وساطة الصين لن تحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني

01 مايو 2023
01 مايو 2023

ترجمة: أحمد شافعي -

شهد هذا العام انشغال الدبلوماسيين الصينيين انشغالا كبيرا، فقد أعلنت الصين للتو عن رغبتها في أن تكون وسيطا بين إسرائيل والفلسطينيين على خلفية جهودها المثمرة التي بذلتها لاستعادة الروابط بين المملكة العربية السعودية وإيران.

ودخول الصراع الإسرائيلي الفلسطيني المتجمد يمثل الخطوة التالية للسياسة الخارجية الصينية التي لم تكن تظهر آثارها حتى وقت قريب إلا في مشاريع البنية الأساسية الضخمة والقروض الرخيصة للبلاد الناشئة.

ومع اقتراب أفول عصر الأموال اليسيرة، تجرّب بكين طرقا جديدة لتوسيع نفوذها العالمي وتقليص مكانة واشنطن المهيمنة في الشرق الأوسط. لكن لا تتوقعوا أي فتوحات على الصعيد الإسرائيلي الفلسطيني.

وسبق للصين أن انغمست في الصراع بتكرارات متعددة لخطة سلام مؤلفة من أربع نقاط، ودعت آخر جهودها المبذولة في عام 2021 إلى إجراءات لتقليل التصعيد، وزيادة للمساعدات، واستئناف لمحادثات سلام قائمة على حل الدولتين. لكن هيمنة أمريكا على أي عملية كان تعني ألا تؤخذ الجهود الصينية مأخذ الجد. ويعني التحول الجيوسياسي في القوى في المنطقة أن الآذان الآن باتت تصغي.

مقاومة هيمنة الدولار

يعد الخط الدبلوماسي الحديث الذي تنتهجه الصين وسيلة من الوسائل التي تتبعها الصين لحماية مكانتها بوصفها قوة عظمى عالميا وللانتقاص من النفوذ الأمريكي. وفي سياق هدفها بعيد الأمد في إزاحة الدولار بوصفه العملة العالمية، ضاعفت الصين من جهودها لحمل بلاد أساسية في إنتاج النفط من قبيل المملكة العربية السعودية على المتاجرة في النفط باستعمال اليوان.

وجرت في أمريكا الجنوبية نقاشات جديدة من الدول أعضاء البريكس -من قبيل البرازيل- حول الابتعاد عن الدولار باعتباره عملة التبادل التجاري. وإذا ما أثمرت هذه التذمرات فإنها سوف تتسبب في صداع كبير للولايات المتحدة.

على خلفية هذه المساعي، يأتي اندفاع الصين إلى الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بمثابة هجمة واضحة على مكانة أمريكا في الشرق الأوسط، وذلك لا يأتي من فراغ، فقد أقامت إسرائيل والصين في هدوء علاقات عسكرية وتجارية وثيقة على مدار العقود الماضية بما أثار حفيظة الولايات المتحدة. في زيارة سنة 2017 إلى بكين، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو: إن ما بين البلدين «رباط بلا أدنى خلاف». ووقع البلدان خلال تلك الزيارة اتفاقية تجارية واسعة النطاق تحمل اسم «الشراكة الابتكارية الشاملة». تمثل الصين ـ بعد الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ـ ثالث أكبر الشركاء التجاريين لإسرائيل. ولكن ما تجدر ملاحظته هو ما يتركز فيه التبادل التجاري. فبحسب مجلة تايم فإن 492 من 507 صفقات تجارية بين البلدين في الفترة بين عامي 2002 و2022 كانت في قطاع التكنولوجيا، ومنها تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والتكنولوجيا الزراعية والروبوتات. كما دفعت الصين مبادراتها للبنية الأساسية في إسرائيل خلال العقد الماضي إذ اشتركت شركات صينية في عام 2021 في توسعة ميناء حيفا وأعربت واشنطن عن تحفظات جادة على ذلك لأن الولايات المتحدة كثيرا ما تستعمل حيفا في رسو قطع من أسطولها السادس.

