سياح أسبان يتدفقون على روندا  بعد أن ازدادت آفاق قطاع السياحة الإسباني  كآبة ، مع تباطؤ الحجوزات الأوروبية بسبب ارتفاع حالات الإصابة بفيروس كوفيد ، لكن الشخصيات الصناعية تأمل ألا يشبه الصيف كارثة عام 2020 . ا ف ب
سياح أسبان يتدفقون على روندا بعد أن ازدادت آفاق قطاع السياحة الإسباني كآبة ، مع تباطؤ الحجوزات الأوروبية بسبب ارتفاع حالات الإصابة بفيروس كوفيد ، لكن الشخصيات الصناعية تأمل ألا يشبه الصيف كارثة عام 2020 . ا ف ب
الاقتصادية

سلالة دلتا وتعافِي اقتصاد العالم

30 يوليو 2021
30 يوليو 2021

دلفين شتراوس- الفاينانشال تايمز -

ترجمة - قاسم مكي -

عادت أستراليا في معظمها إلى إغلاق الجائحة. وافتتحت طوكيو ألعاب الأولمبياد يوم الجمعة (23 يوليو) في ظل إعلان حالة الطوارئ. ووجب على هولندا إعادة فرض القيود على ارتياد المقاهي والحانات والحياة الليلية. وأضرَّت تحذيرات السفر بآمال إسبانيا في إنعاش السياحة.

وسيتوجب على الإيطاليين قريبا إبراز إذن صحي إذا رغبوا في مشاهدة فيلم أو السباحة بعد أن تأسَّى رئيس الوزراء ماريو دراغي بفرنسا واتخذ خطوات لحفز الناس إلى الذهاب لمراكز التطعيم والحصول على اللقاح.

زرعت العودة غير المرحَّب بها للقيود خوفا جديدا في قلوب المستثمرين. فهم يخشون من أن يوقف الانتشار السريع لسلالة فيروس كورونا (دلتا) تعافي اقتصاد العالم تماما.

قبل عشرة أيام فقط من الآن (تاريخ نشر هذا التقرير 23 يوليو- المترجم) كانت الأسواق مهووسة بالحديث عن احتمال أن يقود توسع الاقتصادات المفرط (بمعدل غير مستدام) إلى تصاعد التضخم. وهذا ما من شأنه أن يزيد من الضغوط على واضعي السياسات للنظر في السحب المبكر لإجراءات التحفيز في حقبة احتدام الجائحة.

تحول سريع

بدأ هذا الأسبوع بتسارع حاد في وتيرة مبيعات الأسهم العالمية ( تخلصا منها) مع تزايد الخوف من انتشار سلالة دلتا. وعند منتصف الأسبوع تعافت أسعار الأسهم. لكن عائدات سندات الخزانة الأمريكية ظلت عند مستويات بالغة التدني مما يوحي بتزايد الشكوك حول متانة التعافي الاقتصادي.

لقد كان التحول من حال إلى حال سريعا جدا في الأسواق العالمية خلال الأسبوعين الأخيرين.

يعتقد أجاي راجادياكشا، المحلل ببنك باركليز، أن السردية تغيرت مع تزايد حالات الإصابة بسلالة دلتا من "انظروا كيف يرتفع التضخم!" إلى "انظروا كيف يتباطأ النمو!"

في الأثناء يقول ألان رسكين، كبير خبراء الاستراتيجيات العالمية ببنك دويتشه الألماني، أن هذه الحادثة تكشف مرونة طلب المستثمرين على الأصول التي تنطوي على مخاطر. لكنها أيضا، بحسب رأيه، قضت على اعتقاد مِلؤه الحماس بأن "اقتصاد" العالم ينفتح (تتخلى أجزاؤه كلها عن الإغلاقات) بطريقة متزامنة.

أعاد ارتفاع حالات الإصابة بفيروس كورونا المرتبط بسلالة أشد شراسة للفيروس مخاوفَ الصحة العامة إلى مقدمة الاهتمامات، وذلك تماما حين بدا أن نهاية الجائحة على مرمى البصر بالنسبة لبعض البلدان. وأجبر هذا التفشي الجديد الحكومات حول العالم على وقف أو التخلي عن خطط إعادة فتح النشاط الاقتصادي.

