مرايا رقابية وانعكاسات شراكة وشفافية
26 أكتوبر 2025
26 أكتوبر 2025
أصدر جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة قبل أيام ملخصًا للمجتمع لنتائج أعماله الواردة بتقريره السنوي عن عام 2024م، مستعرضًا نتائج المتابعة المالية والإدارية لبعض الوحدات الحكومية والهيئات والاستثمارات والشركات المشمولة برقابته بعد استيفاء الاجراءات المتبعة مع تلك الجهات، إلى جانب استعراض جهود الجهاز في تعزيز النزاهة خلال عام كامل.
حدث تفاعلي صار المجتمع بانتظاره فعليًا بشكل سنوي مُعمِلًا فيه تأملاته وتحليلاته، نقاشات لا تهدأ، وثناء لا يتوقف على جهاز الرقابة لنهوضه بمبدأي الشفافية والشراكة المجتمعية الرافدة عمل الجهاز والمحفزة نشاطه السنوي، والحق أقول: إنني من أولئك المترقبين هذا التقرير سنويا، ليس فضولًا وتصيدًا لأخطاء وشبهات اختلاس المال العام مما قد يبرر بعض تحديات الواقع المعاش، لكن حرصًا على مشاركة تعنينا ،وواقع يمثلنا، وشفافية تفاعلية نؤمن بها أبدًا.
مع ترقبي واحتفائي وكل عمان بصدور التقرير السنوي لجهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة لا أخفي غياب بعض توقعاتي في تقرير هذا العام، ولعل من الجيد هنا الإشارة إلى ما انتهى إليه تقرير العام الماضي معززًا بعناية جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- بمشكلة الباحثين عن عمل، وضرورة حلحلة تحدياتها وتذليل صعوباتها، حيث أسدى جلالته توجيهاته لجهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة بشأن متابعة واقع مؤشرات التوطين في القطاع الخاص وأداء سياسة التوطين وخطط الإحلال في الشركات الحكومية، مع استجابة الجهاز ومنتسبيه للتوجيهات السامية بدراسة واستقراء الواقع الإداري الفعلي للقطاع الخاص والشركات الحكومية، والخروج بمجموعة من المقترحات الساعية لردم الهُوَّة والإسهام في استيعاب مجاميع أكبر من الباحثين عن عمل عبر سياستي الإحلال والتوطين توقعت التركيز في تقرير هذا العام، كذلك، على مدى تطبيق أو مخالفة سياسة التوطين في المؤسسات المشمولة بعمل جهاز الرقابة، حكومية أو غير حكومية، لكني لم أجدها إلا لمامًا، ولعل جهود الجهاز في هذا المجال متضمنة في تقارير أخرى لم نتشاركها، لكنها لم تُغيّب هذه المشكلة أو تتجاوزها إلى غيرها، وهي المحور الرئيس لكثير من المخالفات المرصودة من قبل الجهاز في كثير من تفاصيل تقرير هذا العام إذا ما ذكرنا ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ : «انخفــاض أعــداد القــوى العاملــة الوطنيــة بالمنشــآت الــكبرى التــي تتخــذ مــن محافظــة الداخليـة مقرهـا الرئيسـي خلال عـام 2023 بالمقارنـة بعامـي 2021 و2022، أو «عدم تحقيــق مســتهدف التــوطين فــي 334 عقــًدًا بشركة تنميــة نفــط عُمــان للــفترة 2018 - 2021» وغيرها من المخالفات والملاحظات التي تعكس الحاجة الماسة لمراقبة التوطين في كافة القطاعات، ثم دعم تلك المراقبة بالتعزيز والتعزير تمكينًا لشباب هذا الوطن من خدمته أولا، واستثمار موارده وثرواته استثمارًا وطنيًا يعود على مواطنيه بكل الخير، وضمانًا لبقاء ذلك الخير داخله ترشيدًا لموارد اليوم خدمة لغد أفضل.
عبر قراءة تحليلية للتقرير السنوي هذا العام والأعوام الماضية نتبين بقاء مشكلة الحوكمة المؤسسية، حيث تتركز المخالفات ـ التي قام جهاز الرقابة بحصرها ـ حول إشكاليات المتابعة الدورية للتخطيط ومراحل التنفيذ، ثم فرض الجزاءات المغلّظة في حال المخالفة أو التقصير، إضافة إلى بعض تجليات الترهل المؤسسي المنعكس على إنتاجية متباطئة أو عدم وجود إنتاجية أصلا، وهو ما مثلته في التقرير كثير من الشركات الحكومية التي لخص التقرير إنتاجيتها بعبارات مثل «انخفاض إنتاجية، قروض متأخرة السداد، مبيعات وهمية، خسائر متراكمة، انخفاض مبيعات، فوات تحقيق إيرادات، تأخر تنفيذ مشاريع دون جزاءات، تآكل رأس المال، غياب الخطط الإستراتيجية، وعقود شراء وصيانة تستنزف المال العام دون تحقيق جدوى». ثم لا بد من التأكيد على ضرورة التحول الرقمي، والتأكيد على شغل وظائف تقنية وأمن المعلومات من قبل العمانيين حرصًا على أهمية مشاركة البيانات الوطنية، وهو أمر ليس بالمستحيل إذا ما درسنا تكدس أعداد الخريجين العمانيين في التخصّصين.
حريٌّ بالذكر كذلك ملاحظة تزايد أعداد الشكاوى والبلاغات المقدمة للجهاز عاما بعد الآخر؛ وما ذلك إلا مؤشر لتحقق مأمول التوعية والإعلان التي ينهض بهما الجهاز موزعًا فعالياته في كل المحافظات بما يعزز الثقة المتبادلة بين الجهاز والمجتمع.
ختامًا: لا نملك إلا شكر جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة على جهود منتسبيه وإخلاص أعضائه تأكيدًا لأهمية الشراكة عبر نوافذ الشفافية والتوعية والمتابعة. وإذ يضع الجهاز أمانته سنويًا على طاولة كل من مجلس الوزراء ومجلس الدولة ومجلس الشورى فلا أقل من تساؤلات مشروعة عن دور هذه المجالس في متابعة مضمون التقرير السنوي، مسؤوليتها الوطنية في وضع تدابير إدارية أو قانونية جزائية تحول دون تكرار ذات المخالفات سنويًا، أو على الأقل تقليص عددها للحد الأدنى نهوضًا بالتنمية والمجتمع، وحرصًا على ثروات البلاد الوطنية وحماية للمال العام.
لا أقل من وقفة مجتمعية جماعية لاستكمال أدوارنا جميعًا في تطويق قضايا الاختلاس والفساد وشبهات المحسوبية والنفعية، وهي آفاتٍ تنهش جسد التنمية وتهدم جهود بناء المجتمع ورفاه مواطنيه.
حصة البادية أكاديمية وشاعرة عمانية
