جو بايدن
جو بايدن
الاقتصادية

خطة بايدن الاقتصادية.. الفشل ليس خيارا

24 سبتمبر 2021
24 سبتمبر 2021

جيمس بوليتي وكولبي سميث- الفاينانشال تايمز

ترجمة - قاسم مكي

في طريق عودته من رحلة إلى الساحل الغربي الأمريكي هذا الشهر، توقف جو بايدن أمام ألواح خلايا شمسية وطاحونة هواء عملاقة في سفح جبال روكي للترويج بأقصى ما يستطيع لأجندته الاقتصادية التي تبلغ تكلفتها عدة تريليونات من الدولارات.

قال بايدن في ضواحي دينفر بولاية كولورادو يوم الثلاثاء 14سبتمبر "وضعنا هدفا. والهدف يمكن تحقيقه. أعِدكم. أعدكم. سيُوجِد (هذا الهدفُ) نموا اقتصاديا عظيما ويقلص التضخم وينتقل بالناس إلى وضع لن يجعل أطفالنا يشعرون بالقلق مما نقلق منه نحن الآن "

مع عودة الكونجرس للانعقاد بتمامه هذا الأسبوع تدخُل رئاسة بايدن في فترة حاسمة. كثيرا ما يعتمد الحكم على أداء الرؤساء الأمريكيين الذين يُعاد انتخابهم على إنجازاتهم التشريعية في أول 18 شهرا من فترتهم الرئاسية. ومع كل الضجة والاتهامات المضادة خلال الصيف حول الانسحاب الفوضوي من أفغانستان وانتشار سلالة دلتا إلا أن الأسابيع القليلة القادمة من المفاوضات حول خطط إنفاق بايدن تشكل لحظة فاصلة.

إذا لم يقف شيء في طريق البيت الأبيض، سيؤمِّن بايدن موافقة الكونجرس على تشريعين مقترحين (مشروعي قانون) يتيحان في مجموعهما إنفاق ما يقرب من 5 تريليون دولار في البنية التحتية ورعاية الأطفال والتعليم والرعاية الصحية ومحاربة التغير المناخي. وسيتم تمويل هذه الخطط جزئيا بزيادات ضريبية على الأثرياء والشركات.

سياسيا، سيمثل هذا انتصارا تشريعيا ضخما لبايدن بعد صيف قاس قاد إلى هبوط في شعبيته. كما سيسمح للمشرعين الديموقراطيين في الكونجرس (بمساعدة من الرئيس) بالحديث عن التشريعين المقترحين كدعمٍ ملموس للعائلات الأمريكية المتوسطة والمنخفضة الدخل في انتخابات منتصف الفترة التشريعية العام القادم التي سيواجهون فيها خطر فقدان أغلبيتهم الضعيفة في كلا المجلسين ( النواب والشيوخ).

لكن إذا تعثر التشريعان المقترحان في الكونجرس قد يقود ذلك إلى إضعاف الرئيس بايدن (78 عاما) سياسيا ويقوض تعهده للناخبين وباقي العالم بأن في مقدوره استعادة فعالية الحكومة الأمريكية.

يقول جون بوديستا، رئيس موظفي البيت الأبيض في إدارة بيل كلنتون إن الوعود الكبيرة التي قطعها بايدن ببناء اقتصاد أقوى وأكثر استقرارا ترتكز على هذه الاستثمارات. فهي في نظره "لحظة حياة أو موت" فيما يتعلق بإجازتها في الكونجرس وإجازتها بأكملها.

تخفيض ماذا؟

لكن تأمين تمرير هذه التدابير المالية عبر الكونجرس أبعد من أن يكون مضمونا. وفي حين أن تشريعا مقترحا يدعو إلى إنفاق 1.2 تريليون دولار على بنية تحتية مادية (تمتد من الطرق إلى الجسور والنطاق العريض) يحظى ببعض الدعم من الجمهوريين إلا أن الجزء الأكبر من خطط إنفاق بايدن ( 3.5 بليون دولار) بما في ذلك الزيادات الضريبية يدعمه فقط الديموقراطيون وبالتالي ليس هنالك أي مجال لاتخاذ مواقف معارضة لإجازتها داخل حزب الرئيس.

في مارس هذا العام وبعد فترة قصيرة من تنصيب بايدن توحَّد الديموقراطيون حول خطة تحفيز بقيمة 1.9 تريليون دولار لإخراج اقتصاد الولايات المتحدة من التراجع الشتوي الذي ابتدرته موجات جديدة لجائحة فيروس كورونا. لكن حشد المشرعين حول حزمة تحفيز أكبر بما في ذلك الزيادات الضريبية المرتبطة بها كان دائما حملا ثقيلا جدا، خصوصا للديموقراطيين المحافظين والمعتدلين.

