معرض الكتاب.. عرس حضاري وتواصل ثقافي

25 فبراير 2024
25 فبراير 2024

تشهد سلطنة عمان تفاعلا جماهيريا محليا وعربيا عاما مع استمرار فعاليات الدورة الثامنة والعشرين لمعرض مسقط الدولي للكتاب التي تستمر حتى الثاني من مارس المقبل بمشاركة أكثر من 30 دولة، هذا الحدث الثقافي المرتقب سنويًا لا يمكن أن يكون مجرد معرض لبيع وتسويق المؤلفات على أهميتها موضوعًا رئيسًا في معارض الكتاب عمومًا، لكنه حدث حضاري تواصلي تلتقي فيه أطراف كثيرة كلها يعنى بالثقافة في مفهومها العام غير المقتصر على الكتابة وحدها، أو على التسويق وحسب.

معرض الكتاب منطلق لتجسير علاقات ثقافية وتشاركات مؤسسية، وتنظيم فعاليات محلية وإقليمية للتعريف بالمنجز المحلي والاحتفاء بالتواصل العالمي، هو بوابة لتعريف القارئ بكاتبه المفضل، والكاتب بقرائه وجمهوره، فيه مداخل لتعريف المؤلف بدور النشر المختلفة، والخدمات الثقافية المتنوعة والمؤسسات المعنية بالقراءة والكتابة في دول مختلفة من الوطن العربي وحتى العالم، كل تلك التقاطعات الثقافية وتلك اللقاءات المعرفية لا يمكن أن تتحقق في مكان ما خلال فترة زمنية محددة إلا في معرض الكتاب، هو فرصة لا بد من استغلالها لكثير من المؤسسات الخدمية والجهات الرسمية لتسويق منتجها سواء كان منتجها هذا خدمة مقدمة، أو مادة معرفية لها تشكلاتها واقعيًا أو رقميًا، لذلك نجد ارتباط كثيرٍ من فعاليات معرض الكتاب بالتوعية والتثقيف حول أنشطة هذه الجهات وتنوع خدماتها وآلية الوصول إليها.

هو انطلاقة رائعة مع بداية الفصل الدراسي الثاني لمجموعات طلبة المدارس من مختلف الأعمار، لتعزيز دافع القراءة ومحفزات الكتابة والتأليف مع ما يشهده المعرض من حفلات توقيع الإصدارات التي تتيح فرصة لقاء القراء بالمؤلف وإمكانية الحديث معه حول إصداره الجديد أو حول الشأن الثقافي عمومًا، وعبر كل تلك اللقاءات التراكمية تتاح فرصة التأسيس لوعي الطفل المبكر بقيمة الكلمة وأهمية المعرفة بعيدًا عن عوامل التشتيت ومؤثرات تسطيح الوعي في عوالم التواصل الاجتماعي الكثيرة.

لا بد هنا من التأكيد على أهمية مواكبة التطور المعرفي والانفتاح المعلوماتي، خصوصًا مع توظيف وسائل الذكاء الاصطناعي، وهو ما لم يغب فعليًا عن المعرض منذ الدورة الماضية، مع تجديد الجهة المنظمة للمعرض في وسائل العرض وممكنات التفاعل عبر تخصيص فكرة المعرض -هذه الدورة- للذكاء الاصطناعي تأكيدًا على أهميته وحرصًا على التعريف بأدواته التفاعلية الممكنة سواء في القطاع الثقافي أو في القطاعات الحياتية عمومًا، كما أن المعرض بفعالياته وتنوعه وزواره من مختلف الدول فرصة للتعريف بمحافظات السلطنة المختلفة ونفائسها التراثية وأدوارها التاريخية حضاريًا، وضيف شرف هذا العام محافظة الظاهرة الحاضرة ثقافيًا.

لن يعدم الزائر لمعرض الكتاب في أي من دوراته الفوز بمغنم، فإما أن يحمل معه تشكيلة من مؤلفات اختارها بعناية لتكون إيناسًا وإمتاعًا، أو فائدةً ومعرفةً، وإما أن يزيد على ذلك غنيمة سلة من ذكريات يصنعها الحدث ذاته في فرصة حضور أمسية أو ندوة علمية، تفاعلًا حواريًا رائعًا أو لقاءات ودية لا تنسى، والغنيمة حقا لو أنه اكتفى من زيارته بطاقة إيجابية محفزة، وثقة في أن الكلمة ما زالت تملك القوة وتملك الأثر.

عشرة أيام ملأى بالكثير من التعاقدات الثقافية، ومشاريع التوأمة المعرفية، جسورًا تواصلية لا يمكن إدراكها في غير أوان أو مكان كمعرض الكتاب، فعاليات مصاحبة، وأنشطة موازية قد تُصعّب على زائر المعرض الجمع بينها، لكنها تكسبه -يقينًا- خبرة الانتقاء والتنظيم في ترتيب الأولويات، حيث يعد عدته مع صدور جدول الفعاليات لجني ما استطاع إليه سبيلا من ثمار المعرض المختلفة، وألوان معارفه المتنوعة، أيام المعرض ملأى بالكثير من الأحاديث والنقاشات داخل أروقة المعرض وخارجه، في الواقع أو على الفضاء الرقمي حول موضوعات كبرى سياسيًا واجتماعيًا، أو اهتمامات فردية تعنى بالفن وأنواعه، الأدب وتشكلاته الشعرية والسردية، العلوم المختلفة قديمها وحديثها، نقاشات كثيرة حول المعروض؛ منها ما يتعلق بالجانب المهاري في الحياة اليومية، وأخرى تعنى بالوجود وفلسفته العميقة، اختلاف أو اتفاق حول أسعار الإصدارات أو جودتها، طريقة العرض أو وسائل التسويق، عوالم من تفاعل إنساني متصل طوال فترة المعرض احتفاء بالثقافة أثرًا لا يخفى وقوة لا تفنى.

حصة البادية أكاديمية وشاعرة عمانية