مونديال الشرق الأوسط!

23 نوفمبر 2022
23 نوفمبر 2022

مونديال كأس العالم الذي تجري وقائعه في دولة قطر ابتداء من الأحد الماضي 20 من نوفمبر 2022 ويستمر حتى يوم 18 من ديسمبر القادم، لا يمكن اعتباره حدثًا عربيًا فحسب، بل حدثًا شرق أوسطي بامتياز. فما نجحت فيه دولة قطر وأصبحت قادرة على تنظيمه على هذا النحو الذي بدا واضحًا من حيث الجاذبية والإبهار والدقة والجمال لهو أمر يدخل في كسب هذه المنطقة، منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا برمتها، لكي تكون جزءا حيويا من العالم.

إن قيمة المونديال التي تُعدّ فيه قطر اليوم مركز أنظار جميع شعوب الأرض لمتابعة «حرب الأمم النظيفة»، وبوصفها - أي قطر - بؤرةً مشعةً بالمتعة والفرح في الشرق الأوسط لا تعيد لها تعريفًا جديدًا فحسب أمام شعوب العالم، بل تعيد اعتبارًا لمنطقة طالما عرفت في العالم بأنها من أسخن مناطقه المعبأة بالحروب على نحو متصل منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وفي هذا الوجه الجديد للشرق الأوسط فرصة لزاوية رؤية أخرى من خارج الأجندة النمطية لخطاب الميديا العالمية عن منطقة الشرق الأوسط، وفي هذا الإنجاز كسب كبير لهذه المنطقة.

لقد بدا مونديال كأس العالم منذ بداياته، وبعد الحرب العالمية الثانية، شأنًا مرتبطًا بهوية المتروبول العالمي (الأورو أمريكي)حيث إن كلمة « العالمية» هنا هي مفتاح الاعتبار الذي يستصحب الكثير من حيثيات الإنجاز والمعنى، وبحيث يظل المونديال متمحورًا حول قارة أوروبا والقارة اللاتينية، بصفة خاصة، لاعتبارات تتصل بالإبداع الكروي الذي جسد به اللاتينيون فرادةً مستحقة.

ولم يتخلص تنظيم كأس العالم من ذلك الاحتكار الأوروبي والأمريكي إلا بعد 70 عاما، منذ أول تنظيم له في دولة الأورجواي عام 1930 حين صير إلى تنظيمه لأول مرة خارج أوروبا والأمريكيتين في العام 2002 بقارة آسيا، مناصفةً بين كوريا الجنوبية واليابان، فيما تم تنظيمه للمرة الثانية خارج قطبي أوروبا والأمريكتين، في العام 2010 بدولة جنوب إفريقيا التي أهلَّها استحقاق سياسي وأخلاقي فريد من نوعه في إفريقيا.

وهكذا، يطل كأس العالم اليوم، عبر قطر، إلى منطقة الشرق الأوسط ليرسل رسالة إنسانية مهمة هي أشبه ما تكون بطبيعة الوضع الذي يعيشه عالم اليوم في ظل ثورة المعلوماتية والاتصال، حيث طرأت تحولات بنيوية في نظرتنا لبنيان عالم ما قبل الثورة الرقمية. وربما كانت حاجة قطر اليوم إلى اطرِّاد ذكرها على ألسنة شعوب العالم على مدى شهر كامل، سيكون حافزًا قويًا لتلك الشعوب للخروج من مزاج نمط المتروبول العالمي باتجاه عوالم أخرى في الشرق الأوسط لكن هذه المرة عوالم لا تأتي لذاكرة تلك الشعوب من قاموس الحرب التي طبعت هوية الشرق الأوسط، بل تأتي من قاموس الجمال والفن والرياضة.

أحيانًا تأخذ الشعوب انطباعاتها عن شعوب أخرى فقط عبر صور ذهنية ونمطية لا علاقة لها بالحقيقة، وإنما بالمجاز الفني الذي يستحوذ على العقل البشري المأخوذ به بحيث لا يستطع الفكاك منه!

لقد كان بعض الدارسين العرب في الولايات المتحدة حتى في عقد التسعينات من القرن الماضي يتفاجؤون من انطباعات عامة الأمريكيين ودهشتهم حين يعرفون أنه عربي من الشرق الأوسط، بحيث يسألونه أسئلةً ساذجة لا يمكن أن يصدقها عقله. وذلك فقط بسبب ارتهان انطباعات صورة ذهنية تم تعميمها لتظل - بعد ذلك - صورة راسخة من معطيات ذاكرة السينما الأمريكية (هوليوود) مثلًا.

في تقديرنا، أن السياق الذي اتفق لقطر في تنظيم كأس العالم، سياق عالمي مختلف، وغير تقليدي؛ سياق سيعني لقطر الكثير، ليس فقط لجهة الفرح والفخر بالفوز بتنظيم مونديال عالمي ككأس العالم (وهو فرح نادر ومستحق بطبيعة الحال) وإنما لجهة التغيير الذي سيطرأ على مجريات كثيرة في حياة القطريين وفي دولة قطر ذاتها بعد شهر كامل من تجربة إنسانية فريدة للعيش المشترك مع شعوب تأتي من العالم لمنطقة الشرق الأوسط بانطباعات من خارج معهود ما عرفت به هذه المنطقة!

الأرجح أن قطر جلبت الكثير والمثير لمنطقة الشرق الأوسط باستضافتها لمونديال كأس العالم 2022، فالشرق الأوسط هذه المرة لن يعكس انطباعًا في أذهان الآخرين بحسب سرديات الآخرين، بل سينطوي على صورة جديدة عبر قطر؛ صورةً ستظل محفورةً في أذهان الكثيرين لشرق أوسط مختلف!