مساعي لمّ الشمل العربي... بين الأمل والتحديات!!
بالرغم من أن العديد من الدول العربية تتحدث عن الحاجة إلى لمّ الشمل العربي، وعن ضرورة استعادة التضامن بين الأشقاء، وعن أهمية حل الخلافات العربية وتجاوز الحالة العربية الراهنة، ومع احترام كل الجهود المبذولة في هذا المجال، المعلن عنها وغير المعلن، فإن الأغلبية العظمى داخل المنطقة وخارجها يلتقون حول حقيقة أن سلطنة عمان في مقدمة الدول ذات المصداقية والشفافية في هذا المجال، وأن الكثيرين يثقون في الجهود والمساعي العمانية الخيّرة، مع إدراك الجميع أن هناك الكثير من التحديات التي تحيط بالواقع العربي الراهن، التي تؤثر بالضرورة على نتائج مختلف التحركات، وتجعل من تعاون الدول الشقيقة الأخرى أمرًا ضروريًا وبالغ الأهمية للوصول إلى نتائج ملموسة، وفي الوقت المأمول أيضا، وذلك من منطلق محدد يتمثل في أن استعادة التضامن والتقارب والتماسك العربي إنما هو في النهاية قرار عربي جماعي، وإن كانت عملية الإعداد والتحضير والدفع نحوه تتم عادة عبر جهود فردية أو محدودة الأطراف، وكانت السلطنة دومًا ضمن مقدمة الدول الساعية بإخلاص للم الشمل العربي دون دعاية ودون ادعاء، ومن ثم لم يكن التحرك العماني بشأن لم الشمل العربي بوجه عام واستعادة سوريا لمكانها في جامعة الدول العربية بوجه خاص سوى تأكيد للدور العماني في هذا المجال، بغض النظر عما قد تؤول إليه الجهود المبذولة على الصعيد العربي العام في هذا المجال بشكل مباشر أو غير مباشر فإنه يمكن الإشارة باختصار شديد إلى جانبين أساسيين هما: أولا أنه في ظل الإعداد لعقد القمة العربية العادية القادمة في الجزائر الشقيقة، التي سيتحدد موعدها خلال اجتماع وزراء الخارجية العرب في إطار مجلس جامعة الدول العربية في التاسع من الشهر القادم، ومع تأكيد الجزائر على أنها تريد أن تكون القمة «قمة لم الشمل العربي»، ومع إدراك سلطنة عمان لأهمية وضرورة تحقيق ذلك والعمل من أجل التمهيد له منذ مدة، فإن ما يتعلق بعودة سوريا إلى الجامعة العربية بات يفرض نفسه بإلحاح، خاصة وأن هناك دولا عربية أعادت فتح سفاراتها في العاصمة السورية، ومعروف أن سلطنة عمان لم تغلق سفارتها في سوريا ولم توقف الاتصالات معها طوال السنوات الماضية. وفي ضوء ذلك، كانت زيارة معالي السيد بدر بن سعود البوسعيدي وزير الخارجية للعاصمة السورية يومي 30 و31 يناير الماضي واستقبال الرئيس السوري بشار الأسد له باعثة للتفاؤل، ليس فقط بحكم الدور الخيّر الذي تقوم به سلطنة عمان على الساحة العربية، ولكن أيضا لأن الزيارة جاءت في أعقاب الاجتماع التشاوري لوزراء الخارجية العرب في الكويت يوم 30 يناير الماضي وما سبق ذلك من جهود واتصالات عربية عديدة وعلى مستويات مختلفة من أجل السعي إلى إيجاد أفضل مناخ عربي ممكن يمهد لقمة الجزائر ويدفع نحو إنجاحها على النحو المأمول.
يضاف إلى ذلك أن تصريحات معالي السيد بدر خلال المؤتمر الصحفي مع وزير خارجية سوريا فيصل المقداد يوم 31 يناير الماضي كانت بالغة الدلالة، حيث أكد معاليه «أن سوريا ركن أساسي في العالم العربي، وأن هناك جهودا خيرة تقوم بها العديد من الدول العربية في الوقت الحاضر للم الشمل وتصفية الأجواء وتصحيح أخطاء الماضي»، وأضاف أيضا: «نتجاوز الماضي بالمستقبل الواعد وبالتفاؤل، ونتمنى أن تؤتي هذه الجهود ثمارها ونتائجها الإيجابية التي تخدم شعوب أبنائنا وأجيالنا الحالية وبالمستقبل»، وإذا كان معالي السيد وزير الخارجية قد أشار إلى «تجاوز أخطاء الماضي، وتجاوز الماضي بالمستقبل الواعد وبالتفاؤل» فإن دولا عربية عدة وقطاعات واسعة من الشعوب العربية باتت متفقة مع ما عبر عنه معاليه من تجاوز أخطاء الماضي، وهو ما يحتاج إلى جهود سلطنة عمان وأكبر عدد ممكن من الدول العربية وسوريا كذلك، وبما يمهد الطريق بشكل ملائم ومتوازن ومناسب لعودة سوريا إلى استئناف نشاطها في جامعة الدول العربية، ولعلّ ذلك هو ما يتم العمل عليه بشكل عملي دؤوب.