وقد رفضت إسرائيل طلبا من الولايات المتحدة بفحص الميناء لضمان عدم وجود أي تقنيات مراقبة صينية يمكن أن تتجسس على الأسطول السادس.

التدخل في الشرق الأوسط

يتسع موطئ القدم الصينية في الشرق الأوسط بسبب عقود من التخطيط الدقيق والتودد الهادئ، بغض النظر عن مشاعر أمريكا تجاه ذلك. فمع ازدياد شراء الصينيين للنفط الخام من الشرق الأوسط وانقسام الولايات المتحدة على مستقبل موقفها في المنطقة، سوف يتعمق النفوذ الصيني ويكتمل ظهوره.

يمكننا أن نرى ثمار سنوات التخطيط الدقيق هذه مع جهود الصين الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وإيران. والسؤال الآن يتعلق بما إذا كانت الصين ستقدر أم ستعجز عن كسر جمود الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وصياغة نهج جديد لإنهائه. ومن سوء الحظ أن هذه التوقعات لا تبدو مشرقة. فلا بد أن يتغير وضع الاحتلال الإسرائيلي المستمر للأرض الفلسطينية وسبل عيش الفلسطينيين في أي حلول سلمية دائمة عادلة.

ولننظر إلى البعد الاقتصادي. إن قطاع التكنولوجيا الإسرائيلية قائم على استعمال الاحتلال بوصفه مختبرا تكنولوجيا قيما، فعلى سبيل المثال، ما كان لبرنامج بيجاسوس الإسرائيلي التجسسي الإلكتروني الذي تم تصديره في أرجاء العالم أن يوجد دون احتلال إسرائيل.

كما أن نظام التحكم الإسرائيلي في حياة الفلسطينيين مختبر مثالي لتجربة التكنولوجيا الرقابية. وقد تدرب أغلب المهندسين المشاركين في نظام بيجاسوس على يد الجيش الإسرائيلي واختبروا صنعتهم في الأراضي المحتلة، وتمثل الصين زبونا مهما لهذه التكنولوجيا وليس مرجحا أن ترغب في المخاطرة بفقدان هذه الابتكارات.

ومرة أخرى يجد الفلسطينيون أنفسهم طرفا ضعيفا في معركة جيوسياسية على السلطة لا يعدو وضعهم فيها وضع البيدق. فسوف تستعمل إسرائيل علاقتها الدافئة مع بكين وقوتها التكنولوجية الناشئة لضمان بقاء سيطرتها على الفلسطينيين دون تغيير.

لو أن هناك دعما عمليا للقضية الفلسطينية في العالم العربي، لتوقع المرء المزيد من الضغط على بكين لتحمل إسرائيل مسؤولية هيمنتها اللانهائية على حياة الفلسطينيين، غير أن الأمور تسير في الوجهة المعاكسة.

فالمملكة العربية السعودية، على سبيل المثال، يمكن أن تعرض تداول المزيد من النفط باليوان أو فتح أجزاء من أرامكو السعودية أمام المستثمرين الصينيين مقابل ضغوط ملموسة على إسرائيل للالتزام بالاتفاقيات والمعاهدات الدولية القائمة المتعلقة بفلسطين.

ومع إقامة المزيد من الدول العربية علاقات كاملة وقوية مع إسرائيل، يمكن استخدام القليل من الجزرات أو العصي لضمان تصرف بكين كوسيط معقول، ومن ثم فليس من الأهمية بمكان من وجهة النظر الفلسطينية أن تتوسط الصين أو الولايات المتحدة في الصراع، ففي كلتا الحالتين ليس لهم أن يتوقعوا إلا النتائج نفسها، من قبيل ترسيخ إسرائيل للاحتلال والسيطرة على حياة الفلسطينيين.

إن اندفاع الصين إلى دبلوماسية الشرق الأوسط له علاقة بمكانتها كقوة عظمى تقضي على الهيبة الأمريكية في المنطقة أكثر مما يرتبط بحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

جوزيف دانا صحفي مقيم في جنوب أفريقيا والشرق الأوسط، عمل مراسلا في القدس ورام الله والقاهرة وإسطنبول وأبوظبي.

عن آسيا تايمز