" ذلك خطر نحن نؤكد عليه باطراد" يقول جريجوري داكو، كبير الاقتصاديين بشركة أكسفورد إيكونوميكس للاستشارات. إنه يعني بذلك انتشار سلالة الفيروس الجديدة. كما يحذر من احتمال أن يقود هذا الانتشار إلى تعاف عالمي غير متكافئ. يقول: "من الممكن أن تعود بعض البلدان إلى أجواء القيود الاجتماعية المتشددة وإجراءات التباعد البدني."

هذا الانزعاج عكسته كريستين لاجارد، رئيسة البنك المركزي الأوروبي، يوم الخميس حين قالت أن سلالة دلتا "مصدر متنامٍ لعدم اليقين" فيما كانت تعلن عن تعهد جديد من البنك بأن يكون أكثر تسامحا مع التضخم قبل أن يتجه إلى رفع أسعار الفائدة.

أوضحت تجربة بريطانيا أنه حتى مع ارتفاع معدل التحصين واتخاذ قرار سياسي بالتسامح مع معدلات أعلى للعدوى لا توجد طريقة سهلة لتجنب اضطراب الاقتصاد حين تحكم سلالة دلتا قبضتها. فعلى الرغم من رفع بريطانيا الاجراءات التي تلزم بالتباعد البدني إلا أن مئات الآلاف من العاملين وجب عليهم عزل أنفسهم ذاتيا في منازلهم بعد أن خالطوا حاملين للفيروس. وهذا ما جعل الحكومة تسارع إلى تلافي إغلاق الخدمات العامة وإفراغ الرفوف في متاجر السوبرماركت.

لكن على الرغم من الخطر المتعاظم الذي تشكله سلالة فيروس كورونا "دلتا" لمستقبل اقتصاد العالم يرجح واضعو السياسات وخبراء الاقتصاد أن يقتصر الأثر المترتب عن تفشي سلالة دلتا على إضعاف التعافي وليس القضاء عليه في بلدان الاقتصادات الرئيسية التي أوهَنَت فيها برامجُ التحصين الصلةَ بين التقاط العدوى والحجز في المشافي.

بحسب جينيفر مكْيون، من شركة كابيتال إيكونوميكس الاستشارية، هنالك بعض المؤشرات على أن الناس صاروا أكثر حذرا بشأن الخروج من منازلهم في بريطانيا مع توقف الاتجاه التصاعدي لرحلات (مشاوير) التسوق والترفيه والعمل والتي شجع عليها الرفع التدريجي للقيود. فالناس يحاولون تجنب اضطرارهم إلى عزل أنفسهم مع بداية موسم الإجازات.

هذا وتشير شواهد استطلاع الرأي أيضا إلى أن النقص في العاملين والمواد بدأ يؤثر على نشاط مؤسسات الأعمال. لكن حتى في بريطانيا لايزال المستهلكون ينفقون والشركات تسارع إلى التوظيف.

في منطقة اليورو تزايد نشاط الاقتصاد بأسرع معدل له خلال 21 عاما في يوليو مع استمرار العديد من البلدان في رفع قيود كوفيد-19. وبالكاد أثر انتشار الحالات الجديدة على ثقة المستهلكين.

من جانبها، قالت لاجارد أن مسوحات نشاط الأعمال والبيانات الصلبة أكدت توقعات البنك المركزي الأوروبي في يونيو والتي افترضت أن وقف بعض إجراءات الإغلاق سيستمر حتى نهاية العام. وكتبت على تويتر "تعافي منطقة اليورو يمضي في مساره الصحيح. لكننا لم نخرج بعد من الأزمة."

سؤال التضخم

في الولايات المتحدة لاتزال الخشية من الانتعاش غير المستدام والتضخم المفرط هي المهيمنة. فخلال جلسة استماع للكونجرس على مدار يومين، ردَّ جيروم باول رئيس بنك الاحتياط الفدرالي على أسئلة من المشرعين عن إدارة وتقييم البنك لارتفاع الأسعار تزيد كثيرا عن استفساراتهم حول الأثر الاقتصادي لسلالة دلتا.

