لا يمكن استبعاد حركة حماس

31 مارس 2024
31 مارس 2024

هل يمكن إلغاء حركة حماس وإبعادها من أيّ تسوية قادمة، بعد الحرب الإسرائيلية على غزة؟ التوجه الإسرائيلي والأمريكي وبعض الدول العربية ينحو إلى هذا الاتجاه، مع كثرة الحديث عن مستقبل غزة بعد الحرب مباشرة، حيث انتشر في وسائل الإعلام خاصةً الغربية مصطلح «اليوم الأول بعد الحرب». لا يمكن إلغاء حماس وتجاهلها؛ لأنها مكوِّن أساسيّ من مكوّنات الشعب الفلسطيني، وكم كان معالي السيد بدر بن حمد البوسعيدي وزير الخارجية مُحقًا عندما قال في حواره مع شبكة «سي إن إن»: «إنّ حركة حماس يجب أن تكون جزءًا من أيِّ حلّ للقضية الفلسطينية، وأنه من الخطأ استبعادها»؛ وما قاله معاليه هو الذي يجب أن يكون موقف الدول العربية كلها، بما في ذلك موقف السلطة الفلسطينية.

لا غرابة أن يكون الموقف الأمريكي متسقًا مع الموقف الإسرائيلي بإبعاد الحركة من النظام السياسي القادم بعد «اليوم الأول من الحرب»، فماثيو ميلر المتحدث باسم الخارجية الأمريكية أعلن في تصريحات جديدة يوم الثلاثاء 26 من مارس 2024، بأنّ «حركة حماس ليس لها مكان في النظام السياسي المستقبلي في فلسطين»، ووصفها بأنها «منظمة وحشية ارتكبت هجمات إرهابية قبل وقت طويل من 7 أكتوبر، ثم نفّذت بالطبع الهجمات الشنيعة في 7 أكتوبر، لذلك ليس لديهم الحق في المشاركة السياسية». وفي اليوم نفسه ومن واشنطن صرح يوآف جالانت وزير الدفاع الإسرائيلي «أنه يجب إيجاد بديل محلي ليحكم غزة بعد هزيمة حماس»، ما يعني أنّ الكيان الإسرائيلي يريد أن يفرض من يحكم غزة.

إذا كان الموقف الأمريكي معروفًا والذي عبّر عنه ماثيو ميلر، وما عبّر عنه أيضًا وزير الدفاع الإسرائيلي، إلا أنه من عجائب الأمور أن نقرأ تصريحات من مسؤولين عرب تصف حماس بأنها إرهابية، والأعجب أن تخرج تصريحات كهذه من بعض القيادات الفلسطينية، تتمتع بعضوية اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، مثل تصريحات أحمد مجدلاني، وزير الشؤون الاجتماعية في السلطة الفلسطينية، لقناة «الحدث» السعودية قبل فترة، التي قال فيها: «حماس منظمة إرهابية بشكلها الحالي وبرنامجها الحالي وخطابها السياسي الحالي»، وأشار إلى أنها قد تكون جزءًا من الحل في حال تخلت عن المقاومة المسلحة.

أشعلت هذه التصريحات -حينها- موجة غضب عارمة في مواقع التواصل الاجتماعي فور صدورها، وقد سبقت التراشق الأخير بين فتح وحماس، لكنها لم تكن الأولى؛ ففي تصريحات سابقة نقلت مجلة «نيوزويك» الأمريكية عن مجدلاني، قوله: «إنّ السلطة الفلسطينية مستعدة لاستعادة السيطرة الكاملة على قطاع غزة بمجرد انتهاء الحرب بين إسرائيل وحماس، كما أنها مستعدة لإجراء أول انتخابات وطنية لها منذ عام 2006 كجزء من اتفاق سلام طويل الأمد أوسع نطاقًا»، ما يعني أنّ الكيان الصهيوني يشن الحرب ضد غزة لصالح السلطة، وهذا ما يمكن أن أفهمه أنا (بفهمي البسيط)، بعيدًا عن أيّ تنظير لكلامه، فهو القائل أيضًا: «إنّ السلطة الفلسطينية يمكن أن تبدأ حكم غزة بمجرد انتهاء الصراع الحالي، ويمكن أن تجري انتخابات بعد «فترة انتقالية» من عام إلى عامين».

