منصات التواصل.. والتعبير عن الرأي العام

07 سبتمبر 2021
07 سبتمبر 2021

مع كل حدث أو قضية وطنية تلعب منصات التواصل الاجتماعي دورا بارزا في إثارتها أو تعديل مساره، أو تمارس فيه الضغط على صانع القرار لتعديل توجهاته، يبرز السؤال القديم الجديد حول مدى تعبير هذه المنصات عن الرأي العام وهل يمكن اعتبار ما ينشر عليها مقياسا للرأي العام؟

وأثبتت الكثير من الأحداث أن النشر المكثف حول بعض القضايا والأحداث في «تويتر» تحديدا، قد انتهى إلى الاستجابة لآراء الناس وتعديل بعض الأنظمة، بالعودة إلى السؤال الذي طرحناه في مقدمة هذا المقال حول مدى تعبير ما يثار على منصات التواصل الاجتماعي عن الرأي العام، يصبح من الضروري أن نؤكد- بداية- أن مصطلح الرأي العام أكبر بكثير مما يقدمه البعض على «توتير» وغيره من المنصات الاجتماعية، كما أن طرق تكوّن الرأي العام وأساليب قياسه المتعارف عليها علميا أوسع وأعمق من تجمع الآلاف أو حتى مئات الآلاف حول بعض الوسوم وممارسة الضغط في بعض القضايا، فالرأي العام، الذي استقر عالما قائما بذاته يُدرس في كليات وأقسام الإعلام، وكليات وأقسام العلوم السياسية، هو في حقيقته «الرأي السائد بين أغلبية الشعب في فترة معينة بالنسبة لقضية أو أكثر يحتدم فيها النقاش والجدل، وتمس مصالح هذه الأغلبية، أو قيمها الإنسانية الأساسية مسا مباشرا».

عندما نفكك هذا التعريف فإننا يمكن أن نتوقف عند نقطتين رئيسيتين تؤكدان أن ما يتم تداوله على المنصات الاجتماعية لا يعبر تعبيرا دقيقا عن الرأي العام بمفهومه العلمي. وهما «الرأي السائد»، و«أغلبية الشعب».

في النقطة الأولى فإن الآراء الشخصية التي يقدمها مستخدمو المنصات الاجتماعية في القضايا المختلفة تبقى في دائرة الآراء الشخصية التي يكونها الفرد لنفسه في موضوع معين بعد التفكير فيه، ويتأثر هذا الرأي الشخصي بثقافة كل مستخدم وخبرته وسماته الديموغرافية كالنوع والسن ومستوى التعليم ومستوى الدخل.. الخ.

ويتأثر تعبير الفرد عن الرأي الشخصي بعوامل كثيرة منها رغبته في أن يشارك المجموعة المهتمة بالقضية أو الحدث أفكارها، وعلى هذا الأساس فإن فكرة «الرأي السائد» أبعد ما تكون عن الآراء الشخصية المتفرقة التي يعبر عنها الأفراد على «تويتر» أو غيره من المنصات الاجتماعية، خاصة وأن قطاعا قد يكون عريضا من المستخدمين قد لا يعبرون عن رأيهم إذا كان معارضا للاتجاه العام في الوسم خوفا من العزلة أو النقد العلني.

وهناك الكثير من الآراء الخاصة التي يحتفظ بها الناس لأنفسهم ولا يبوحون بها، ربما نتيجة الخوف، ولا تظهر في شبكات التواصل الاجتماعي.

في ضوء ما سبق لا يمكن لأحد أن يزعم أن اتجاهات مستخدمي هذه المنصات تعبر عن «الرأي السائد» بقدر ما تعبر عن رأي نخبة محدودة من المجتمع، تستطيع أن تصل إلى هذه المنصات وتستخدمها بكفاءة للتعبير الفردي عن رأيها في قضية ما، صحيح أن مجموع الآراء الفردية يصب في النهاية في تكوين الرأي العام، ولكنه يبقى رأي أقلية أتيح لها الوصول إلى منافذ التعبير الجديدة وليس رأي أغلبية الشعب، يُضاف إلى ذلك أن الرأي الذي يتم التعبير عنه غالبا ما يكون يوميا ومؤقتا وينتهي سريعا، إما بتجاوب المؤسسات مع ما يثار على هذه الشبكات، أو بتبدل وتغير اهتمامات الأفراد والمجموعة الضاغطة التي تستخدم هذه الشبكات من يوم إلى آخر.