ثانيا: أنه مع الوضع في الاعتبار أن تعليق عضوية سوريا في جامعة الدول العربية في مارس 2013، ومنح مقعد سوريا للمعارضة السورية، وهو ما لم يستمر بالطبع، كان خطأ من عدة نواح، خاصة وأن حكومة الرئيس بشار الأسد ظلت هي ممثلة سوريا لدى الأمم المتحدة ولدى المنظمات الدولية الأخرى، فإن التعلل بإجراءات تنظيمية أو قانونية في إطار جامعة الدول العربية هو تعلل لا يستند في الواقع إلى أسس قانونية أو سياسية ضمن وثائق جامعة الدول العربية بالطبع، ليس فقط لأن ميثاق الجامعة نص «على احترام أنظمة الحكم في الدول العربية» وعلى «عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية»، ولكن أيضا لأن ما حدث في سوريا في عام 2011 ولسنوات بعده كان بتورط بعض الأشقاء وتدخلهم في سوريا بأشكال مختلفة ومحرضة ضد الحكم السوري، وذلك باعتراف واضح ومعلن من جانب بعض الذين مارسوا ذلك عمليا. وإذا كان المقام لا يتسع لمناقشة هذه الجوانب علميًا وسياسيًا، فإنه من المهم والضروري عدم تحويل مسألة عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية إلى موضوع للجدل والمساومة ومحاولة تسجيل نقاط ما من جانب هذا الطرف أو ذاك، وحتى لا يتكرر ما حدث مع جمهورية مصر العربية بعد أن تم تعليق عضويتها في الجامعة العربية في قمة بغداد عام 1979 وحتى عودتها لشغل مقعدها في قمة الرباط عام 1989. ومع اختلاف الأسباب والملابسات في الحالتين المصرية والسورية، فإن دور الجامعة العربية كمنظمة وكأمانة عامة مهم بالطبع، ولكن لا ينبغي أن ننسى أن موقف الجامعة هو في النهاية تعبير عن مواقف الدول الأعضاء أو معظمها على الأقل كما هو معروف.
جدير بالذكر أن الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط كان قد أشار أكثر من مرة، منها في فبراير عام 2017 وفبراير 2019 وفي 2020 إلى أنه لم يلمس وجود توافق عربي بشأن عودة سوريا لشغل مقعدها في الجامعة، وهو بذلك يلقي الكرة في ملعب الدول العربية، وبعد الاجتماع التشاوري لوزراء الخارجية العرب بالكويت وخلال المؤتمر الصحفي مع وزير الخارجية الكويتي يوم 30 يناير الماضي قال: «إن الأزمة السورية طرحت ضمن الأزمات الأخرى، ولكن دعوة دولة للقمة أو استئناف نشاطها في الجامعة يحتاج إلى إعداد ومشروع قرار واتصالات وتحديد المطلوب من سوريا وهذا لم يتم الوصول إليه».
ومع اليقين أن عملية التحضير وإعداد مشروع القرار في الأمانة العامة للجامعة -أي قرار- يمكن إنجازه في وقت غير طويل إذا تهيأت الظروف، وخلصت النوايا والتقت الإرادات العربية، فإن الأمر بالنسبة لعودة سوريا يحتاج إلى زيادة عدد الدول الشقيقة المؤيدة لعودة سوريا وإلى القناعة بضرورة ذلك الآن وعدم ربط الأمر بقضايا أخرى متقاطعة ومعروفة، ومن المأمول أن تنجح الجهود العمانية وجهود الدول العربية الأخرى المؤيدة في التغلب على العقبات القائمة، ليس فقط من أجل سوريا الشقيقة وإخراجها من كبوتها، ولكن أيضا من أجل مصالح الدول والشعوب العربية في الحاضر والمستقبل، ولعل الأشهر القادمة تحقق نقلة نوعية في هذا المجال لتكون قمة الجزائر قمة لم الشمل العربي وعودة سوريا إلى الجامعة.
د. عبدالحميد الموافي كاتب وصحفي مصري