وأمام وصف الحركة بأنها إرهابية ما كان من حماس إلا أن تصف هذه التصريحات بأنّها «غير وطنية، وتمثل خروجًا عن الإجماع الوطني، وهي صك مجاني لخدمة الاحتلال وأجندته الهادفة لضرب الوحدة الوطنية وصمود الشعب الفلسطيني؛ الذي يواجه حرب الإبادة والتنكيل في غزة والضفة». ونحن إزاء هذا التراشق نتساءل هل تمثّل تلك التصريحات الموقف الرسمي للسلطة الفلسطينية؟ وهل هذا هو الوقت المناسب لإطلاق تصريحات كهذه، وغزةُ تواجه حرب إبادة؟ ثم السؤال الأهم، لماذا الآن؟ والواضحُ أنّ هذه التصريحات هي نسخة طبق الأصل لتوجهات نتنياهو وبن غفير وغيرهما، فلا فرق بتاتًا.

من يقرأ التعليقات على تصريحات مجدلاني في مواقع التواصل والمواقع الإخبارية، لا يخرج إلا بانطباع واحد هو أنّ هناك أزمة شرعية الآن، وأنّ الجيل الفلسطيني الجديد يبحث عمن يمثله، وأنّ شيطنة حماس لا تنطلي عليهم.

إنّ ما يجري في غزة، وما تتعرض له حركة حماس من حرب شرسة من القريب قبل البعيد، جعلت الكاتب والباحث محمود عبد الهادي يبكي دما، في مقال كتبه تحت عنوان «لك الله يا حماس» في موقع «الجزيرة - نت» إذ يقول متحسرًا: «لك الله يا حماس؛ فقد انقطعت بك السبل، وتكالبت عليك الضباع من كلّ حدب وصوب، وقد وضع المتخاذلون أيديهم في أفواههم، لا يجرؤون أن يمدّوها إليك، ولا أن يقفوا إلى صفك، بل لا يجرؤون على التفوّه باسمك إلا مقرونًا بالإرهاب والتطرف والظلامية واللاشرعية والخروج على الإجماع العربي والتوجه الدولي. كيف لا وأنتِ مدرجةٌ في شريعتهم وقوانينهم على قوائم الإرهاب، ولطالما التف واحتال وتآمر قاتلوك للقضاء عليك والتخلّص منك». وتساءل: «أليسوا قومك؟ بلى، أليسوا بني جلدتك؟ بلى، أليسوا بني قبلتك؟ بلى، ولكنهم تفرقوا، واختلفوا، وتحالفوا مع شياطين الأرض حفاظًا على مقاعدهم وتيجانهم».

ستبقى حركة حماس مكونًا رئيسيًّا من مكوّنات الحركة الوطنية الفلسطينية، وهي حركة تحرر وطني تقوم بواجباتها ومسؤولياتها الوطنية في مواجهة الاحتلال، وتتصدى لإرهابه وإجرامه وحربه العدوانية، وتمارس الحقّ المشروع في الدفاع عن النفس، رغم الخسائر في الأرواح، لكن لن يكون هناك أيُّ نصر دون تضحيات، وفي اعتقادي أنها برجالها، أشعلت شعلة الكفاح والنضال والمقاومة والحرية من جديد، وغيّرت الواقع بأن فتحت أبواب المستقبل بتعريتها مواقف بعض الدول العربية والمتخاذلين من الفلسطينيين والعرب، وكما قال صديقي علي بن مسعود المعشني في إحدى لقاءاته: «خذوا قاعدة.. من يخذل المقاومة اليوم سيخذل وطنه غدًا»، والله إنها لحكمة، فمن يقدمون أوراق اعتمادهم لقيادة المرحلة الفلسطينية المقبلة على حساب غزة وأهلها ولا أقول على حساب حماس، سيخذلون فلسطين كلها. ولولا المقاومة لنسي العالم اسم فلسطين، وهل يستوي الذين يقاومون والذين لا يقاومون؟! ولو فرضنا أنّ حركة حماس هُزمت، فهل يعني هذا نهاية المقاومة؟ لا. فالمقاومةُ الفلسطينية ستستمر، وهي ظاهرة تعبّر عن إرادة الشعب الفلسطيني في تحرير أرضه وبناء دولته الوطنية.

زاهر المحروقي كاتب عماني مهتم بالشأن العربي ومؤلّف كتاب «الطريق إلى القدس»