ويؤكد ما سبق أن فكرة «أغلبية الشعب» التي تعد أحد أهم محاور تعريف الرأي العام تجعل من المنصات الاجتماعية مجرد منفذ من منافذ التعبير عن قطاع من الشعب. ويبقى هذا المنفذ محدودا سواء صغر أم كبر، ولا يمثل بأي حال أغلبية الشعب.

فوفقا للتقرير السابع للإنترنت في العالم العربي الذي نشرته المنظمة العربية لمعلومات حقوق الإنسان في أبريل 2020 يبلغ عدد مستخدمي موقع «تويتر» في سلطنة عُمان نحو 200 ألف مستخدم.

وتشير دراسة حديثة نشرت نتائجها جريدة «المصري اليوم» في يونيو 2021 إلى أن عدد مستخدمي «تويتر « في العالم العربي كله بلغ 42 مليونا، منهم 230 ألفا في السلطنة، ويؤكد تقرير ثالث بعنوان «العالم العربي على الإنترنت: اتجاهات استخدام الإنترنت في المنطقة العربية» صدر عن كلية دبي للإدارة الحكومية، ونشره موقع «العلامة» في مايو 2021 أن نسبة مستخدمي شبكة «تويتر» في عُمان بلغت 0.34 من إجمالي عدد السكان.

وتؤكد هذه البيانات أن ما يتم التعبير عنه على منصات التواصل الاجتماعي وخاصة «تويتر» لا يمكن الزعم بأنه يعبر عن أغلبية الشعب، فتلك الأغلبية ما زالت بعيدة عن هذه المنصة وغيرها من المنصات الاجتماعية.

حقيقة الأمر أن الرأي العام الذي يظهر في منصات التواصل الاجتماعي يندرج ضمن نوع معروف من الرأي العام يطلق عليه الباحثون «الرأي العام الظاهر»، وهو «الرأي العام القائم في وقت من الأوقات ويتم التعبير عنه صراحة ويظهر فيما تنشره الصحف ووسائل ومنصات الإعلام المختلفة، وأحاديث الناس ومناقشاتهم»، ومع ذلك فإنه لا يعبر عن رأي الأغلبية الذي لا يتحقق إلا إذا مثل حصيلة رأي ما يزيد عن النصف ممن يدلون بآرائهم من المواطنين.

ويمكن أيضا أن ندرج ما يتم التعبير عنه من آراء جماعية على هذه المنصات ضمن نوع آخر من الرأي العام هو الرأي العام النشط أو المسيطر أو القائد، وهو يمثل رأي صفوة المجتمع من قادة ومفكرين وعلماء وإعلاميين، ويؤثر في وسائل الإعلام، ورغم ذلك فإنه يبقى أيضا رأي مجموعة صغيرة من الناس، وليس رأي السواد الأعظم من المجتمع.

من حق الناشطين على المنصات الاجتماعية أن نعترف لهم بالقدرة على تغيير مسار بعض الأحداث والقضايا، وأن نسلم معهم بأهمية هذه المنصات في إقامة حوار مجتمعي «محدود»، وفتح المجال العام أمام التعبير الحر عن الآراء وتعزيز المشاركة الديمقراطية، لكن يجب ألا يكون ذلك على حساب الحقيقة التي تقول إن الرأي العام الحقيقي لا يقاس بحجم المشاركة على هذه المنصات، وإنما من خلال أدوات القياس العلمية المتعارف عليها والمعمول بها في العالم كله.

ما أحوجنا وسط هذا الجدل حول الرأي العام أن تكون لدينا أجهزة ومؤسسات ومعاهد علمية لقياس الرأي العام، تستطيع من خلال استخدام الأساليب العلمية الوقوف على اتجاهاته نحو مختلف القضايا التي تمس المصلحة العامة، وإمداد صانعي السياسات ومتخذي القرارات بالمعلومات التي تمكنهم من اتخاذ قرارات مبنية على توافق مجتمعي واسع.

إن وجود هذه الأجهزة والمؤسسات لم تعد ترفا في عالم يشهد تغيرات سريعة وتقلبات عديدة نحتاج معها أن نعرف على وجه الدقة، وليس فقط من خلال منصات التواصل الاجتماعي، آراء واتجاهات الناس نحو الأحداث والقضايا والدوافع الكامنة وراءها، والتنبؤ بالتغيرات التي قد تطرأ عليها، حتى يتم ترشيد السلوك السياسي، والمحافظة على استقرار الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية.