هل من مبرر لاستمرار قتل الفلسطينيين الأبرياء؟!!

04 ديسمبر 2023
04 ديسمبر 2023

بالرغم من أن إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية رغبتا معا في التوصل إلى هدنة إنسانية لوقف الحرب الهمجية الإسرائيلية ضد غزة، فإن الجانبين كانا مترددين في تمديد مدة الهدنة ليوم أو يومين حتى يمكن تمديده بما يسمح بما يكفي بتبادل بمزيد من المحتجزين. غير أن القلق بشأن العملية وما قد تتعرّض له في أية لحظة من فشل -وهو ما كاد يحدث فعلا أكثر من مرة- لم يشجعهما على المضي قدما للتوصل إلى هدنة جديدة برغم ما ظهر لدى كل منهما من رغبة في بحث تمديد الهدنة بشروط جديدة من جانب إسرائيل وحماس أيضا. وإذا كانت إسرائيل هي التي طلبت الهدنة في المرة الأولى عن طريق وزير الخارجية الأمريكي بلينكن خلال جولته المكوكية في المنطقة للتوصل إلى هدنة بين الجانبين، فإن نتانياهو الذي حبذ إمكانية نية تمديد الهدنة بالفعل حول هذه المسألة يوم الجمعة الماضي ليوم أو يومين، بل وأرسل وفدا من المخابرات الإسرائيلية (الموساد) إلى قطر للتباحث حول هذه المسألة ولكنه سرعان ما تراجع عن موقفه وقرر مكتبه سحب الوفد الإسرائيلي من قطر وعودته إلى إسرائيل في اليوم ذاته، متعللا بجمود المحادثات في قطر والتي ربما لم تكن قد بدأت عمليا بعد. وهو ما ينطوي على دلالات بالغة الأهمية فيما يتصل بتردد نتانياهو حول إجراء المفاوضات مع حماس حول ما اتسمت به من تحجر في محادثات لم تستأنف بالفعل حسبما كان يأمل نتانياهو الذي دخل في خلاف مع معارضيه في مجلس وزرائه. لا يعود فقط إلى مجرد انتهاء الهدنة ولكنه يعود في الواقع إلى سببين، أولهما: تعلل نتانياهو بأن حماس لم تفِ بالتزاماتها التي التزمت بالإفراج عن النساء والأطفال الذين تعهدت بإطلاق سراحهن ضمن المحتجزات العشر اللاتي تعهدت بالإفراج عنهن ضمن الصفقة الجديدة، وهي بذلك تريد أن تحمِّل حماس مسؤولية تعثر الصفقة الجديدة بعد أن أكدت حماس أن إسرائيل هي التي رفضت كل مقترحاتها لتمديد الهدنة. يضاف إلى ذلك أن وزير الأمن القومي الإسرائيلي بن غفير لعب على مخاوف نتانياهو وقلقه من احتمال حل الحكومة، حيث أكد بن غفير أكثر من مرة وبشكل علني أن تمديد نتانياهو للهدنة مع حماس سيكون معناه حل الحكومة، وبالطبع لا يريد نتانياهو ذلك، كما أنه لا يريد أن يوصف بأنه هو الذي دعا إلى هدنة مع إسرائيل أكثر من مرة وهو ما يحسب ضده عندما يحين وقت حسابه، ولعل ذلك هو ما عجّل بقرار استدعاء نتانياهو لوفد الموساد وإعادته من الدوحة في نفس يوم سفره إليها ومن ثم إعادته إلى العاصمة القطرية بعد ساعات من وصولها. وفي هذا الإطار فإنه يمكن الإشارة باختصار شديد إلى عدد من الجوانب، لعل من أهمها أولا، أنه من المعروف أن الحروب والمواجهات المسلحة تشهد العديد من المناورات والخدع العسكرية بين الأعداء وخاصة ما يتصل بتكديس الأسلحة أو تخزينها أو إعادة ترتيب القوات أو استكمال معدات أو غير ذلك من الأعمال التي تسعى القوات إلى استكمالها وحرمان العدو من القيام بها لصالحه بشكل أو بآخر، وإذا كانت القوات الإسرائيلية قد أخذت على حين غرة في السابع من أكتوبر الماضي وارتبكت حركتها بشكل أو بآخر، ومع زيادة ضغوط أهالي المحتجزين الأسرى لدى حماس وعدم قدرة القوات الإسرائيلية على إطلاق سراحهم عسكريا، فإنه من المرجح أن فكرة الدعوة الإسرائيلية للهدنة مع حماس إنما جاءت كخطوة لإنقاذ إسرائيل أو التخفيف من محنتها والبحث عن ثغرة للنفاذ منها وإنقاذها برغم القصف الهمجي والعشوائي ولعل ذلك يفتح ثغرة ما للوصول إلى الملاجئ أو اكتشافها. وإذا كان التفكير لدى إسرائيل يوجد مثيله لدى حماس بشكل أو بآخر، فإنه من المؤكد أن مناورات واستعدادات يوجد مثلها لدى غزة، ومن هنا كان الحرص متبادلا مع فارق القوة لدى إسرائيل، يضاف إلى ذلك أنه لم يكن مصادفة أن يحرص الإسرائيليون والفلسطينيون على الاستفادة قدر الإمكان من الأنفاق في غزة وعلى توظيفها بشكل مفيد لصالحهم سواء قبل الهدنة أو بعدها ومن ثم لم يكن صدفة أن يزيد الجيش الإسرائيلي عمليات القصف وأن يزيد غاراته ويؤكد استمرار القصف ويعيد استخدام أساليب عمليات طرد السكان من أحياء عديدة من غزة من بيوتهم إلى جنوب القطاع، وزيادة الضغوط واستمرار حرمانهم من الماء والغذاء والوقود في إعادة محاكاة لممارساتهم الهمجية اللاإنسانية القصيرة، وبالتالي عادت إسرائيل إلى ممارساتها السابقة بعد أن تمكنت من تحرير أكثر من مائة محتجز تابعين لها دون أن يكون منهم عسكريون وهو مكسب جزئي حتى تتحسن شروط مبادلة الأسرى بين حماس وإسرائيل.

