منظمات المجتمع المدني .. واجتماع الاتحاد الدولي للصحفيين بمسقط

01 نوفمبر 2021
01 نوفمبر 2021

مع نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945 والإعلان عن قيام منظمة الأمم المتحدة التي تم الاحتفال باليوم السنوي لها في الرابع والعشرين من شهر أكتوبر الماضي، أدرك الآباء المؤسسون لهذه المنظمة الدولية حقيقة أساسية هي أن تحقيق السلام والأمن الدوليين والحفاظ عليهما، باعتبارهما في مقدمة أهداف الأمم المتحدة، يقتضي ليس فقط تبني مبدأ الضمان الجماعي، الذي يرتب لمجلس الأمن الدولي حق العمل والتدخل لوقف العدوان الذي قد تتعرض له إحدى الدول الأعضاء، ومواجهة حالات تعريض السلم والأمن الدولي للخطر، وفقا للوسائل التي يتيحها الفصلان السادس والسابع من الميثاق، والتي تسمح في جانب منها بحق التدخل والعمل المسلح لفرض قرارات المجلس عند الضرورة، وذلك من منطلق اعتبار الاعتداء الذي قد تتعرض له أية دولة عضو، بمثابة اعتداء على الدول الأخرى، وأن الدفاع الشرعي عن النفس يسمح للدولة التي تتعرض للعدوان بالاستعانة بمساعدة المنظمات التي تنتمي إليها ومنها الأمم المتحدة، ولكنه – أي تحقيق السلام والأمن الدوليين – يقتضي أيضا السعي لتحقيق أكبر قدر ممكن من التعاون بين الدول الأعضاء للعمل معا في مختلف المجالات، تحقيقا للمصالح المشتركة والمتبادلة على مختلف المستويات، الثنائية والمتعددة الأطراف والإقليمية والدولية، ومن ثم شجع ميثاق الأمم المتحدة مختلف صور وأساليب التعاون بين الدول على المستويين الحكومي وغير الحكومي، إيمانا بأن تشابك المصالح، وزيادتها واتساعها، هو من أهم الوسائل التي تحد من إمكانية التصعيد والمواجهات المسلحة والحروب.

وفي هذا الإطار شجعت الأمم المتحدة وعملت على إنشاء العديد من المنظمات المتخصصة التابعة لها، في مجالات الصحة والتعليم والثقافة والطيران المدني والمناخ والاتصالات والمناخ والتجارة والعمل، وحقوق الإنسان، والمياه والبحار، وفي مختلف المجالات لإدارة المرافق المختلفة لصالح المجتمع الدولي والبشرية جمعاء، كما أنها أعطت دورا حيويا ومساعدا للمنظمات الإقليمية، كالجامعة العربية والاتحاد الإفريقي والأسيان والاتحاد الأوروبي ومنظمة الدول الأمريكية وغيرها، وبالنظر إلى أن تطور المجتمع والتنظيم الدولي على مدى العقود الأخيرة قد شهد ظهور العديد من الكيانات من المنظمات والشركات والمؤسسات غير الحكومية، القادرة على العمل على مستويات تتجاوز حدود الدولة، والتعاون مع نظيراتها في الدول الأخرى وعلى الصعيد العالمي، مثل الشركات متعددة الجنسيات، والنقابات ومنظمات المجتمع المدني، وحتى المنظمات الإرهابية، فإن الدولة لم تعد هي وحدها الفاعل المؤثر على الصعيد الدولي، وإن كانت لا تزال الفاعل الرئيسي بحكم إمكانات الدولة وتأثيرها والقدرة على الفعل باعتبارها المخاطب الرئيسي بمواد القانون الدولي المختلفة. ومع ذلك فإن تطور وسائل الاتصال، وازدياد ثقل ودور المنظمات غير الحكومية داخل الدول، والحاجة المتزايدة إلى مشاركة المجتمع المدني في أنشطة الدولة، ومساندة خياراتها، داخليا وخارجيا، زاد في الواقع من أهمية دور وتأثير منظمات المجتمع المدني، أي المنظمات غير الحكومية التي تنشأ في المجتمع لرعاية مصالح فئة أو شريحة أو أصحاب مهنة ما من أبناء المجتمع، والعمل على ترقيتها لصالحهم ولصالح المجتمع كذلك، ومن ثم ظهرت منظمات غير حكومية استطاعت التعاون والتنسيق والعمل معا، بما يتجاوز حدود الدول التي تنتمي إليها كل منها، ولتحقيق مصالح المنتمين إليها، ومنها على سبيل المثال منظمات عاملة في مجال حقوق الإنسان، وأطباء بلاحدود، ومنظمات إغاثة دولية، ومنظمات نقابية ومهنية أخرى، منها على سبيل المثال لا الحصر، الاتحاد الدولي للصحفيين، الذي بدأ مند منتصف عشرينيات القرن الماضي، والذي يكمل خلال السنوات القليلة القادمة القرن الأول على تأسيسه.

وقبل أيام قام أنطوني بلاجر الأمين العام للاتحاد الدولي للصحفيين بزيارة مسقط، بالتنسيق مع جمعية الصحفيين العمانية، من أجل بحث الاستعدادات لاجتماعات المؤتمر – الكونجرس – الحادي والثلاثين للاتحاد الدولي للصحفيين في مسقط في نهاية مايو من العام القادم، وهو بالتأكيد حدث كبير في دلالاته وما يمكن أن يصحبه ويترتب عليه من نتائج، تتجاوز بالتأكيد نطاق أو إطار جمعية الصحفيين العمانية.

وفي هذا الإطار فإنه يمكن الإشارة باختصار شديد الى عدد من الجوانب، لعل من أهمها ما يلي: أولا : أن منظمات المجتمع المدني، التي تنشأ وتعمل في العديد من المجالات، كالمحاماة والصحافة والهندسة والاقتصاد والطب والمناخ والجغرافيا والتراث والموسيقى وغيرها، وبالرغم من أنها منظمات غير حكومية، أي أنها تنشأ وتعمل بجهود أعضائها بشكل أساسي، وتسعي لخدمة مصالحهم وبما لا يتعارض مع مصالح المجتمع والدولة، بل لخدمتها أيضا، وهي منظمات تعمل في إطار المجتمع الذي تنشأ فيه وتتأثر به بالطبع، ومن ثم فإنها لا يمكنها عمليا الانفصال عن الإطار المؤسسي والاجتماعي للمجتمع، ويظل دورها حيويا بالنسبة للدولة وللمجتمع، بحكم قدرتها على جمع الكثير من أعضائها داخليا من ناحية، وقدرتها على العمل والتواصل مع نظيراتها من الجمعيات والمنظمات والاتحادات المناظرة لها خارجيا وفي اطار منظمات إقليمية ودولية من ناحية ثانية، ومن هنا فإن هذه المنظمات تلعب دورا مهما في التعبير غير الرسمي عن مصالح واهتمامات وأولويات مجتمعاتها، وتقديم صورة صحيحة للمجتمع الذي تنتمي إليه، وهي أمور تصب في النهاية في صالح الدولة والمجتمع، ويمكنها تعزيز الصورة القومية للدولة والمجتمع في الخارج وهو أمر مفيد في النهاية، وفي الوقت ذاته فإنها أو بعضها على الأقل قد تكون مصدر تنغيص أو إثارة لقضايا تمس أمن المجتمع والدولة واستقرارها في ظروف معينة، ومن هنا تحرص مختلف الدول وبوسائل متعددة ومتنوعة، على أن تكون لها خطوط اتصال مع تلك المنظمات، بما في ذلك وسائل دعمها المباشر وغير المباشر، خاصة وان تلك المنظمات يصعب عليها الاعتماد على اشتراكات أعضائها للإنفاق على أنشطتها أو تحقيق مصالح أعضائها أو تمويل معظم مشاركتها في أنشطة إقليمية ودولية، تعد جزءا من أنشطتها ودورها.

