نجوم السوشيال ميديا وسلطة التخلف!

26 يناير 2022
26 يناير 2022

يبدو أن إشكالية نجوم السوشيال ميديا، لاسيما عبر وسائط: فيسبوك- انستجرام- يوتيوب، في منطقتنا العربية تعكس أوضاعاً جديدة ليس فقط لجهة أن الظاهرة تتصل بموضوع الشهرة في تلك الوسائط، بل لسبب آخر ربما نجده غريباً جداً، لكنه في الوقت نفسه أصبح حقيقةً صادمة.

كثيرون منا يسمعون بأولئك النجوم الصغار الذين تطبق شهرتهم الآفاق ويتم استقبالهم في فنادق الخمس نجوم وتسلط عليهم الأضواء باعتبارهم من أبرز النجوم الذين لهم أتباع كُثر في وسائل التواصل الاجتماعي، وربما يتفاجأ المرء أحياناً من سذاجة أولئك النجوم وبساطتهم بصورة تجعل البعض منا يستغربون في الكيفية التي أصبح بها أمثال هؤلاء نجوماً، وهم بتلك الضحالة التي لا تتناسب مع أي افتراض لشهرة الشخصيات الاجتماعية في العادة.

منبع الاستغراب في الحقيقة لا يكمن في أي غياب مفترض لاستحقاق تلك الشخصيات، فببساطة يمكننا أن نكتشف سريعاً غياب الاستحقاق المعتبر في النسبة والتناسب العاديين حيال تلك الشخصيات «الخفيفة»، ولا يكمن أيضاً في ردود فعل الذين يعجبون بتلك الشخصيات من الأتباع؛ ففي النهاية هناك سلطة لوسائل الإعلام على الأفراد من حيث التأثير عليهم، طالما أن هناك فضاءً عاماً لا يقبل الفراغ!

منبع الاستغراب الذي سيظل هو جوهر الاختلاف بين ما يحدث في المنطقة العربية، وما لا يمكن مقارنته بالعالم المتحضر؛ يكمن في أن شروط التخلف التي تحكم الحياة في المنطقة العربية هي التي تفرز سرديات تلك المنطقة ونجومها الذين يتم تعويمهم عبر وسائل السوشيال ميديا.

ذلك أن استخدام تلك الوسائط كآليات تقنية ليس هو الذي يحدث الفرق في تقدير أو تصنيف حالة المجتمع، وإنما الذي يصنع الفرق هو الهوية الحضارية للمجتمع بحيث تكون تلك الهوية الحضارية هي الضابط لمعنى وقيمة النشاط العام الذي يؤثر في الناس. وهنا سنجد أن الوسيلة لم تكن يوماً ما هي الغاية؛ ففي عالمنا العربي طالما استخدم الناس الوسائل العصرية دون أن يكون ذلك كافياً لمؤشرات حداثة يمكن أن تحدث قطعاً مع الكثير من ظواهر التخلف.

المشكلة في الإيحاء الخطير لوسائل التواصل الاجتماعي أنه حتى في طبيعة استخداماتها التي تتطلب حداً محدوداً من المعارف الأولية، ستوحي لكثيرين: أن الفعل الذي يمارس عبر النشاط العام في تلك الوسائط (ما دامت طبيعته الأولية متصلة بفكرة بالكتابة والقراءة) فإنه بالضرورة سيكون فعلاً منتجاً للمعنى!

هكذا سنقع على كثير من التمثيلات الخادعة التي تدعي إيهاماً بالوصول إلى العالم الرقمي الذي يجعلنا على حدٍ سواء مع بقية العالم المتقدم، فيما نحن في الحقيقة نعبر عن اختلافات جوهرية بين حقيقة ما نحن فيه، وبين الوضع الحقيقي للعالم المتقدم. فتجد البعض منا يدعو إلى تجاوز قراءة الكتب الورقية حتى بدعوى أن السوشيال ميديا وفرت فضاءً متاحاً لقراءة الكتب عبر صيغة PDF أو عبر الكتب الإلكترونية الجديدة دون أي تقدير أو معرفة لمقارنات تاريخية بين أحوالنا في عادات القراءة وبين العالم المتقدم والمراحل التي قطعها ذلك العالم في عاداته المجيدة حيال موضوع القراءة.

ولأن طبيعة التحديث المستمر ووتائر البث المتسارعة لمفردات محتوى وسائط التواصل الاجتماعي وهشاشتها وسطحيتها؛ تظل باستمرار أبرز علامات تلك الوسائط، فإن أي إنتاج للمعنى أو القيمة سيكون الحديث عنه عبثاً لا طائل منه في أوساط تلك المجتمعات التي ترتاد وسائط التواصل الاجتماعي، الأمر الذي سنكتشف معه أن ذلك المحتوى الذي تعج به وسائل التواصل الاجتماعي هو فقط؛ حُمَّى انجذاب مستمر لكل الظواهر التي تخرج عن المألوف من أجل لفت انتباه الناس بحركات ومواقف يكون الشذوذ العام عن النظام أو الأخلاق أو العادات هو مؤشر متابعة الناس لها بسرعة، هي ذاتها السرعة التي يتم بها نسيان تلك المواقف من أجل الحصول على مواقف أكثر جرأة وغرابة! وهكذا نجد أن كثيرين من نجوم وسائل التواصل الاجتماعي هم من تلك الشخصيات المسطحة التي – رغم سطحيتها تلك – تجد قبولاً وزخماً ما كان يمكن لها أن تحظى به، أبداً، لولا هيمنة التخلف في قاع تلك التمثيلات التي تعرضها وسائل التواصل الاجتماعي، الأمر الذي يمكننا من القول: إنه كلما انتشرت تلك الوسائط في فضائنا العربي أدركنا هيمنة التخلف! محمد جميل أحمد كاتب من السودان

«المحتوى الذي تعج به وسائل التواصل الاجتماعي هو حُمَّى انجذاب لكل الظواهر التي تخرج عن المألوف من أجل لفت انتباه الناس بحركات يكون الخروج العام عن النظام هو مؤشر متابعة الناس لها بسرعة، هي ذاتها السرعة التي يتم بها نسيان تلك المواقف من أجل الحصول على مواقف أكثر جرأة وغرابة»