هذا الشهر تحدث بايدن لبعض الفاعلين الرئيسيين المشاركين في المفاوضات. فقد دعا جو مانشين عضو مجلس الشيوخ بولاية غرب فيرجينيا وكريستين سينيما عضو مجلس الشيوخ عن ولاية أريزونا إلى البيت الأبيض في مسعى لكسب معظم الديموقراطيين المعتدلين المتشككين (في نجاعة خططه). كما تحدث هاتفيا أيضا مع نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب وتشك شومر زعيم الأغلبية بمجلس الشيوخ لصقل استراتيجيتهم التفاوضية.

يقول بوتيستا: "هنالك من يريدون خفض حزمة التحفيز. وهنالك الذين يريدون تمويلها بالكامل. أعتقد أن الأسئلة الأكثر أهمية هي: ما حجم الأموال التي يمكن أن تُحشد؟ وما حجم الاستثمار الذي يمكن أن تغطيه؟ وإذا لم يكن حجم الحزمة 3.5 تريليون دولار ما الذي سيتم خفضه منها؟"

ما يزيد الأمور تعقيدا حتى بأكثر من ذلك أن الولايات المتحدة لديها حتى نهاية الشهر للحفاظ على تمويل الحكومة أو مواجهة إغلاق مؤسساتها الفيدرالية. وقد تخاطر بالعجز عن سداد ديونها السيادية إذا لم ترفع حد الاقتراض قريبا.

وذكر مارك وارنر، عضو مجلس الشيوخ عن ولاية فيرجينيا، للفاينانشال تايمز أن الفشل في إجازة خطط التحفيز "ليس خيارا للديموقراطيين وللرئيس. لكن كيف يتسق كل هذا معا. ربما هذا أعقدُ "مُكَعَّبِ روبيك" يمكن تخيله."

تعلم الرؤساء الديموقراطيون السابقون لبايدن بالتجربة وفي وقت مبكر من فترات إداراتهم مدى صعوبة إمكانية تحقيق ذلك النوع من الأهداف التشريعية التي تشكل إرثا سياسيا لهم على الرغم من توفُّرهم على أغلبية (برلمانية) أكبر بكثير.

كابَدَ باراك أوباما شهورا من المفاوضات القاسية حول برنامجه الخاص بالرعاية الاجتماعية وإصلاحات وول ستريت قبل إجازتها أخيرا. هذا في حين انتهت جهود بيل كلنتون لإصلاح الرعاية الصحية إلى الفشل بعد ما يزيد عن عام من المحاججات.

التداعيات الدولية لمفاوضات بايدن بشأن تشريعات تمويل البرامج الحكومية مهمة أيضا. فتبني تدابير بايدن الخاصة بالمناخ سيكون مؤشرا لالتزامٍ (أمريكي) بخفض ابعاثات الكربون ويوجد زخما إضافيا للتوصل إلى اتفاق في قمة جلاسجو في نوفمبر القادم.

في الأثناء، تعهدات الولايات المتحدة بإيجاد نظام ضريبي عالمي جديد للشركات ببلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية مرهونة بموافقة الكونجرس على تلك البنود الواردة في الاتفاق.

بشكل أعم، ذكر المسؤولون الأمريكيون أنه سيكون من الأهمية البالغة لإدارة بايدن تكثيف استثماراتها على الأقل في البداية من أجل استعراض قوتها بفعالية أكبر حول العالم وإثبات أن الأنظمة الديموقراطية يمكن أن تكون عملية ومفيدة.

يقول وارنر: " يلزمك أن تعيد ترتيب المائدة فيما يتعلق بتقوية المؤسسات. لكن الأهم تعزيز فكرة أن الحكومة يمكنها فعل أشياء طيبة لمساعدة الناس في حياتهم."

يقول جوش ليبسكي، مدير مركز الاقتصاد الجغرافي بالمجلس الأطلنطي، قد تشهد الولايات المتحدة خلال الأسابيع القليلة القادمة إما فشل بايدن في الدفع قدما بأجندته الداخلية الأساسية وأزمة سقف للدين أو انتزاعه موافقة على رفع حد الاقتراض مع تسوية كبرى حول البنية التحتية البشرية والمادية تجعل الولايات المتحدة البلد الأكثر إنفاقا على إعادة البناء."

يضيف ليبسكي "هذان مساران مختلفان جدا للأحداث وسيشهد العالم (تحقق أي منهما) في أكتوبر القادم. وكلاهما محتمل بذات القدر في الوقت الحالي."

نمو متباطئ

حالة البلبلة والانقسام حول مصير خطط إنفاق إدارة بايدن تتزامن مع لحظة تحول في تعافي أمريكا من الجائحة. فالتوسع الفائق في النشاط الاقتصادي الذي سجل في أوائل عام 2021 أفسح المجال لنمو أكثر اعتدالا ولتباطؤ فجائي في إيجاد الوظائف بسبب الانتشار المخيف لسلالة دلتا الشديدة العدوى.

لذلك سارع خبراء الاقتصاد في الأسابيع الأخيرة إلى تقليص توقعاتهم (حول الأداء) في العام الحالي مما يعزز وجهة النظر التي ترى أن إيقاع تعافي اقتصاد الولايات المتحدة تعدَّى الآن ذروته.