وإذا كانت بعض التيارات أو القوى السياسية في بعض الدول، ومنها دول عربية، قد حاولت في فترات ومراحل سابقة السيطرة بشكل أو بآخر على تلك المنظمات وتوجيهها لخدمة أهدافها السياسية، التي قد لا تتفق ومصالح الدولة والمجتمع، فان هذه المحاولات قد تم وقفها وتصحيحها، من أجل أن يكون هناك انسجام وتعاون بين تلك المنظمات والإطار المؤسسي للدولة وتقاليد المجتمع، باعتبار أنها في النهاية تمثل أحد الأطر المعبرة عن مصالح الدولة والمجتمع إذ أن مصالح أعضائها لا يمكن أن تنفصل عن مصالح الدولة والمجتمع أو تتعارض معها في النهاية، وقد أصبح ذلك أمرا مستقرا ومعروفا، في مختلف الدول والمجتمعات، نامية ومتقدمة على السواء .

ثانيا : انطلاقا مما سبقت الإشارة إليه، فان مساندة الدول لمنظمات المجتمع المدني التي تنشأ فيها، هي أمر مشروع ومرغوب، بل إن الدول تسعى لتشجيع إنشاء تلك المنظمات ودعمها، كسبيل من سبل المشاركة السياسية والاجتماعية والإسهام في تنفيذ أهداف الدولة والمجتمع في القطاعات المختلفة، وبالتالي فإن أي نجاح لتلك المنظمات أو بعضها، إنما يمتد بتأثيره إلى الدولة والمجتمع، خاصة في التعامل مع المنظمات الخارجية على الصعيدين الإقليمي والدولي. وهنا تتعدد صور الدعم المادي واللوجستي لأنشطة تلك الجمعيات على المستويات المختلفة، ومنها الإسهام في إنجاح فعالياتها ومؤتمراتها والأنشطة الإقليمية والدولية التي تستضيفها وتوفير سبل النجاح لها في النهاية، خاصة وأن ذلك يسهم في تقديم صورة صحيحة وجيدة للدولة للآخرين الذين يشاركون في مثل تلك الأنشطة من غير أبناء الدولة، وهو أمر مهم سياسيا وإعلاميا واجتماعيا وسياحيا واقتصاديا كذلك، خاصة وأن المشاركة المباشرة والعملية للوفود تظل تأثيراتها كبيرة وممتدة ومؤثرة لفترات طويلة عادة. وهذه أمور تستحق العمل من أجلها والإنفاق عليها بالطبع، لأنها أكثر فائدة وديمومة من أية حملات إعلانية قد لا تحقق أهدافها على النحو المطلوب.

ولعل ذلك هو ما يفسر، في جانب منه على الأقل، حرص الكثير من الدول على استضافة فعاليات، رياضية وتجارية واقتصادية واجتماعية مختلفة على أراضيها، والإنفاق عليها، لاستضافة أعداد كبيرة من أبناء الدول الأخرى ليزوروها وليلمسوا بأنفسهم وبشكل عملي حقائق الأوضاع على الأرض، ومن ثم تتعمق قناعاتهم ويكونون قادرين على فهم منطلقات سياسات ومواقف الدولة ورؤاها في المجالات المختلفة وهو ما يستحق العمل من أجله وإنجاحه بكل السبل الممكنة.

وفي المقابل فإن كثيرين يدركون الدور السلبي الذي يمكن أن تقوم به بعض تلك المنظمات في تشويه صورة الدولة أو في التركيز على سلبيات معينة مسيئة، اذا انحرفت عن الطريق السوي أو استغلت علاقاتها مع المنظمات الخارجية للإساءة للدولة أو للمجتمع الذي تنتمي إليه، ويتنافى ذلك بالطبع مع دور وأهداف تلك المنظمات الا إذا كانت مؤدلجة وذات اتجاهات سياسية معينة، وهو ما لا تسمح به الدول المختلفة في النهاية.

