هل تتجاوز الحكومة حدودها عندما تجعل التطعيم إلزاميا ؟

25 يناير 2022
25 يناير 2022

في وقت سابق من هذا الشهر، منعت المحكمة العليا في الولايات المتحدة محاولة الرئيس جو بايدن إلزام الشركات التي تضم أكثر من 100 موظف بمطالبتهم بتلقي التطعيم ضد مرض فيروس كورونا "كوفيد" أو ارتداء أقنعة الوجه والخضوع للاختبار بانتظام. هل كانت إدارة بايدن مذنبة بتجاوز حدودها؟

في بعض البلدان، بما في ذلك النمسا، والإكوادور، وإندونيسيا، فرضت الحكومات أوامر رسمية تلزم كل السكان بتلقي لقاح كوفيد-19، أو على الأقل كل العاملين. وتدرس ألمانيا حاليا ما إذا كانت ستحذو حذو هذه البلدان. كما فرضت بلدان عديدة، بما في ذلك إيطاليا، شرط التطعيم على مجموعات فرعية من السكان، مثل العاملين في مجال الصحة أو أولئك الذين تزيد أعمارهم عن الخمسين عاما. لكن حكومات أخرى، بما في ذلك في الدنمارك والمملكة المتحدة، جعلت التطعيم مسألة اختيار فردي. في بعض الأماكن، لا تقل المعارضة الشعبية للتطعيم الإجباري ضد كوفيد-19 قوة عن الحركة الأمريكية المناهضة للتطعيم. الحق أن لقاحات كوفيد-19تؤدي الغرض منها. تشير الدراسات إلى أن الأشخاص غير المطعمين أكثر عُرضة بنحو 15 مرة للموت بسبب المرض مقارنة بالأشخاص المطعمين. ومع ذلك، حتى بين غالبية الأميركيين الذين يقبلون أن اللقاحات آمنة وفَعّالة، يزعم بعض الناس أن الأفراد يجب أن يكونوا قادرين على الإختيار بين تلقي اللقاح أو الإمتناع عن تلقيه. وهم ينظرون إلى التفويضات الحكومة الملزمة في هذا الصدد باعتبارها تجاوزا لكل الحدود. إن الافتراض بأن سياسة عدم التدخل يجب أن تكون الخيار الأساسي في السياسة العامة منطقي في اعتبار العديد من أهل الاقتصاد: ولكن قبل اقتراح أي تدخل حكومي، يجب تحديد إخفاق معين في السوق يستلزم هذا التدخل. ليس من الصعب القيام بهذا عادة. يُعَد التلوث البيئي مثالا كلاسيكيا هنا، لأن أشخاصا آخرين ليسوا طرفا في النشاط الضار يتحملون تكلفة الهواء أو الماء الملوث. ونتيجة لهذا، ستنتج السوق مقادير كبيرة من الهواء والماء الملوثين. تشمل فئات أخرى من إخفاق السوق السلع العامة، وقوة الاحتكار، وعجز الفرد عن اتخاذ قرار مستنير (كما في حالة الأطفال).

من الصعب للغاية حمل الجميع على الاتفاق على مكان رسم الخط الفاصل بين الحالات حيث تفوق الفوائد المترتبة على التدخل الحكومي التكاليف، والحالات التي لا يتحقق فيها هذا الشرط. ولكن يجب أن يكون من الأسهل الاتفاق على ترتيب يتألف من تطبيقات عملية مختلفة وفقا لقوة الحجة لصالح التدخل. ومثل هذا التصنيف بدوره ربما يشجع على التفكير بشكل أوضح في مزايا تفويضات لقاح كوفيد-19 الإلزامية.

لنتأمل هنا القضايا السياسية الخمس عشرة التالية، مرتبة في تسلسل مقترح من الحجة الأقوى والأوسع قبولا لصالح التدخل الحكومي إلى الحجة الأكثر ضعفا. أولا، يُعَد إنفاذ القانون من قِبَل الشرطة ونظام العدالة الجنائية من وظائف الحكومة الأساسية. وحتى أكثر التحرريين تشددا يتفقون على أن هذا مناسب وواجب. ثم أن الأفراد، كما يجب أن يكون واضحا كحجة ثانية، لا يجوز لهم امتلاك أسلحة نووية تكتيكية.

ثالثا، نحن نثبت إشارات المرور عند التقاطعات المزدحمة، ونطلب من الشرطة فرض الامتثال لها. والحجة لصالح هذا أقوى حتى من الحجة لصالح جعل ربط أحزمة الأمان إلزاميا، لأن قسما أعظم من الخطر المميت الناجم عن تجاوز إشارة مرور حمراء يتحمله آخرون. وأنا شخصيا أقترح أن يأتي فرض التفويض الإلزامي على كل العاملين بتلقي لقاح كوفيد-19 (مع السماح بإعفاءات طبية) عند هذه المرحلة من التسلسل تقريبا، في إطار الحجة الرابعة.

