلى ضعف المبلغ للقيام بنفس العمل التجاري." حتى اللاعبين الكبار شعروا بضغط ارتفاع الأسعار. فشركة باري كاليبو ذكرت الأسبوع الماضي أنها تخطط لخفض 18% من القوة العاملة. كما أعلنت شركة هيرشي أيضا عن خطتها لتقليص عمالتها بنسبة 5%بعد أن أبلغت عن هبوط في الأرباح على أساس سنوي بنسبة 11.5% خلال الربع الرابع من عام 2023. وتحاجج جوقة متزايدة من الأصوات بأن هذا الوضع يتيح فرصة للتغيير. يقول لامونت: "هذه لحظة عظيمة لصناعة (الشوكولاتة) كي تتعهد بدفع المزيد للمزارعين لأن سعر الاستهلاك مرتفع." لكن لامونت بدلا عن ذلك يخشى أن تحتفظ شركات الشوكولاتة لنفسها بالأرباح عندما تهبط أسعار الكاكاو في نهاية المطاف. والخطورة هي أن ذلك سيعني للعالم مستقبلا تتحول فيه الشوكولاتة إلى سلعة فاخرة فيما يصارع مزارعو غرب إفريقيا من أجل البقاء.