ثالثا : ليس من المبالغة في شيء القول بأن انعقاد المؤتمر – الكونجرس - الحادي والثلاثين للاتحاد الدولي للصحفيين في مسقط في آخر مايو وأوائل يونيو القادم هو حدث إعلامي كبير، ليس فقط لأن هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها عقد هذا المؤتمر العالمي في دول شبه الجزيرة العربية، ولكن أيضا لدلالة هذا الانعقاد على المستويات الإعلامية والسياسية والثقافية والسياحية كذلك، حيث من المنتظر أن يشارك في الجلسات نحو أربعمائة مشارك ينتمون إلى حوالي 150 دولة من دول العالم وهذه فرصة كبيرة للترحيب بهم والتفاعل معهم ليشهدوا واقعا عمانيا عمليا وملموسا يعزز صورة عمان على كل المستويات، ويرد بشكل هادئ وعملي على أية محاولات للمساس بصورة عمان كدولة آمنة ومستقرة، وكواحة سلام، تواصل خطواتها الطيبة والإيجابية في كل المجالات مع الدول الشقيقة والصديقة، وعلى أسس ومبادئ واضحة ومعلنة، أرست علاقاتها مع الأشقاء والأصدقاء في إطار من الاحترام المتبادل، وجعلتها طرفا لا غنى عنه في كل جهد موضوعي ومفيد للعمل من أجل السلام والاستقرار وتقريب المواقف وحل الخلافات بين دول المنطقة عبر الحوار الإيجابي والطرق السلمية.

وإذا كان الاتحاد الدولي للصحفيين قد وافق بإجماع أعضائه على عقد الكونجرس الحادي والثلاثين له في مسقط، وهو آخر مؤتمر للاتحاد في المئوية الأولى له، وهو أمر" له أهميته الرمزية "، كما قال الأمين العام للاتحاد انطوني بلانجر خلال الجلسة الحوارية معه في جمعية الصحفيين العمانية يوم الثلاثاء الماضي، فإن نجاح مجلس إدارة جمعية الصحفيين العمانية في تحقيق ذلك بجهد ومثابرة، هو في الواقع جزء من نجاحات أخرى حققتها وتحققها الجمعية، داخليا وخارجيا، والأكثر أهمية من ذلك أن يوافق مجلس الوزراء على اعتبار أن اجتماع الاتحاد الدولي للصحفيين في مسقط هو " حدث للدولة العمانية" وليس لجمعية الصحفيين العمانية فقط . ويعني ذلك توفير مختلف سبل ووسائل إنجاح الاجتماع وحسن تنظيمه، وهو ما كان أحد المعايير اختيار السلطنة لاستضافة الاجتماع الذي سيتم خلاله إجراء الانتخابات الدورية للاتحاد ووضع خارطة طريق لعمل الاتحاد خلال السنوات القادمة، بما في ذلك بحث سبل حماية الصحفيين من الموت خلال أدائهم لأعمالهم، وبحث وسائل ترقية وتطوير عمل الصحفيين وأدائهم لرسالتهم على المستوى العالمي في ظل التطورات المتسارعة تقنيا وإعلاميا.

وبينما أشار انطوني بلاجر ومساعده الهادي نويرة الى ما لمساه من رحابة صدر الإعلام العماني ومن ثراء مناقشاتهما مع معالي الدكتور عبدالله الحراصي وزير الإعلام والمسؤولين الآخرين خلال زيارتهم، فإنهما أكدا على الدور الإيجابي والنشط لجمعية الصحفيين العمانية ومشاركاتها البناءة داخليا وخارجيا .

وعلى ذلك فإن نجاح اجتماعات الاتحاد الدولي للصحفيين في مايو ويونيو القادمين، يظل هدفا تتعاون فيه جمعية الصحفيين العمانية مع مؤسسات الدولة الأخرى لإتاحة الفرصة لكل المشاركين في الاجتماعات، وهم يمثلون نحو ستمائة ألف صحفي أعضاء في الاتحاد، للاطلاع عن كثب على الجوانب الثقافية والحضارية العمانية وعلى الجهود التنموية العمانية بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم – حفظه الله ورعاه – وعلى سياسات السلطنة ومساعيها الحميدة لتحقيق وترسيخ السلام والاستقرار في المنطقة من حولها، وهو ما يستحق العمل بكل السبل لإنجاحه ولتكون الاجتماعات خبرة طيبة لكل المشاركين فيها وللاتحاد الدولي للصحفيين أيضا.