لحظة المونديال!

30 نوفمبر 2022
30 نوفمبر 2022

في مونديال كأس العالم لكرة القدم، تتداعى معانٍ ورموز تعيد للبشر تذكيرا حميما بهويتهم الإنسانية المشتركة. ولربما كانت كرة القدم اليوم في مونديال كأس العالم (الذي نشهد وقائعه هذه الأيام بدولة قطر) بشعبيتها الطاغية أكبر محفل يجمع بشرا مختلفين في مكان انعقاد المونديال، من ناحية، وفي كل مكان في العالم من ناحية ثانية. حيث يتفاهم عشاق المستديرة ويتواطؤون على لغة واحدة ساحرة للتعبير؛ هي لغة المستديرة حين تغزو العيون بجماليات اللعب ومهارات الإبداع.

مهما تعددت لغاتهم، يكفي عشاق المستديرة الرحيل إلى أي بلد يستضيف المونديال ليجتمع على الأقل مواطنو 32 دولة خلال شهر كامل دون الحاجة إلى التفاهم حتى، لأن المتعة البصرية التي يتشاركونها بلغة واحدة أثناء مشاهداتهم لمباريات كأس العالم هي بذاتها كافية لإشاعة معنى عام بهوية إنسانية مدركة في مفردات حياة قد لا تكون فيها للغة البلد الأهمية ذاتها للغة المستديرة التي يفهمونها في محفل الإمتاع!

إن قوة الإحساس بما تعنيه كرة القدم في المونديال من معان إنسانية تضمر السلام والتعارف والحرية والمتعة والنظام والأخلاق والمرح والانطلاق، هي ذاتها التي تجعل من هوية المكان الذي تقام فيه دورة المونديال كل 4 سنوات كما لو أنه مكان للألفة يشعر الجميع فيه بحميمية مشاعرهم المترجمة لما يكون كافيا للاستغناء عن كل لغات العالم.

ثمة إحساس بمواطنية عالمية، وبكونية عابرة للأفراد في طقس المونديال على نحوٍ لا يضمر إلا المتعة والحرية والسلام بوصفه عيدا من أعياد الأزمنة الحديثة!

إن مونديال كأس العالم، إذ يجمع البشر أجمعين ويوحدهم في كل مكان من العالم، إنما يعكس أيضا معنى للمشاركة الوجدانية، ليس فقط لجهة التضامن الذي تعبّر عنه اصطفافات عشاق الرياضة مع منتخباتهم الوطنية، بل كذلك تلك الاصطفافات التي يتخير عشاق فيها المستديرة لاعبيهم بتاريخ حافل في ألعاب الجمال والمتعة، كفريقي البرازيل والأرجنتين، وهما فريقان يعشقهما محبو الرياضة في كل أنحاء العالم (كل بحسب ميله واصطفافه مع أحد الفريقين) وفي ذلك التشجيع لفرق مونديال كرة القدم وعلى رأسها فريقا: البرازيل والأرجنتين ما يؤكد المعنى الإنساني للمونديال بوصفه مشهدا عالميا للفرح والمتعة بين البشر.

وبالرغم من أن اللعب الكروي يمثل أداءً جسديا لحظيا ضد الذاكرة، عبر الحركات والمهارات المتوالية في اللعب تلك التي تكمن متعتها في أدائها اللحظي فحسب (بحيث لا يمكن لأي شخص مهما بلغ من حبه لكرة القدم أن يتحمل إعادة مشاهدة مباراة انتهت للتو) لكن، في الوقت ذاته، يحضر التاريخ في كرة القدم كزمن مستعاد للأمجاد أو كحافز لاستعادة الأيام الخالدة. أو حتى لتصحيح التاريخ في لحظة حاضرة كثأر استعادي نظيف للحظة أليمة في الماضي. فمن منا لا يعرف ما حدث بين البرازيل والأوروجواي في مونديال 1950 حين تسبب فوز الأوروجواي على البرازيل في المباراة الختامية في مأساة وطنية كبيرة للبرازيليين، وكان ذلك الحدث المؤلم لهزيمة البرازيل على أرضها في عام 1950 حافزا كبيرا بعد ذلك لكي تفوز بكأس العالم لمرات خمس!

لحظة المونديال لا تعكس اليوم هوية مجردة للرياضة، فالمونديال، بوصفه أكبر معرض جماعي لفنون الفرجة العالمية يشهده أهل الأرض جميعا باستمتاع منقطع النظير، يضمر تعبيرا عن كثير من القيم، فالجانب الأخلاقي للرياضة رغم اتصاله بقانون يحدد هوية العنف المقبول في اللعبة، داخل الملعب، فإنه كذلك ارتبط بقيمة تذّكر بأثر الرياضة في الأخلاق عبر المقولة الشهيرة «الأخلاق الرياضية».

يطوف المشهد الرياضي الأعظم للمونديال كل 4 سنوات عالميا من دولة إلى أخرى على مدى شهر كامل يستعيد فيه البشر تجديد معارفهم وعلاقاتهم الإنسانية الحميمة.

لطالما اقترن إيحاء الزخم المونديالي في كل دورة بأساطير وأسماء لنجوم رياضية في ذاكرة العالم لا يمكن نسيانها. إذ لكل جيل من الأجيال أسماؤه ونجومه في المرحلة التي عاشها؛ أسماء ليست للنسيان، حيث يظل اسم النجم محفورا في مساحات الذاكرة ومحفوفا بهالات الإعجاب على مر السنيين؛ فمن ينسى نجوما في سماء العالم مثل «بيليه»، «مارادونا»، «بوشكاش»، «يوهان كرويف»، و»بكنباور» تلك الأسماء التي لا تغيب أبدا لأن هويتها الرياضية تحولت إلى أسطورة للإبداع الخالد.