لدى الولايات المتحدة حاجز صدٍّ لامتصاص ضربة جديدة من فيروس كورنا دون أن تسقط مرة أخرى في الانكماش. في يونيو قدر مسؤولو بنك الاحتياط الفيدرالي نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 7%هذا العام مع هبوط معدل البطالة إلى 4.5% بنهاية العام الحالي وذلك بعد أن قارب 15% في ذروة الجائحة.

يقول جيسون فيرمان، الأستاذ بجامعة هارفارد والمستشار الاقتصادي السابق لباراك أوباما، رغم وجاهة الشعور بالتوتر من سلالة دلتا، يجب ألا يغير ذلك مسار الاقتصاد الكلي.

لكن حتى في الاقتصاد الأمريكي النشط، الذي تتضح فيه باطراد ضغوطات الأجور، يمكن أن يجعل انتشار دلتا واضعي أسعار الفائدة في بنك الاحتياط أكثر حذرا إزاء التخلي مبكرا عن التحفيز المالي.

وإذا شهد وضع فيروس كورونا المزيد من التدهور في الشهور القادمة سيشكل ذلك معضلة كبيرة لصانعي السياسات في الولايات المتحدة لأنهم اتجهوا نحو إنهاء برامج التحفيز المالي والنقدي بدلا من الحفاظ عليها أو حتى تعزيزها.

حذر بعض مسؤولي بنك الاحتياط من أن البنك يلزمه ضبط سياساته لمجابهة خطر حدوث انتكاسة اقتصادية تسببها حالات تفشي جديدة لفيروس كورونا.

وفي وقت مبكر من هذا الشهر ذكرت ميري دالي رئيسة بنك الاحتياط الفيدرالي في سان فرنسيسكو لصحيفة الفاينانشال تايمز أن أحد أكبر الأخطار التي يواجهها استمرار نمو اقتصاد العالم هو "إعلاننا قبل الأوان عن انتصارنا على كوفيد-19."

لكن، يقول داكو، "الرغبة في حواجز صد مالية أو سياسة نقدية قوية صارت أقل كثيرا مما كانت عليه قبل عام. وهذا يطرح سؤالا حول مدى مرونة الاقتصاد الأمريكي بدون الدعم المالي والنقدي."

رياح عكسية قوية

انتشار سلالة دلتا أيضا يعقد الجدل حول السياسات في بلدان أخرى. ففي بريطانيا فاجأت قوة التضخم الأخيرة بنك انجلترا الأمر الذي قاد بعض واضعي معدلات الفائدة إلى الإيحاء بأنهم قد يصوتون لصالح نهاية مبكرة للتيسير الكمي.

لكن آخرين في لجنة السياسة النقدية تبنوا وجهة نظر أكثر دقة وتمحيصا بمن فيهم جوناثان هاسكل العضو الخارجي في اللجنة والذي قال هذا الأسبوع أن العودة إلى السياسة النقدية المتشددة "ليست سليمة" في الوقت الحاضر؛ لأن الاقتصاد يواجه عاملين يشكلان رياحا تهب في الاتجاه المعاكس هما "سلالة دلتا السريعة العدوى وتشديد الموقف المالي الحكومي."

في منطقة اليورو، رغم الصورة المستقبلية التي تتحسن بسرعة، ليست هنالك ضغوطات آنية لتشديد السياسة النقدية. فتوقعات البنك المركزي الأوروبي تشير إلى أن معدل التضخم لايزال أقل من الهدف الجديد والأكثر طموحا للبنك وهو 2% بنهاية عام 2023.

في تباين مع الأوضاع المتأرجحة في المناطق الأخرى، شهدت آسيا قدرا قليلا نسبيا من التقلب في التصور المستقبلي للاقتصاد رغم رسوخ سلالة دلتا في بعض البلدان.

وعلى الرغم من الحديث عن حقبة تضخمية عالمية جديدة إلا أن بنك اليابان على سبيل المثال لن يصل إلى هدفه المنشود في معدل تضخم يساوي 2% في المستقبل المنظور. لذلك لن ترتفع أسعار الفائدة. بل في الحقيقة، تبدو التوقعات بتعافي الاقتصاد الياباني غير مبشرة مع تصاعد حالات كوفيد-19 مما يفسح المجال للحديث عن جولة جديدة من التحفيز المالي.