ثانيا، إنه في الوقت الذي حبذت فيه الكثير من الأطراف الإقليمية والدولية، تمديد الهدنة وحتى التفاوض على شروط جديدة لإتاحة فرصة أمام مبادلة مزيد من المحتجزين وتخفيف معاناة ذويهم، فإن ما يفضح حقيقة هذه المواقف أنها اقتصرت في الواقع على البعد النظري أو الشفوي، بمعنى أنها اتسمت عموما بالدعوة النظرية أو مناشدة المجتمع الدولي بدعم ومساعدة الفلسطينيين ودعوة الإسرائيليين إلى التوقف عن العنف والالتزام بحماية المدنيين ومراعاة قواعد القانون الدولي الإنساني المنحاز إلى جانبها بتأييد ما يسمونه حقها في الدفاع عن النفس في مواجهة حماس مع دعوة إسرائيل إلى الالتزام بالقانون الدولي والتخفيف من معاناة المدنيين كنوع من ذر الرماد في العيون، إذ إن التنفيذ العملي قضية أخرى والأمثلة العملية في هذا المجال كثيرة ومتكررة داخل المنطقة وخارجها، وعلى ذلك تمارس العديد من الدول ازدواجية المعايير وعمليات الخداع العلني دون أن تقلق من هذا الخداع. حتى كادت تختفي الدعوة المخلصة لوقف القتال بشكل دائم في إطار الأمم المتحدة وحل الدولتين.

ثالثا، إذا كانت إسرائيل واليمين الإسرائيلي قد حررا نحو نصف الأسرى المختطفين، ومن ثم تخفف نتانياهو من قدر غير قليل من الضغوط على الصعيد الداخلي لإطلاق سراح المتبقين لدى حماس، فإن استئناف الحرب من جانب إسرائيل ضد حركة حماس، من شأنه أن يطلق يدها بشكل بشع ضد حماس خلال الفترة القادمة، للوصول بحجم الخسائر المحققة إلى مستويات غير مسبوقة في التدمير لقطاع غزة وللضغط على سكانه للدفع بهم نحو الحدود كخطوة قد يمكن توظيفها بشكل أو آخر لخدمة مخططات إسرائيل في المستقبل، وهو ما تقف مصر بقوة وحزم من أجل الحيلولة دون أي نوع من التعاطف من أي نوع أو تحت أي ظرف أو مبرر؛ لأنه ببساطة يسعى إلى حل المشكلة الفلسطينية والدولة الفلسطينية على حساب الفلسطينيين والعرب. ومما له أهمية ودلالة أن مصر تمكنت بدعم ومساندة بعض الأشقاء من كسب تأييد بقوة لرفض التهجير القسري للفلسطينيين خارج أراضيهم ورفض الخروج من غزة حتى لا تتكرر نكبة 1948 مرة أخرى في نكبة أسوأ.

على أية حال، فإن الإعلان عن استمرار الحرب ضد حماس وقطاع غزة، واحتمالات استمرار الحرب مدة غير قليلة هي في جانب منها حرب نفسية ضد الفلسطينيين ومحاولة للتأثير في تصميمهم وإرادتهم للقتال وللحفاظ على أرضهم وانتزاع حقوقهم الوطنية، التي لن يتركوها مهما كانت التضحيات اليوم أو غدا حيث يقترب بشكل أكثر فأكثر من صراع صفري، ومع ازدياد هذه السمة في الصراع في غزة يوما بعد آخر سيزداد الصراع دموية وعنفا وعلى نحو يصعب السيطرة عليه سوى بمزيد من الخسائر والتضحيات لهذا الجيل والأجيال القادمة، وعلى نحو يصبح القتل في فلسطين خارج عن السيطرة على نحو مخيف. فهل من طريق لوقف القتال واستعادة أمل السلم للجميع وعلى أساس عادل للجميع أيضا؟.