هجوم ترامب على بنك الاحتياطي الفيدرالي يهدد صِدْقِيَّة الولايات المتحدة

31 أغسطس 2025
31 أغسطس 2025

ترجمة: قاسم مكي 

ادِّعَاء رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب بأنه «أقال» ليزا كوك عضوة مجلس محافظي البنك الاحتياطي الفيدرالي «لسببٍ وجيه» ليس فقط غير قانوني ولكنه بالغ الخطورة. فهو يمثل محاولة مباشرة لِتَسْييس بنك الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي) وتخويف قيادته وإخضاع السياسة النقدية لإرادة الرئيس. هذا الفعل يهدد بإنهاء استقلال الاحتياطي الفيدرالي وينهي معه صدقية السياسة النقدية للولايات المتحدة في الداخل والخارج معا. 

القانون واضح. (فهو ينص) على بقاء أعضاء مجلس محافظي الاحتياطي الفيدرالي في مناصبهم لفترة 14 عاما وذلك بالضبط؛ كي لا يُلقَي بهم جانبا بواسطة الرؤساء الذين لا يحبون آراءهم أو يطلبون ولاءهم. السبب الوجيه للإقالة يُقصد به «سوء السلوك الموثَّق». أما «الاتهامات» فليست «سببا وجيها». 

ليزا كوك أدَّت وتؤدي واجبها بنزاهة. فهي تزن الأدلة والبراهين المتاحة وتصوِّت لسياسات مُصاغة لتحقيق الهدفين المزدوجين للبنك وهما استقرار الأسعار وأقصى قدر من التوظيف. حديث ترامب عن وجود «سبب وجيه» اختلاقٌ لا علاقة له بالواقع. إنه تَعِلَّة لتبرير استحواذِه على السلطة عنوة. 

هذا لا يتعلق بعضو واحد في مجلس محافظي الاحتياطي الفيدرالي. إنه يتعلق بالتخويف. ترامب باستهدافه ليزا كوك يبعث برسالة مرعبة لكل عضو في مجلس محافظي البنك والى رؤساء الفروع الإقليمية لبنك الاحتياطي الفيدرالي الذين يشاركون في اجتماعات اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة (وهي اللجنة المناط بها وضع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة- المترجم). رسالة ترامب هي: أفصِح عن اختلافك مع آراء الرئيس وستكون التالي (بعد إقالة ليزا كوك). 

مثل هذه التهديدات من شأنها كتم أنفاس قادة الاحتياطي الفيدرالي ومنعهم من أداء واجبهم بتقديم آراء أمينة ومهنية ومستقلة حول السياسة النقدية للجمهور. ويمكنها تغيير طريقة التصويت (على السياسة النقدية.) كما ستحوِّل مؤسسة مشهورة باستقلالها وسجلِّ إنجازاتها القوي الى «مسرح عرائس» لأهواء وأولويات الرئيس. 

في الوقت الحاضر الأولوية الرئيسة لإدارة ترامب هي أن يخفض البنك الفيدرالي أسعار الفائدة بقدر كبير لتقليص تكلفة خدمة دين حكومة الولايات المتحدة الذي يبلغ 37 تريليون دولار. ومن المرجح أن تكون عواقب ذلك كارثية. 

يقدم التاريخ درسا واضحا دون مواربة وهو أن الفوضى ستعقب عندما يسيطر القادة على بنوكهم المركزية ويجبرونها على شراء الدين الحكومي أو خفض أسعار الفائدة لخفض تكلفة خدمة دينها. (فهنالك تجربة) ألمانيا في عشرينيات القرن الماضي والمجر بعد الحرب العالمية الثانية. وهنالك أيضا الأرجنتين وتركيا مؤخرا جدا. تتغير أسماء (البلدان) لكن الحكاية هي نفسها. 

البنوك المركزية المُسَيَّسَة (التي تُوظَّف لخدمة أغراض سياسية) تقود إلى تضخم أعلى ونمو متقلِّب وعملات ضعيفة. ولا يمكن أن يكون مثل هذا الطريق جيدًا للولايات المتحدة. لقد سرنا فيه مرة في الماضي أثناء الحرب العالمية الثانية عندما أُلزِم البنكُ الفيدرالي بإبقاء أسعار الفائدة عند معدّل مُتدَنٍّ لمساعدة وزارة الخزانة على تمويل الحرب. وكانت النتيجة ارتفاع التضخم. 

في عام 1951 توصل بنك الاحتياطي الفيدرالي مع وزارة الخزانة الأمريكية إلى اتفاقية يركز البنك بموجبها على استقرار الأسعار وتحقيق أكبر قدر من التوظيف. وهذان هما هدفاه منذ ذلك التاريخ حسب تفويض الكونجرس القانوني. 

صِدْقِيّة بنك الاحتياطي الفيدرالي في صياغة سياسة نقدية مسؤولة تعزز الثقة العالمية في الدولار وفي الأوراق المالية (السندات) التي تصدرها وزارة الخزانة الأمريكية والتي تعتبر على نطاق واسع الأصول الأكثر أمانا في العالم. وهي تدعم اقتصاد الولايات المتحدة. 

وإذا اعتقدت الأسواق أن «يد» الاحتياطي الفيدرالي توجهها أوامر سياسية سيفقد كل قرار يتعلق بأسعار الفائدة صدقيته. ويمكن أن تنفلت توقعات التضخم من مرساتها (تفقد ثباتها). وستتعرض للخطر مكانةُ الدولار باعتباره العملة الاحتياطية للعالم. وسيتوصل المستثمرون والحلفاء على السواء إلى أن الولايات المتحدة لم يعد لديها بنك مركزي مستقل. 

نحن بذلك سنُبدِّد أحد أعظم الأصول الاقتصادية لبلدنا. وللمفارقة، هذه الاستراتيجية لن تنجح حتى في خفض أسعار الفائدة طويلة الأجل (كلفة الدين طويل الأجل). بل بالعكس ربما سترتفع أسعار الفائدة طويلة الأجل نسبة إلى التوقعات بارتفاع التضخم. 

يجب مواجهة محاولة ترامب فصل ليزا كوك بغضبٍ عارم وليس باللامبالاة. على الكونجرس الدفاع عن استقلال البنك الفيدرالي. وعلى المحاكم وضع حد لهذه المحاولة غير القانونية للاستقواء بالسلطة. وعلى مجتمع المال رفع صوته ضد هذا الاعتداء المباشر على صدقية الدولار نفسه. 

استقلال بنك الاحتياطي الفيدرالي ليس مسألة تكنوقراطية ثانوية. إنه أساس الاستقرار الاقتصادي والقيادة العالمية للولايات المتحدة. سعْيُ ترامب للقضاء عليه من أجل مكسب شخصي طائشٌ ومؤذٍ ولا يشبه (قِيَم) أمريكا بأي حال من الأحوال. 

 جانيت يلين زميلة متميزة مقيمة بمعهد بروكنجز ورئيسة سابقة لبنك الاحتياطي الفيدرالي ووزيرة خزانة سابقا. 

  عن الفاينانشال تايمز