خامسا، تستلزم الولايات الأميركية الخمسين تطعيم الأطفال ضد العديد من الأمراض المعدية: الدفتيريا، والسعال الديكي، وشلل الأطفال، والحصبة الألمانية، والجدري المائي. وقد قضت اللقاحات فعليا على هذه الأمراض الستة، التي كانت تقتل الملايين، في الولايات المتحدة. والشخص الذي يوافق على هذا الإلزام يجب أن يدعم أيضا تفويض لقاح كوفيد-19 الإلزامي. سادسا، نحن نقوم بتنظيم تلوث الهواء، كما أشرنا أعلاه، لأنه عامل خارجي يؤثر على صحة الآخرين ورفاهتهم. سابعا، كل الولايات الخمسين تستلزم التطعيم ضد التيتانوس. ولأن التيتانوس ليس مرضا معديا، فقد يزعم أنصار التحررية أن الأفراد يجب أن يكونوا قادرين على اتخاذ القرار بأنفسهم. ولكن عندما يتعلق الأمر بالأطفال، فإن الحجة تكون أقوى لصالح تدخل الحكومة.

ثامنا، بموجب تشريع قائم منذ أمد بعيد، تعمل أيضا إدارة السلامة المهنية والصحة الأميركية ــ الهيئة التي كان من المفترض أن تصدر معيار بايدن للقاح ــ على تنظيم العديد من المخاطر الأخرى في محال العمل، بما في ذلك الأسبستوس، وغبار الفحم، وملوثات الهواء الأخرى. قد يزعم بعض التحرريين أن الأشخاص يجب أن يكون بوسعهم أن يختاروا الامتناع عن العمل لدى أصحاب الأعمال الذين يُعرَفَ عن بيئات العمل التي يديرونها أنها غير صحية. ولكن مع كوفيد-19، يفتقر العمال إلى المعلومات الكاملة، والحكومة أكثر قدرة على تقييم الحقائق العلمية.

تاسعا، تفرض الحكومة تنظيما صارما على المشروبات الكحولية، بما في ذلك من خلال الضرائب المرتفعة، ومعاقبة القيادة تحت تأثير الخمر، وحظر البيع للقُصَّر. وتنطبق قيود مماثلة على منتجات التبغ، الحجة العاشرة على القائمة، وإن كان تدخين السجائر ــ وأكثر من هذا في حالة مضغ التبغ ــ يفرض تكاليف أقل على الآخرين مقارنة بالقيادة تحت تأثير الخمر. في كل من الحالتين يتكبد المجتمع قدرا كبيرا من التكلفة عندما يمرض المستهلك. (الحجة السابعة والثامنة أيضا). بعد هذا، تصبح الحجة لصالح التدخل الحكومي أضعف.

يشير احترام الحرية الفردية إلى أن حظر الكحول (أو السجائر) كليا يُـعَـد تجاوزا غير مقبول. وسيكون أيضا غير قابل للتنفيذ، كما تعلمت الولايات المتحدة خلال عصر الحظر (1920 إلى 1933).

على نحو مماثل، في حين يشير أنصار الفوقية الأبوية إلى مجافاة القمار وإدمانه للعقل، فإن الحظر لا يمكن فرضه إلزاما. وأيضا، على عكس المشروبات الكحولية، يقع عبء المقامرة بالكامل تقريبا على عاتق المقامرين أنفسهم. من الممكن أن تمارس الحكومة حق مصادرة الأملاك الخاصة للاستعمال العام. ويُـعَـد هذا تعديا سافرا على حقوق الملكية الفردية، لكن هذه الممارسة شائعة رغم ذلك، حتى في الولايات المتحدة. علاوة على ذلك، يدعم العديد من المحافظين حق مصادرة الأملاك الخاصة عندما يتعلق الأمر بتمديد خط أنابيب للنفط على سبيل المثال. العديد من العقاقير المسببة للإدمان، مثل الهيروين، غير قانونية. ويدعم معظم الناس هذا، وإن كان آخرون يزعمون أن استخدامها يجب أن يكون مسألة اختيار فردي.

لنختتم القائمة بأكثر السياسات الحكومية المتعلقة بالجائحة مجافاة للمنطق. في العام الفائت، جعل حاكم فلوريدا رون ديسانتيس من غير القانوني أن تُـلزِم شركات خطوط الرحلات البحرية وغيرها من الشركات الخاصة عملاءها بتلقي التطعيم. ولكن ألا ينبغي لشخص يدافع عن حقوق الملكية أن يسمح لخطوط الرحلات البحرية الخاصة بأن تحكم بذاتها ما إذا كان عملاؤها المحتملون يريدون تطعيم زملائهم من الركاب؟ من الواضح أن وجهات نظر أشخاص مثل ديسانتيس وآخرين مثله لا تستند إلى احترام الحقوق الفردية، كما يزعمون، بل تستند إلى شيء آخر. قد يرى كثيرون، في حالة الحجج من الخامسة إلى العاشرة، أن الفوائد المترتبة على التدخل الحكومي تفوق تكاليفه. إذا كان الأمر كذلك، فمن المنطقي أن يستنتج المرء أن ذات الأمر ينطبق على تفويضات لقاح كوفيد-19 الإلزامية.

• جيفري فرانكل أستاذ تكوين رأس المال والنمو بجامعة هارفارد

** خدمة بروجيكت سنديكيت ترجمة: مايسة كامل