يقول مايكل جابن كبير خبراء الاقتصاد الأمريكي ببنك باركليز "يمكن..... القول إننا تجاوزنا مرحلة التعافي السريع والمستدام منذ الانهيار الصادم في العام الماضي." يشرح ذلك بقوله: "مررنا بانكماش كبير ومررنا بتعاف كبير. ونحن ندخل الآن ما يبدو أنه مرحلة تعافٍ تقليدي تخفُّ فيه سرعة معدلات النمو"

مع ذلك، يستعد بنك الاحتياط الفيدرالي للتقليل من سياساته الداعمة للنمو بدايةً بتقليص البرنامج الشهري الخاص بشراء أصول بقيمة 120 بليون دولار والذي بدأ تنفيذه في العام الماضي لدعم الأسواق المالية وتعزيز التعافي.

تقول نيلا ريتشاردسون، كبيرة الاقتصاديين بمعهد أبحاث المعالجة التلقائية للبيانات، " كان هذا تعافيا مدعوما من الحكومة بمستوى لم نشهده أبدا من قبل. لكن الذي نراه الآن هو التخلي عن الاقتصاد الذي تدعمه الحكومة لصالح اقتصاد يلزمه أن يقف على قدميه."

أيضا صارت تنبؤات التضخم أكثر تعقيدا مع مؤشرات مبكرة بأن بعض القفزات الحادة في الأسعار تتلاشى. وهي تلك القفزات التي ورد أنها حدثت في القطاعات الأكثر حساسية للاختناقات المرتبطة بالجائحة بما في ذلك قطاع السيارات المستعملة والنفقات المتعلقة بالسفر. ذلك على الرغم من أن هذه القفزات السعرية يجري، احتمالا، إحلالها بضغوطات سعرية أكثر استمرارية في قطاعات أخرى.

منافع للجميع

يعتبر العديد من الجمهوريين خطط إنفاق بايدن حماقة محضة في هذه المرحلة من التعافي ويجادلون بأن الاستثمارات غير ضرورية والزيادات الضريبية ستكون مؤذية والنتيجة ستكون نوعا من التضخم الجامح.

قال ميتش مكدونيل، زعيم الأقلية الجمهورية، في مجلس الشيوخ الأسبوع الفائت "هم تواقون إلى فرض "فورة" إنفاق وضرائب أخرى ضخمة وطائشة بمبالغ تصل إلى تريليونات الدولارات. هذا مسعى هدفه نقل بلدنا لليسار إلى الأبد. وهذا آخر شيء يمكن أن تتحمله العائلات الأمريكية. "

لكن الحزب الديموقراطي والبيت الأبيض يرفضان أية مخاوف بأن هذا الجزء من أجندتهما الاقتصادية سيكون تضخميا. فالإنفاق سيكون على مدي فترة تمتد إلى 10 سنوات وسيتم تمويل معظمه بزيادات في الإيرادات الحكومية، بعكس برامج التحفيز الفورية التي تمول بالعجز في الموازنة.

في الأجل الطويل يتوقع الديموقراطيون أن يعزز هذا الإنفاق قدرات نمو اقتصاد أمريكا بالالتفات أخيرا إلى معالجة نقص الاستثمار المزمن في سلع عامة بالغة الأهمية وجعل قانون الضريبة أقل انحيازا للأغنياء وبالتالي خفض أوضاع اللامساواة العرقية والاقتصادية الراسخة.

يقول جيه كامبل، وهو منظم استطلاعات رأي ديموقراطي بشركة أبحاث الرأي العام "هارت ريسيرش"، حتى إذا تم تقليص حجم الإنفاق في مشروع القانون إرضاءا للديموقراطيين الوسطيين ستكون نتيجته أيضا مفيدة سياسيا للحزب الديموقراطي.

ويعتقد كامبل أن هذا التشريع الإنفاقي المقترح "سيؤثر على حياة الناس بطرائق عديدة ومختلفة... ومفيدة لهم في نهاية المطاف. وسيكون لدى الديموقراطيين شيء يتحدثون عنه كإنجاز حقيقي في أول عامين لحكومة الحزب الموحد."

بعد عودته إلى واشنطن من كولورادو ومشاهدته الجمهوريين وهم يواصلون الهجوم على حزمة البرامج الإنفاقية والديموقراطيين وهم لا يزالون في شجارهم، ألقى جو بايدن خطابا جديدا من البيت الأبيض بدا أن القصد منه حشد جنوده والانطلاق معا في المرحلة الأخيرة من العملية التشريعية (سن قانون الإنفاق).

قال بايدن "هذه فرصة لأن نكون البلدَ الذي نعلم أننا يمكن أن نكونه. بلدا نحصل فيه كلنا وليس فقط من هم في القمة على حصة من منافع اقتصاد متنامي في السنوات القادمة. دعونا لا نهدر هذه اللحظة في محاولة الحفاظ على اقتصاد لم يعمل بشكل جيد للأمريكيين منذ فترة طويلة."