خبراء الاقتصاد أيضا أقل تفاؤلا إلى حد بعيد تجاه مستقبل اقتصادات البلدان المتقدمة الأخرى التي تراخت فيها حملات التطعيم ومن بينها أستراليا ونيوزيلندا. ويتسابق واضعو السياسات الآن لفعل شيئ قبل أن تتجاوزهم سلالة دلتا.

سياسة التسامح الصفري التي تتبعها الصين تجاه حالات الإصابة بعدوى فيروس كورونا مكَّنت اقتصادها من الشروع في التعافي قبل فترة مبكرة جدا قياسا بالولايات المتحدة. لكنها الآن تضع عوائق كبيرة أمام التخلي الكامل عن الإغلاقات؛ لأن السلطات تفرض قيودا على السفر أو تغلق الأحياء السكنية حينما تتفشى حالات جديدة.

يقول لاري هو، الاقتصادي في مجموعة ماكواري "ذلك يؤثر على الاستهلاك بالنظر إلى أنه من الصعب عمليا للصين التخلص تماما من كوفيد-19."

وعلى الرغم من أن النمو في الربع الثاني من العام الحالي تجاوز توقعات معظم خبراء الاقتصاد إلا أن بيجينج حذرت من تعاف " مختل" ومن مخاطر تنشأ عن سلالات كوفيد-19.

ويشير المحللون إلى عوامل أخرى تقود إلى إبطاء النمو من بينها الشح في شبه الموصلات عالميا وارتفاع مخاطر الائتمان المحلي وهبوط الاستثمار المدعوم حكوميا في البنية الأساسية وحظر الإدارة الأمريكية الاستثمار في التقنية الصينية.

لكن البلدان الأكثر عرضة لانتشار سلالة الفيروس دلتا هي بلدان الاقتصادات الصاعدة في آسيا وإفريقيا حيث ترتفع معدلات الوفيات إلى أعلى مستوياتها منذ بداية الجائحة. ولواضعي السياسات هناك قدرة محدودة على فرض الإغلاقات الجديدة أو دعم النمو.

في الأسبوع الماضي سلطت، جيتا جوبيناث، كبيرة الاقتصاديين بصندوق النقد الدولي، الضوء على "الافتراق أو الانفصال الخطِر بين (مساري) اقتصادات البلدان المتقدمة والبلدان الصاعدة والنامية التي لديها قدرة محدودة على الحصول على اللقاحات ودعمٍ مالي متقلص وتواجه أصلا ارتفاعا سريعا في أسعار الفائدة فرضه الحديث عن اتجاه بنك الاحتياط الفدرالي إلى الخفض التدريجي للتيسير الكمي.

من جانبها، تعتقد كاثرين مان التي ترجَّلت لتوِّها عن منصب كبيرة الاقتصاديين بمصرف سيتي والتحقت بلجنة السياسة النقدية التابعة لبنك انجلترا أن الحظوظ المتباينة للاقتصادات المتقدمة (والانقسامات الأكثر حدة وسط الاقتصادات الصاعدة) تجعل تعافي اقتصاد العالم أكثر هشاشة إلى حد بعيد مقارنة بما توحي به التوقعات.

وقالت في شهادتها أمام لجنة برلمانية بريطانية هذا الأسبوع " ينظر أناس عديدون اليوم إلى معدلات نمو عند حوالى 6% ويعتقدون أن ذلك شيئ عظيم". لكنها أضافت أن معدل النمو سيشهد تباطؤا مثيرا في العام القادم. وهو الآن يعتمد باطراد على تعافٍ أمريكي مستدام ويتأثر باضطرابات أسواق البلدان الصاعدة.

قالت مان للمشرعين البريطانيين" في فهم التحديات والمخاطر المرتبطة بكوفيد- 19 اعتقدنا كلنا أننا أقرب إلى الضوء في آخر النفق. لكن هذه التحوًّرات الجديدة (للفيروس) أثارت حقا بعض القلق (عالميا)... ذلك يعني... نموا أقل للاقتصادات الصاعدة التي تشكل جزءا كبيرا جدا من اقتصاد العالم."